"فورين أفيرز": وباء كورونا وحرب الأسعار وضعا أسواق الطاقة بأسوأ أزمة في تاريخها
"فورين أفيرز": وباء كورونا وحرب الأسعار وضعا أسواق الطاقة بأسوأ أزمة في تاريخها"فورين أفيرز": وباء كورونا وحرب الأسعار وضعا أسواق الطاقة بأسوأ أزمة في تاريخها

"فورين أفيرز": وباء كورونا وحرب الأسعار وضعا أسواق الطاقة بأسوأ أزمة في تاريخها

قالت مجلة "فورين أفيرز" إن سوق النفط العالمي لم يشهد انهيارا بالسرعة الحالية على مدار التاريخ، حيث باتت صناعة النفط والغاز، التي توفر ما يقرب من 60 % من الطاقة في العالم، غارقة في أزمة مزدوجة كانت مستبعدة في بداية هذا العام.

أصبحت حرب الأسعار، حيث تقاتل الدول المنتجة من أجل الحصول على حصتها في السوق، جزءًا من أزمة أكبر قدمها وباء فيروس كورونا المستجد وما قد يكون أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقا للمجلة سيكون الانهيار الناتج عن الوباء في الطلب أكبر من أي وقت مضى منذ أن أصبح النفط سلعة عالمية.

ورأت أن هذا الانهيار سيخلق اضطرابات للبلدان المصدرة للنفط ويزيد من اضطراب الأسواق المالية، كما أنه سيضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع الجيوسياسي المشحون بالفعل، بما في ذلك عن طريق جذب الولايات المتحدة إلى مشاحنات دولية مثيرة للجدل حول ما يمكن القيام به لتدارك الانهيار.

وفي فبراير من هذا العام، وصل إنتاج النفط الأمريكي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق (13.1 مليون برميل يوميًا)، وهو أكثر بكثير من أي من أكبر المنتجين العالميين الآخرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وروسيا، وجاء هذا الرقم القياسي بعد عقد من الزمن؛ بسبب ثورة نفط شال التي أتاحتها تقنيات التنقيب الجديدة، والتي حولت الولايات المتحدة من أكبر مستورد للنفط في العالم إلى مُصدّر رئيسي.

ترامب يتدخل

وتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنفسه بالفعل في المعركة، على الرغم من كونه من المدافعين منذ فترة عن انخفاض أسعار النفط، والذي لطالما كان متحمسًا لنشر تغريدات ضد منظمة الأوبك، والجهود المبذولة في إدارة الإمدادات العالمية في السنوات الأخيرة، إلا أن الانهيار الحالي دفع إلى عكس ترامب لمساره.

إذ اتصل مؤخرًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ للتحدث عما يمكن فعله لوقف ما وصفه لاحقًا بالانخفاض "المؤذي".

ثم اتصل ترامب بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأعلن أن هناك خطة قيد الإعداد لتخفيض منسق كبير من قِبل منتجي النفط الرئيسيين.

وتابع السعوديون ذلك بالدعوة إلى إعادة انعقاد الأوبك، إلى جانب الدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط، بما في ذلك كندا والمكسيك.

وكل هذا أدى إلى ارتفاع الأسعار، على الرغم من أنه لم يتضح بعد أي تفاصيل عن الصفقة المحتملة، ويعتقد الخبراء أنه كلما كان عدد الأطراف أكبر، كان عقد الصفقة أصعب.

وتقدم طبيعة الانهيار الحالي ونطاقه الهائل والجدل الجيوسياسي الذي طرأ عليه، تحديات فريدة للولايات المتحدة وقطاع الطاقة بها، وهي تحديات ستكون لها عواقب كبيرة على الاقتصاد الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية في وقت محفوف بالمخاطر بالفعل.

نهاية نظام النفط الجديد

كما هو الحال مع العديد من الصناعات الأخرى، كان الاضطراب الشديد في أسواق النفط سببه وباء الفيروس التاجي، ولكن في حالة النفط، تأتي هذه الاضطرابات مع عامل جيوسياسي.

انتهى انهيار أسعار النفط الأخير، الذي بدأ في عام 2014 نتيجة لارتفاع العرض، في عام 2016 بظهور نظام جديد في النفط الدولي أو ما يعرف بـ "أوبك +".

وكان هذا اتفاقًا بين 11 عضوًا في منظمة الأوبك و10 دول غير أعضاء في منظمة الأوبك لخفض الإنتاج بشكل مشترك من أجل استقرار السوق الهابطة، وكان أوبك + في الأساس بمثابة تحالف سعودي -روسي، وأنتج احتضان أكبر منتجين للنفط في ذلك الوقت والمنافسين منذ فترة طويلة التعاون الجديد.

كما مهد أوبك + الطريق لعلاقة إستراتيجية، مما أعطى روسيا فرصة لبناء علاقات مع أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وجذب الاستثمارات السعودية، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية كان الاتفاق وسيلة للتحوط من علاقتها مع الولايات المتحدة واكتساب بعض النفوذ في مواجهتها مع إيران.

إلا أن المرحلة الأولى من أزمة الفيروس التاجي، والتفشي الصيني في يناير وفبراير، دمر هذا التحالف، حيث أغلقت الصين التي تعتبر أكبر سوق نمو للنفط العالمي أبوابها فجأة، وبدلاً من زيادة الطلب العالمي، كما كان متوقعًا، انخفض بمقدار 6 ملايين برميل يوميًا في الربع الأول من عام 2020.

وفي بداية شهر مارس، في اجتماعات أوبك وأوبك + في فيينا وعلى هامشها، بدأت المملكة العربية السعودية وروسيا مناقشات حول كيفية الاستجابة، وأصبح من الواضح بسرعة أن لديهم وجهات نظر مختلفة للغاية.

إذ اعتمدت الميزانية الروسية على ما كان يُنظر إليه على أنه السعر المنخفض نسبيًا للنفط والبالغ حوالي 42 دولارًا للبرميل، بينما تحتاج المملكة العربية السعودية، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، إلى سعر أعلى يبلغ حوالي 80 دولارًا للبرميل، لموازنة ميزانيتها.

وبناءً عليه، أرادت المملكة العربية السعودية تخفيضات كبيرة في الإنتاج من أجل درء انخفاض السعر، بينما دعت روسيا، التي توقعت أن يستمر الفيروس التاجي لفترة طويلة، إلى الحفاظ على الاتفاقية الحالية حتى يونيو، قبل اتخاذ أي قرار جديد، وهنا أصرت السعودية على التخفيضات، ورفضت روسيا رفضاً قاطعاً، وانقسمت أوبك +.

فتح الصمامات

كان رد فعل السعودية الفوري على انهيار التحالف هو الإعلان عن أنه في حالة عدم وجود تخفيضات من قِبل جميع المنتجين، فإنها ستزيد الإنتاج إلى أقصى حد ممكن، وبدأت في الضخ قدر الإمكان، بهدف إضافة 2،5 مليون برميل يوميًا إلى إنتاجها البالغ 9،7 مليون برميل يوميا.

وكان من المفترض أن يساعد الإنتاج الإضافي في تعويض الانخفاض في الأسعار، ولكن روسيا ردت بإعلان أنها ستزيد إنتاجها أيضًا قدر الإمكان، على الرغم من أن قدرتها على الزيادة أقل بكثير، وتقدر بحوالي 300 ألف برميل يوميًا، وبدأت المعركة على حصة السوق.

ومع ذلك، بينما كان السعر ينخفض بالفعل، كان تفشي الفيروس التاجي ينتقل إلى مرحلته الثانية والأكثر تدميراً، وبات وباءً عالميا، وأدى الإغلاق الناتج لكثير من الاقتصاد العالمي إلى انهيار الطلب على نطاق لم يشهده العالم من قبل، وفي أبريل، قد يصل الانخفاض إلى 20 مليون برميل في اليوم أو أكثر؛ أي حوالي 20 % من إجمالي الطلب.

وحتى مع انهيار الطلب، يستمر إنتاج النفط، وإذا لم يذهب إلى المستهلكين، سيتم تخزينه في الخزانات المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

ويتوقع مركز "IHS Markit" الاستشاري أن كل مساحات تخزين النفط في العالم ستمتلئ بحلول أواخر أبريل أو أوائل مايو، وعندما يحدث ذلك، ستنخفض الأسعار وسيغلق المنتجون الآبار؛ لأنهم لا يستطيعون التخلص من النفط.

ونظرًا لطبيعة حقول النفط، فإن روسيا والمملكة العربية السعودية قادرتان على إنتاج النفط بتكلفة أقل بكثير من معظم البلدان الأخرى، ذات التكلفة الأعلى، عندما يكون السعر الذي سيجلبه البرميل أقل من تكاليف تشغيل البئر، لن تستطيع الشركات الاستمرار في الضخ دون خسارة المال على كل برميل، وستغلق الآبار مؤقتًا.

ويعد نفط شال الأمريكي من بين الأكثر تضرراً، ونتيجة لذلك، من المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن حصتها في السوق العالمية، وقال "إيجور سيتشين"، الرئيس التنفيذي لشركة "روسنفت" التي تنتج 40 % من النفط الروسي: "من يتخلى عن حصته في السوق، لن يستردها أبدًا".

وبالنسبة للبعض في موسكو، فهذا الأمر مرحب به للغاية؛ لأنهم يرون أن نمو الإنتاج الأمريكي قد أعطى الولايات المتحدة القدرة على فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، مثل تلك التي فُرضت في ديسمبر الماضي وأوقفت خط أنابيب "نورد ستريم "2 من روسيا إلى ألمانيا قبل استكماله.

ويتعرض منتجو نفط شال الأمريكي بالفعل لضغوط، ويقومون بتخفيض ميزانياتهم، وإما تقليل التنقيب أو إيقافه تمامًا، ويمكن أن ينخفض الإنتاج الأمريكي بنحو 3 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية هذا العام، وفقًا لحسابات IHS Markit.

وإذا تحققت هذه التوقعات، فستظل الولايات المتحدة منتجة كبيرة، لكنها ستتخلف كثيراً عن روسيا والمملكة العربية السعودية، وسترتفع وارداتها، وستكون التكاليف الاقتصادية مرتفعة، نظرًا لأهمية ثورة نفط شال على الاقتصاد الأمريكي ككل، والتي توظف حوالي 2.5 مليون مواطن.

تزايد الأزمة

وتوقعت المجلة أنه مع ركود الاقتصاد العالمي، ستزداد أزمة النفط سوءًا في الأسابيع المقبلة، وستكون الأضرار أكبر بكثير من صناعة النفط نفسها.

فمع انخفاض الأسعار وتزايد التخزين، سينخفض الإنتاج في جميع أنحاء العالم بقدر كبير، وذلك سيرجع جزئيا لانتشار الوباء والإصابات في أجزاء مختلفة من العالم، بالإضافة إلى كونه نتيجة لقرارات اتخذتها الدول، ولكن السبب الرئيسي للتراجع سيكون نتيجة لسوق مضغوط من فيروس كورونا وإغلاق الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com