سلط تقرير لصحيفة "جون أفريك" الفرنسية، الضوء على ما تمتلكه القارة السمراء من ثروات معادن نفيسة، يبدو أن الجزء الأكبر منها لم يستغل بعد، بسبب بعض التحديات، لا سيما تلك المتعلقة بالجانب الأمني.
وقالت الصحيفة، إن الإنتاج الأفريقي للمعادن المستخدمة في صناعة البطاريات والألواح الشمسية وتوربينات الرياح والشبكات الكهربائية الأخرى مثير للإعجاب، مشيرة إلى أن "جمهورية الكونغو الديمقراطية هي المنتج الرئيس للكوبالت، فيما تحتل جنوب أفريقيا المركز الأول بالنسبة للبلاتين والمنغنيز".
وزاد إنتاج المعادن بين عامي 2017 و2021، إذ تمثل هذه المعادن عنصرا أساسيا لزيادة إيرادات الدول الأفريقية، ما يجعلها قادرة على توليد دخل إضافي في قطاع التعدين.
ووفق الصحيفة الفرنسية، فقد تضاعفت كميات المنجنيز المستخرج في الجابون، مصحوبة بنمو في إيرادات القطاع، فيما أثبتت زيمبابوي والمغرب، الغنيتان بالمعادن الحيوية المختلفة، قدرتهما على الاستفادة من تلك الموارد.
العناصر غير المستغلة
ويقدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) امتلاك أفريقيا 85% من احتياطيات المنجنيز، و80% من احتياطيات البلاتين والكروم، و47% من احتياطيات الكوبالت، و21% من احتياطيات الجرافيت.
ويتوقع جرايم ترين، مدير دراسات المعادن في شركة ترافيجورا للتجارة، أن "تمثل أفريقيا 26% من الإنتاج العالمي من الليثيوم الصخري الصلب (وهو نوع من الرواسب يمكن تمييزه عن المحاليل الملحية في أمريكا الجنوبية) بحلول عام 2030".
وأشارت "جون أفريك" إلى أن زيمبابوي تنتج كميات كبيرة من الليثيومميت، موضحة أنه "على مدى السنوات القليلة المقبلة، يمكن أن تنضم مالي إلى ذلك التصنيف، وتحصل غانا على بضعة مراكز بفضل إمكاناتها في هذا المورد".
ولفت "ترين" إلى أن "دخول مشروعي كابانجا لمعدن النيكل في تنزانيا ومشروع إنتربرايز في زامبيا حيز الإنتاج، من شأنه أن يرفد دخل البلاد".
ووفقًا للمجلة، فإن الفرصة الأخرى المتاحة لأفريقيا هي أن ثرواتها المعدنية غير مستغلة إلى حد كبير، بل ولم يتم اكتشافها بعد في دول مثل أنجولا، لافتة إلى أن شركتي "أنجلو أمريكان" و"إيفانهوي ماينز" شرعتا في التنقيب، مستهدفتين بشكل خاص النحاس، حيث توجد كميات كبيرة من هذا المعدن في القارة.
مخاطر فوضوية
وحذرت الصحيفة الفرنسية، من مخاطر الاستثمار في قارة أفريقيا، لا سيما في ظل انعدام الأمن، وعدم الاستقرار السياسي، وسوابق المصادرة، ومناخ الاستثمار، والتعقيدات المصرفية، والفساد، وانتشار الجماعات المسلحة، موضحة أن "تلك المخاطر تؤدي إلى إبطاء حماس الاستثمار، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون القارة بالفعل".
وأشارت إلى وجود إشكالية في البنية التحتية للكهرباء والنقل التي تكون مفقودة في بعض الأحيان، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنجم.
ووفقا "لكيفن مورفي" من مجموعة S&P Global، فإن هذه الأسباب الرئيسة التي تجعل المشغلين الصينيين الموجودين بالفعل بقوة، من المتوقع أن يظلوا أكبر المستثمرين في السنوات القادمة، لأن المجموعات الصينية، هي أقل خوفا من هذه المخاطر وتحظى بدعم الدول.
وشددت المجلة على ضرورة إنشاء أو الحفاظ على مناخ ملائم، يشمل الاستقرار السياسي والأمن، فضلا عن الإدارة الشفافة لقطاع التعدين.
موارد فريدة من نوعها
وقالت "جون أفريك" إنه "بالنسبة لبعض المعادن، يبدو من المستحيل الاستغناء عن القارة"، موضحة أن "على العالم أن يتطلع إلى أفريقيا، إذا كان يحتاج إلى الكوبالت".
بدوره، قال كيفن مورفي، مدير دراسات التعدين والمعادن في شركة ستاندرد آند بورز جلوبال، إن "الكوبالت عامل استقرار جيد، حيث إن هذا المعدن يجعل البطاريات الثقيلة أكثر مقاومة، خصوصا في الأماكن ذات درجات الحرارة المنخفضة، وينبغي الاستمرار في استخدام هذا المعدن في البطاريات، على الأقل في السنوات المقبلة".
مركز دولي محايد سياسيا
بدوره، قال نافع تشينيري، مدير معهد حوكمة الموارد الطبيعية الأفريقية: "إذا نجحت الدول باستغلال منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، فإن هذا سيسهل التجارة ونقل المعادن المهمة"، مشيرًا إلى أن "أفريقيا، بالإضافة إلى مواردها، تتمتع أيضًا بميزة موقعها الإستراتيجي، بالقرب من أوروبا وآسيا، حيث تتطور طرق التصدير الرئيسية نحو المحيط الأطلسي وبالتالي الولايات المتحدة.
وأضاف "تشينيري" قائلا "في ظل السباق على المعادن الانتقالية التي تتصارع عليها الصين والولايات المتحدة وأوروبا في المقام الأول، تمكنت أفريقيا من الحفاظ على موقف أكثر حيادية"، موضحًا أن "الحكومات غير الأفريقية تسعى إلى زيادة المبادرات التي تستهدف المعادن الحيوية في القارة".
ومن المتوقع أن تستثمر شركة باريك ملياري دولار لتوسيع منجم النحاس التابع لها في لوموانا في زامبيا، فيما ستعمل شركة إيفانهو ماينز على مضاعفة ميزانية التنقيب لعام 2024 بمقدار أربعة أضعاف ــ وخاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعادت شركة "بي إتش بي" إلى أفريقيا من خلال الاستحواذ على حصة في مشروع النيكل التنزاني.
وتتوقع "ستاندرد آند بورز جلوبال" إنفاق 9.4 مليار دولار على بناء وتوسيع المناجم في القارة في عام 2024، حيث إن هذه المشاريع مدفوعة إلى حد كبير بمشروع سيماندو للحديد في غينيا، فيما سيكون النحاس الكونغولي حاضرا في المشروع.