كيف تُزعزع الصدمات النفطية الاقتصاد العالمي؟
كيف تُزعزع الصدمات النفطية الاقتصاد العالمي؟كيف تُزعزع الصدمات النفطية الاقتصاد العالمي؟

كيف تُزعزع الصدمات النفطية الاقتصاد العالمي؟

قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن انفجار لهيب أسعار المواد الهيدروكربونية، التي كثفته الحرب في أوكرانيا، يوقظ ذكرى أزمات الطاقة في عامي 1973 و1979، التي تميزت بظهور النمو التضخمي، وهو مزيج من التضخم المرتفع وضعف النمو.

ونقلت الصحيفة عن مايكل ليبيتيت، الباحث في التاريخ الاقتصادي في المختبر متعدد التخصصات لطاقات المستقبل (LIED)، بجامعة باريس – السابعة، في معرض حديثه عن تلك الأزمة: "كما كان الحال في ذلك الوقت، كل ما نملكه من مشاعر اليقين بدأ يتبخر".

وصرَّح وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، في الـ9 من شهر آذار/مارس الجاري، "بأن صدمة الغاز، اليوم، يمكن مقارنتها في شدتها ووحشيتها بصدمة النفط العام 1973".

وبين التقرير أن "أسعار الغاز المرجعي الأوروبي (TTF الهولندي) قفزت بشكل قياسي من 76 يورو إلى أكثر من 340 يورو، لكل ميغاواط ساعة، وهو رقم قياسي تاريخي، بين الـ22 من شهر شباط/ فبراير الماضي والـ8 من شهر آذار/مارس الجاري، في حين يحوم سعره حول 105 يوروهات، منذُ يوم أمس الإثنين".

وأضاف أن "أسعار برميل نفط برنت ارتفعت من 96,80 دولارًا إلى 130 دولارًا (87,60 يورو إلى 117,70 يورو) خلال نفس الفترة، بزيادة أكثر من 30٪ قبل أن تنخفض، في حين كانت قد ارتفعت، بين شهري كانون الثاني/يناير، وآذار/مارس من العام 1974، بنسبة 240٪".

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن "التضخم بلغ ذروته عند 7.9٪ في شهر شباط/فبراير في الولايات المتحدة، و5.9% في منطقة اليورو، ولا يزال بعيدًا عن الذروة البالغة 12٪، التي لوحظت في منتصف العام 1974".

ونقلت عن الاقتصادي في "ريكسيكود" دنيس فيران، قوله إن "الشكوك حول نتيجة الصراع كبيرة، ولكن في الوقت الحالي الصدمة أقل قوة مما كانت عليه قبل 50 عامًا".

ويوم أمس الإثنين، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد إنها لا ترى "بحلول عام 2022 أو 2023 أو 2024 أي ركود في الاقتصاد"، بفضل الانتعاش الجيد للنشاط الذي لوحظ قبل اندلاع الحرب.

في حين قال جان كريستوف كافيه، كبير الاقتصاديين في "كوفاس"، "انخفضت منذ ذلك الحين كثافة الطاقة للناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي كمية الطاقة اللازمة لتوفير نفس المستوى من الإنتاج، بنسبة 40٪".

وذكرت الصحيفة أنه "في العام 1970، كان الذهب الأسود دم الاقتصادات الصناعية"، على حد تعبير المؤرخ المختص بهذا الموضوع دانيال يرغين، وقد أصبح النمو أقل اعتمادًا عليه اليوم.

وبين كافيه أنه "إذا استقر البرميل عند مستوى مرتفع بشكل دائم، حوالي 140 دولارًا، فسيرفع على أي حال فاتورة الطاقة إلى 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو مستوى قريب من مستوى العام 1973".

محاربة الهدر والتبديد

وأشارت "لوموند" إلى أنه "إذا بقيت لعبة المقارنات التاريخية دقيقة فهناك شيء واحد مؤكد، وهو "صدمة النفط العام 1973"، مثل تلك التي حدثت في العام 1979، والتي أعادت كتابة قواعد الاقتصاد العالمي من نواحٍ عديدة".

ففي شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 1973، ارتفعت الأسعار في أعقاب ارتفاع الرسوم الجمركية والحظر، الذي فرضته منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، كردّ فعل على حرب "العاشر من رمضان" بين مصر وسوريا ضد إسرائيل.

وقال ماتيو أوزانو، مدير مركز الأبحاث "The Shift Project": "لكن الأسعار كانت قد بدأت في الارتفاع قبل وقت طويل، من العام 1970، عندما وصلت الولايات المتحدة إلى ذروتها في إنتاج النفط التقليدي".

وبين التقرير الفرنسي أنه "أمام ارتفاع الأسعار الجنوني انخفض النمو الأمريكي بشكل حاد، من 5,6 ٪ في العام 1973 إلى 5,6 ٪ في العام 1974، فيما انخفض نمو دول الاتحاد الأوروبي من 6٪ في العام 1973 إلى -0,6٪ في العام 1975".

واستجابة لذلك سارعت الحكومات الغربية إلى فرض تدابير لتوفير الطاقة، وهو ما يُذكر بتوصية وكالة الطاقة الدولية، يوم الجمعة الماضي، الداعية إلى "خفض السرعة على الطرق، وطرق خالية من السيارات، يوم الأحد، ودعم وسائل النقل العام"، وفق المصدر ذاته.

وقال إنه "منذُ العام 1973 حظرت سويسرا، وهولندا، القيادة أيام الأحد، وأنشأت المملكة المتحدة أسبوع الأيام الثلاثة للحد من استهلاك المؤسسات".

وأشار إلى أن فرنسا "حددت السرعة على الطرق السريعة عند 120 كم/ساعة"، وأطلقت عملية "محاربة الهدر والتبديد"، مع وضع حد أعلى لاستهلاك للتدفئة عند 20 درجة مئوية، ومنع إضاءة واجهات المتاجر ليلًا وحتى إيقاف البث التلفزيوني عند 11 مساء.

قلق البطالة

وعلى جانبي المحيط الأطلسي، بحسب الصحيفة، "لم تنجح أي من الإجراءات النقدية والمتعلقة بالميزانية، التي تم اتخاذها في ذلك الوقت (نهاية الثلاثينيات المجيدة) لوقف ارتفاع الأسعار، وظهور البطالة الجماعية والركود التضخمي، أي ذلك المزيج من الزيادات الحادة في الأسعار والنمو الضعيف".

وتتذكر سيلين أنتونين من المرصد الفرنسي للظروف الاقتصادية، كيف للحكومات أن تتلمس طريقها أمام معضلة رهيبة، وهي: "كيف تكافح البطالة والتضخم المتصاعد معًا؟".

ووفق "لوموند"، فإنه "في العام 1974، حاول جاك شيراك في فرنسا أولًا فرض حظر إداري على الأسعار، من خلال "خطة Fourcade"، لكن دون جدوى".

وذكرت أنه "في العام 1975، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1٪ بعد تبني شيراك إجراءات تحفيزية من خلال الاستثمار لإخراج فرنسا من حالة الركود، وتقليل البطالة، ولكن دون جدوى أيضًا".

وأشار إلى أنه "في 1976 وضعت وزارة الاقتصادية والمالية والإنعاش المعروفة باسم "بيرسي/Bercy"، خطة تقشف مع زيادة الضرائب للحد من الطلب، والحد من الأسعار المرتفعة".

وتابعت أن يعد فشلًا آخر، "وذلك بعد أن كان عند 3,7٪ في العام 1974 ارتفع التضخم إلى 9,4 ٪ في العام 1977، وفي العام 1974 بلغ عدد المتعطلين عن العمل في البلاد 500 ألف، وهو رقم غير مسبوق، فيما تجاوز خط المليون متعطل في العام 1977".

وأردفت التقرير الفرنسي: "ازداد الوضع سوءًا في العام 1979 عندما تسببت الثورة الإيرانية والحرب بين إيران والعراق في صدمة نفطية ثانية، فخلال 12 شهرًا ارتفعت أسعار زيت الوقود ثلاثي الألوان بنسبة 37,3 ٪، وأسعار الغاز بنسبة 16,3٪، والبنزين بنسبة 15,7٪، فيما أخذ عدد المتعطلين في ازدياد".

"أزمات عرض وليس طلبًا"

وأشارت الصحيفة إلى أن "نهاية السبعينيات شكلت قبل كل شيء نقطة تحول رئيسة في الفكر الاقتصادي".

وأكد جان مارك دانيال، الاقتصادي في "ESCP"، أن "التضخم المصحوب بالركود سيهزم النظريات الاقتصادية الكنزية (نسبة إلى الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز)، التي كانت سارية آنذاك، والتي تأثرت بصدمة أزمة الثلاثينيات"، وفق ما أوردت "لوموند".

ولفتت إلى أنه "لسبب وجيه، أدت سياسة التقشف التي فُرضت بعد انهيار سوق الأسهم، العام 1929، لا سيما في ألمانيا إلى تفاقم الكساد".

"وفي العام 1937 تسبب التشديد النقدي والميزاني المفروض على الولايات المتحدة في انتكاس الاقتصاد، وفي كلتا الحالتين كانت الصدمة هي انهيار الطلب مع الانخفاض الحاد في دخل الأسر" وفقًا للصحيفة الفرنسية.

وتابعت: "في نهاية الستينيات سعت البنوك المركزية التي كانت حريصة على عدم تكرار أخطاء الثلاثينيات إلى دعم الاستهلاك، دون القلق بشأن التضخم".

وأضافت أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) سمح لمؤشر الأسعار بالارتفاع دون رد فعل: من 1,6 ٪ في العام 1965 ارتفع إلى 4,3 ٪ في العام 1968 وما يقرب من 6٪ في العام 1970 حتى قبل صدمة النفط".

وأوضحت أنه "على ذلك النحو أنشات الحلقة التي ترتفع فيها الأجور المرتبطة إلى حد كبير بالأسعار بنفس النسب التي تشهدها هذه الأسعار، مما يغذي دوامة تضخمية يصعب كسرها".

ووفق "لوموند"، فإن "الصدمات النفطية في السبعينيات لم تكن أزمات طلب كما في الثلاثينيات، لكنها أزمات عرض نتجت عن الارتفاع الحاد في أسعار الذهب الأسود وتكاليف إنتاج الشركات".

ويلخص تشارلز ويبلوس، الاقتصادي في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، الموضوع قائلًا: "الآليات في العمل ليست من نفس الطبيعة، وتتطلب ردودًا مختلفة"، مبينًا "أن فهم هذا سيغير بشكل عميق الاقتصاد الكلي".

وتواجه البنوك المركزية مرة أخرى شبح الركود التضخمي، الذي اعتقدت أنه هُزم إلى الأبد.

ولكبح الارتفاع في الأسعار، بحسب الصحيفة الفرنسية، "رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعاره الرئيسة بمقدار ربع نقطة في الـ16 من شهر آذار/مارس الجاري، (تتقلب حاليًا بين 0,25٪ و0,5٪)".

ومن المتوقع أن يتبعه البنك المركزي الأوروبي قريبًا، مع خطر أن يلقي هذا التشديد النقدي بثقله على النمو، ويهز الأسواق، لأن اقتصادات أوروبا لها ديون عامة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل 50 عامًا.

وأشارت "لوموند" إلى أنه "من خلال ذلك انتقلت النسبة في فرنسا من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1971 إلى أكثر من 115٪ اليوم، فيما انتقلت ديون الولايات المتحدة، من 36٪ إلى أكثر من 130٪".

ويتوقع تشارلز ويبلوس، الاقتصادي في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف أن "القلق بشأن القدرة على دعم المالية العامة سيعود إلى الظهور بلا شك، ولن يستثني البلدان الناشئة، حيث تضخّم وزنُ ديون الدول من 40٪ إلى 65٪ من الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 1997".

وقال التقرير الفرنسي إن "التنويع الأساس لموارد الطاقة، الذي بدأ مرة أخرى يحتل رأس جدول الأعمال الأوروبي، إذ إنه بعد العام 1973 عملت الدول على تقليل اعتمادها على نفط الخليج العربي، وأطلقت فرنسا برنامجها لبناء محطات الطاقة النووية، في العام 1974، وكذلك فعلت اليابان".

وتحول آخرون، وفقًا للصحيفة، إلى "الغاز الطبيعي، الذي يمثل حاليًا 20٪ من الاستهلاك النهائي للطاقة في العالم، مقارنة بـ 8٪ قبل 50 عامًا، والذي زاد بشكل عابر، في ظل اعتماد ألمانيا وأوروبا الشرقية في مجال الطاقة على روسيا".

و"ساعدت المعايير الجديدة المفروضة على صناعة السيارات في صناعة مركبات أصغر تستهلك وقودًا أقل، لاستغلال الهيدروكربونات غير التقليدية، مثل النفط الصخري، والغاز"، بحسب المصدر ذاته.

وبين أنه "إذا كانت مبيعات السيارات قد تراجعت في العام 1873 في فرنسا فقد بدأت تنتعش مرة أخرى في العام 1975، ولم يتغير سلوك الأسر الغربية حقًا".

وذكرت ناتالي دومون: "لقد قمنا بمحاربة الهدر والتبديد لبضعة أشهر، وركبنا الدراجات الهوائية أكثر قليلاً من العادة، ثم نسينا كل شيء، وكانت العودة إلى المجتمع الاستهلاكي".

ومضت قائلة: "لست فخورة بالخيارات التي اتخذها جيلي، ولكن ما بالك بخيارات قادتنا؟".

في حين قال ميشيل ليبيتيت إن "الكثير يشاطرونها قلقها، ولانشغالها في مواجهة الصدمة التي سببتها الحرب في أوكرانيا أصبح من الممكن الآن اتباع مسارين".

والمسار الأول بحسب ليبيتيت، "هو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري من خلال تطوير مصادر متجددة ونووية، والثاني هو اللجوء المكثف على المديين القصير والمتوسط إلى "الإمدادات البديلة" للهيدروكربونات الروسية، مثل النفط الفنزويلي أو الغاز الأمريكي المسال".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com