أزمة أسعار النفط تظهر تحديات الاقتصاد الخليجي
أزمة أسعار النفط تظهر تحديات الاقتصاد الخليجيأزمة أسعار النفط تظهر تحديات الاقتصاد الخليجي

أزمة أسعار النفط تظهر تحديات الاقتصاد الخليجي

الرياض - لم تنجح وفرة التدفقات النفطية على مدار عقود، في بناء اقتصاد قوي بدول الخليج العربي، فمع كل مرة تنخفض فيها أسعار النفط، تبدأ دوامة من المشكلات تحيط باقتصاديات دول الخليج، من عجز بالموازنات العامة، وتراجع في الإنفاق، يتبعه إما تأجيل لمشروعات عامة كان يعتزم تنفيذها، أو تأخير في تنفيذ مشروعات قائمة.

وعلى الرغم من التريليونات التي دخلت خزائن دول الخليج على مدار السنوات العشر الأخيرة، حيث بدأت الطفرة النفطية الثالثة مع بداية عام 2003، ظلت المشكلات الاقتصادية لدول الخليج كما هي، متمثلة في معدلات مرتفعة من البطالة، وتضخم يبدو في معدلات مقبولة بحدود 5% في المتوسط، ولكنه متخف خلف دعم يشمل كافة مناحي الحياة، يسميه الاقتصاديون التضخم المكبوت، فضلًا عن اعتماد كلي على استيراد الكثير من متطلبات الحياة، مما جعل دول الخليج تحتل مرتبة عالية في التبعية الاقتصادية.

وتتمتع دول الخليج بارتفاع متوسط معدل دخل الفرد، ويعد دخل الفرد في قطر على سبيل المثال من أعلى متوسطات دخول الأفراد على مستوى العالم، بمتوسط 80 ألف دولار في العام. ومع ذلك يبقى تصنيف دول الخليج بلا استثناء في مرتبة الدول النامية، نظرًا لاعتماد دول الخليج في دخلها على الريع النفطي، فضلا عن أنها لا تحقق نسب معقولة من دخلها من خلال القيمة المضافة لثروتها النفطية، أو إعادة التصنيع لمواد خام يتم استيرادها من الخارج.

إن التناول السائد الآن فيما يتعلق بأزمة أسعار النفط العالمية، يركز بشكل كبير على تداعيات الأجل القصير، مثل العجز بموازنات دول الخليج، أو تأثر احتياطياتها من النقد الأجنبي، أو لجوئها إلى الاقتراض من الخارج، ولكن التناول الذي ينبغي التركيز عليه هو إلى أي مدى ستظل دول الخليج تتعامل مع طفرات أسعار النفط، أو تدنيها، بنفس العقلية، دون الاستفادة من الأزمات المتكررة؟.

الوضع الاقتصادي السليم في حالة وجود أزمة متوقعة ومتكررة، أن يكون لدى دول الخليج مخططات عدة وبديلة للاعتماد على النفط، بحيث يستفيد من الفوائض في أوقات ارتفاع أسعار النفط، لبناء قاعدة اقتصادية متنوعة، تواجه تقلبات أسعار النفط بالسوق الدولية، وتضمن استقرار اقتصادي لهذه الدول، فليست العبرة بصندوق الأجيال، الذي تُكدس فيه الأموال بشكل نقدي، ويستثمر في سندات الخزانة الأمريكية أو الأوروبية، ليأكلها معدل التضخم، أو تخفيضات العملات الأوروبية والأمريكية التي تتم بشكل يقضي على ثروات تلك الصناديق.

إن التفكير في معالجة الأمر في دول الخليج من خلال المدخول النقدي، مثل ارتفاع معدلات احتياطيات النقد الأجنبي، أو صناديق الفائض لمعالجات الاحتياجات المالية، أو حتى تلك الاستثمارات التي تدور في فلك أسواق الأوراق المالية، لا يبني اقتصاديات قوية.

ولكن الذي يمكن أن يحافظ على استقرار اقتصاديات دول الخليج أن تبنى قواعد صناعية، أو أن يتم إعادة تأهيل للقوى البشرية في الخليج، للتخلص من التفكير في تلقي الدعم الحكومي والتواجد في وظائف غير حقيقية، هي في الحقيقة بطالة مقنعة وليست وظائف حقيقية، أو التوجه للاستثمارات المشتركة في المحيط العربي والإسلامي، بحيث تكون استثمارات حقيقية إنتاجية في قطاعي الصناعة والزراعة، وليس الاستثمارات العقارية والسياحية.



مظاهر العور الاقتصادي

بعد مضي نحو 6 أشهر على أزمة انخفاض أسعار النفط في السوق العالمي، أتت تصريحات المسئولين الخليجيين لتظهر مدى هشاشة هذه الاقتصاديات، فوزير الدولة لشئون مجلس الوزراء في الكويت عبر عن عمق أزمة بلاده مع انخفاض أسعار النفط بقوله "لقد وصل السكين العظم وتجاوزه"، مضيفا أن بلاده بصدد تخفيض الإنفاق بنحو 20% إلى 25% خلال عام 2015، إذا ما استمرت أسعار النفط عند الحدود السائدة الآن.

أما رئيس لجنة الميزانيات بالبرلمان الكويتي فصرح لوسائل الإعلام بأن العجز في موازنة عام 2015 سيصل إلى 9.6 مليار دولار، وأن أمام بلاده آليتان لتغطية هذا العجز، إما الاقتراض من صندوق الاحتياطي العام، أو اللجوء للسوق التجاري.

لنتخيل أن هذا هو رد فعل دولة مثل الكويت لا يزيد عدد سكانها عن نصف مليون فرد، ولديها كل هذه الثروة، ويكون رد فعلها بهذا المستوى، وهو الأمر الذي يعكس مدى هشاشة هذا الاقتصاد مهما كان اعتماده على مكونات نقدية، يمكن أن تتعرض للتبخر على مدار سنوات قليلة قادمة.

وفي نفس المضمار يتوقع أن يسجل الاقتصاد الخليجي الأكبر وهو الاقتصاد السعودي، عجزًا في موازنته بنحو 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي وذلك عند سعر 85 دولارا لبرميل النفط، ولكن في ظل ما يحدث من تهاوي لأسعار النفط لـ 60 دولارا للبرميل، يتوقع أن يصل العجز بالموازنة السعودية لنحو 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

إن الوضع في السعودية ليس كما عبر عنه وزير النفط في بداية الأزمة بأنه غير مؤثر على الاقتصاد السعودي، ولكن الواقع عبر عنه رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال من خلال تصريحه بانزعاجه من اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط فقط، وأنه يجب أن تنوع السعودية أداءها الاقتصادي عبر صندوقها السيادي، وأكد الوليد بأنه رفع هذا الأمر أكثر من مرة إلى المسئولين دون جدوى!.

إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في السعودية سوف يتأثر بشدة خلال المرحلة المقبلة بسبب تدني أسعار النفط، ففي ظل ارتفاع أسعار النفط على مدار 10 سنوات متتالية، ارتفعت معدلات الفقر بالسعودية وكذلك معدلات البطالة، مما دعا الحكومة السعودية لتعيين أعداد كبيرة من الشباب في وظائف حكومية غير حقيقية، مخافة رد فعل الشباب السعودي في إطار ما حدث في دول "الربيع العربي".

كما أن وكالة التصنيف الائتماني "موديز" ذهبت في تقديراتها لواقع الأزمة على كل من البحرين وسلطنة عمان، إلى أن العجز بموازنة الدولتين سيرتفع بنحو 7% خلال عام 2015، وأنهما سيلجآن للاقتراض لسد هذا العجز.

وبالاطلاع على احتياطيات البلدين من النقد الأجنبي نجد أنهما من أقل الاحتياطيات بين دول الخليج فلدى البحرين 5.5 مليار دولار، ولدى سلطنة عمان 15.9 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات البنك الدولي بنهاية عام 2013.

مبررات غير واقعية

يحلو للبعض القول بأن انخفاض أسعار النفط لن يؤثر على اقتصاديات الخليج خلال عام 2015، وهو قول تنقصه الكثير من المصارحة العلمية، فإذا كانت تصريحات المسئولين الخليجيين أنفسهم تقول بوجود أزمة حتى على الأجل القصير في عام 2015، فما بالنا بالأعوام المقبلة، إذا ما استمرت موجة انخفاض الأسعار، أو استقر سعر برميل النفط على ما هو عليه الآن، قرب 60 دولارا للبرميل.

إن اقتصاديات منطقة الخليج بنت سيناريوهات موازناتها العامة على متوسط 90 دولارا للبرميل، وإن كانت الإمارات قد أعلنت أنها وضعت سيناريو 80 دولارا للبرميل في تقديرات موازنتها، فيما الأسعار الآن بحدود 60 دولارا للبرميل، مما يعني أن التأثير السلبي يطال كافة دول الخليج، فوجود احتياطيات يمكن اللجوء إليها لا يعني عدم تأثر هذه الاقتصاديات سلبيًا بانخفاض أسعار النفط، وبخاصة أن نسبة الانخفاض كبيرة تصل لنحو 40%، عما كانت عليه بنهاية يونيو/ حزيران 2014.

لا تخرج المعالجات الخليجية للأزمات عن الإطار العربي، بالاعتماد على التهوين من حجم الأزمة، وهو أمر يؤدي إلى كوارث تتحملها الأجيال المتوالية، لتجد نفسها أمام تحديات تتطلب عقود بل قرون لتجاوز تلك الأزمات.

وإذا ما كنا نرفض التهوين في تناول الأزمات، فكذلك منهج التهويل مرفوض، وعلى دول الخليج أن تتعامل مع واقعها الاقتصادي – وهي بلا شك تعلمه جيدًا- في إطار التحديات الإقليمية والعالمية، فلم يعد مقبولًا في ظل هذا التطور التكنولوجي الضخم، أن تبقى هذه الاقتصاديات أسيرة مواد أولية ريعية، لا تساهم في تنمية البشر، ولا تسعى لزيادة الاستفادة من مواردها الطبيعية، وبخاصة في ظل سهولة ذلك وتوافر إمكانياته.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com