عملة سورية
عملة سوريةمتداولة

بعد قرارات رفع الدعم وزيادة الرواتب.. ما مستقبل الأوضاع المعيشية في سوريا؟

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الثلاثاء، قرارًا يقضي بزيادة الرواتب والأجور والمعاشات للعاملين والمتقاعدين في الدولة بنسبة 100%، بالتزامن مع إصدار الحكومة السورية قرارات تقضي برفع الدعم بشكل كبير.

وبعد الزيادة التي تعتبر الأعلى من نوعها، بلغ الحد الأدنى للأجور 185,940 ليرة سورية، وهو ما يوازي أقل من 13 دولارًا أمريكيًّا، وفقاً لأسعار الصرف في السوق السوداء.

ويتوقع خبراء اقتصاديون أن تزيد خطوة رفع الدعم من معاناة السوريين، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة، وظروفًا معيشية مأساوية، فيما سيمتص ارتفاع الأسعار الكبير أي تأثير لزيادة الرواتب.

وترتبط زيادة الرواتب في سوريا غالبًا بانخفاض أسعار الليرة لمستويات قياسية وزيادة التضخم، وهو ما يلقي بأثره على الأسواق التي تشهد تضاعفًا في أسعار جميع المواد والسلع الأساسية، وخاصة المازوت والمواد التموينية؛ ما يتسبب في تعميق أزمات السوريين المعيشية والاقتصادية.

وواصلت الليرة السورية هبوطها أمام الدولار، إذ سجّلت هذا الأسبوع، انهيارًا قياسيًّا بسعرها، وصل إلى أدنى مستوى في تاريخها، لتبلغ 15 ألفًا و500 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على قرار زيادة الرواتب ورفع أسعار المحروقات.

وعلى إثر ذلك، شهدت الأسواق السورية، حالة من التخبط والفوضى في أسعار المواد الغذائية والخضار في مختلف المدن، وتراوحت نسبة الزيادة بين 15 إلى 25 %، في ظل توقعات باستمرار الارتفاعات إلى مستويات أعلى خلال الأيام القادمة.

كل قرار له ثمن

الباحثة الاقتصادية، والدكتورة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، رشا سيروب، علقت لـ "إرم نيوز" حول القرارات الأخيرة بالقول إن "كل قرار له ثمن"، لكن هذه المرة الثمن سيكون "باهظًا جدًّا"، وتشير إلى أن القرارات الأخيرة ستؤدي إلى ازدياد الاختلالات الاجتماعية؛ أقلها انتشار السرقات والتسول وعمالة الأطفال، ولن تنتهي عند انحلال وتفكك الأسرة.

السوريون يكتوون من "الارتفاع الهستيري" في أسعار جميع السلع والخدمات.
الدكتورة رشا سيروب
الدكتورة  رشا سيروب، من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق
الدكتورة رشا سيروب، من كلية الاقتصاد بجامعة دمشقمتداولة

وتضيف: "ستفرغ سوريا من الكفاءات والشهادات، أي من العنصر الوحيد الذي لا يتسم بالندرة في سوريا وهو رأس المال البشري، هذا العنصر المهمَل سواء عند رسم السياسات أو اتخاذ القرارات".

وتقول الباحثة الاقتصادية السورية إن السوريين يكتوون من "الارتفاع الهستيري" في أسعار جميع السلع والخدمات، حيث ارتفعت الأسعار في شهر آب/ أغسطس (قبل صدور القرار الأخير) بأكثر من 238% مقارنةً بشهر آب من العام الماضي، ليؤدي هذا القرار إلى رفع الأسعار من جديد بأرقام مضاعفة.

وتتابع: "من المستغرب في جملة هذه القرارات أن جميع المبررات الحكومية لرفع الدعم انطلقت من نقطة وحيدة وهي أن الدعم نفقة مالية فقط ترهق كاهل الموازنة العامة للدولة، وليس سياسة اجتماعية تضمن السلم الأهلي والمجتمعي".

وتقول إن "قرار رفع الدعم الأخير يُقدَّم وكأنه الحل للمشكلة المالية العامة للدولة، بالمقابل، ما زال المواطن السوري يتحمل يوميًّا عبء قرارات خاطئة تصدر عن حكومة لا تُساءَل أو تُحاسَب".

وتوضح أن من يريد أن يعالج ملف الدعم يجب أن ينطلق بدايةً من توفير شبكات حماية اجتماعية، ورفع الحد الأدنى للأجور بما يضمن حياة كريمة كما نص عليها الدستور السوري "ﻟﻜﻞ ﻋﺎﻣﻞ أﺟﺮ ﻋﺎدﻝ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻟﻌﻤﻞ وﻣﺮدودﻩ، ﻋﻠﻰ أﻥ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺤﺪ اﻷدﻧﻰ ﻟﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ اﻟﺤﻴﺎﺓ اﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ وﺗﻐﻴُّﺮها".

وترى الباحثة الاقتصادية أن الحكومة تتجاهل دائمًا الأسباب الحقيقية خلف العوامل التي ترهق كاهل الموازنة العامة للدولة والتي لو تم تشخيصها بشكل صحيح لكانت كفيلة بحل مشكلة الرواتب وتقديم الخدمات العامة من صحة وتعليم ونقل بجودة مقبولة، و"هذه الأسباب هي التهرب الضريبي والهدر في المال العام والفساد".

وتشير سيروب إلى أرقام أصدرها برنامج الأغذية العالمي، فيما يخص الحد الأدنى للإنفاق في سوريا، وهو مقياس لحساب تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد، حيث يذكر البرنامج الأممي أن الحد الأدنى للإنفاق في سوريا بلغ 1,347,000 مليون ليرة سورية في حزيران/ يونيو 2023، في الوقت الذي كان الحد الأدنى للأجر 92,790 ل. س.

وتضيف: "بعد هذه الزيادة، وبناءً على يوم أمس فقط ارتفعت الأسعار بالحدود الدنيا أكثر من 1.5 مرة، هذا يعني أن تكلفة المعيشة تمثل 11 ضعف الحد الأدنى للأجر الجديد البالغ (185940 ل.س)، وهذا الحد غير قادر على تحمل 23% من تكلفة الطعام فقط".

القرارات الأخيرة بمثابة حكم بالإعدام على الاقتصاد.
الدكتور عمار يوسف

من جهته، يشدّد الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور عمار يوسف على أن القرارات الأخيرة كانت بمثابة "حكم بالإعدام" على الاقتصاد.

ويعتقد يوسف أن قرار رفع الدعم لم يكن ضروريًّا وليس في وقته، وكان بإمكان الحكومة الاعتماد على موارد أخرى، مثل: التوجه لجذب الاستثمارات الخارجية، إعادة استغلال موارد الدولة بشكل احترافي، والتفكير خارج الصندوق.

الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور عمار يوسف
الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور عمار يوسف متداولة

ويقول الخبير الاقتصادي السوري لـ "إرم نيوز": "لا يمكن إصلاح شيء، اليوم كلفة النقل أغلى من كلفة الإنتاج الزراعي وهذا لم يحصل في أي دولة بالعالم"، مضيفًا: "فقدنا القدرة على السيطرة على اقتصادنا، حتى الزراعي، ازدادت تكاليف الإنتاج وما يمكن إنتاجه سيأكله التضخم، فقدنا السيطرة على سعر القطع نتيجة ارتفاع أسعار حوامل الطاقة، وهذا ما حذرنا منه منذ سنوات".

ويحذر الخبير الاقتصادي من أن "الكارثة ستظهر نتائجها الأسبوع القادم، ستبدأ منعكسات القرارات الأخيرة بالظهور وسيبدأ التجار استغلال الموضوع ويحولون خساراتهم لربح إضافي".

ويختم بالقول إن واقع حال السوري اليوم يقول بأنه "ينتظر الموت لا محالة"، لافتًا إلى أنه لا حل لمجموعة الأزمات المتفاقمة، "فحتى الدواء استغنى عنه الكثيرون نتيجة ارتفاع الأسعار، وعدم وجود قدرة على شرائه".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com