تسويق الأفكار.. مهنة جديدة في عالم ريادة الأعمال
تسويق الأفكار.. مهنة جديدة في عالم ريادة الأعمالتسويق الأفكار.. مهنة جديدة في عالم ريادة الأعمال

تسويق الأفكار.. مهنة جديدة في عالم ريادة الأعمال

مع تسارع التقنيات الحديثة لم تعد الأفكار حبيسة العقل البشري، وتنوعت وسائل نشرها والترويج لها، ليتحول بعضها إلى إرث إنساني قد يسهم في التغيير الحقيقي؛ ولكن ماذا عن التوجه الجديد الذي يحولها إلى سلعة ومشروع تجاري؟

أحيانا قد تغير فكرة واحدة مجرى حياة مهنية، وقد ترفع قيمة مشروع تجاري، أو تساهم في تغيير نمط حياة الفرد على المستوى الشخصي.

وتسويق الأفكار ليس حكرا على رواد الأعمال، بل أصبح اليوم يشمل فئات المجتمع كافة، ليتحول إلى مهنة ضرورية في معظم المجتمعات. والنجاح الأكبر لمن يستطيع تسويق أفكاره باحترافية وجاذبية، وينجح في استقطاب الشرائح المستهدفة.

استشارات

على الصعيد الطبي مثلا، ينظم متخصصون جلسات افتراضية يقدمون خلالها نصائح طبية عن بعد، ما يسهل وصول المعلومة، ويروج في الوقت ذاته للأطباء المشاركين في المشروع.

وفي إطار العلاج النفسي، بتنا نشهد تنظيم جلسات علاج مأجورة على مواقع متخصصة ببيع أفكار قد تساعد في علاج مشكلة نفسية معينة يعاني منها الفرد؛ مثل الغضب المتطرف، أو الاكتئاب، وتقديم النصح للشخص صعب المراس، أو الفرد الذي تعرض لصدمة عنيفة.

وإلى جانب المعلومات المجانية المتوفرة بكثافة على شبكة الإنترنت، هناك معلومات مأجورة ربما تساهم في تقديم الفائدة على مستويات عدة، وفي قطاعات متنوعة.

استثمار الخدمات البشرية

وفي عصر ريادة الأعمال تنتشر الخدمات المأجورة، في ظل استثمار أي ميزة بشرية وتوظيفها في خدمة شريحة معينة؛ على غرار التفريغ الصوتي، وكتابة المحتوى، ومهارات الحاسوب الواسعة، والتدوين.

ويجري تسويق تلك الأفكار من خلال منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر برامج فضائية، أو كتب وروايات وقصائد تحمل فكرة معينة أو تروج لها، فضلا عن الدور المحوري للسينما والدراما.

وفي تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، قال سمعان ميخائيل، الرئيس التنفيذي لشركة "ليلك التسويقية، ومقرها دبي، إن "كل صاحب مهنة أو خدمة أو منتج أو أي شيء يفيد دورة حياة المجتمع، يحتاج إلى تسويق".

وأشار ميخائيل إلى أن "المنتج في عالم ريادة الأعمال يمكن أن يموت ولكن الفكرة لا تموت، وتسويق الأفكار أبسط وأسهل من تسويق المنتجات؛ لأن الفكرة تخاطب عقل العميل مباشرة، فإما أن يقتنع أو لا يقتنع".

التسويق الشخصي

ويعتمد الناس عموما على تجارب سابقة ناجحة، فيتبنونها متأثرين بالمسوق الشخصي وأفكاره؛ وفي هذا الإطار، أكد ميخائيل أن "نتائج التسويق الشخصي لأي علامة تجارية يفوق التسويق العادي 10 أضعاف، وإن أراد العميل أن يلجأ إلى شركة ما، فذلك بسبب قناعته بالشخص، وتسويقه وتجربته وعرضه لأفكاره، ثم يتعامل مع الشركة على أساس ذلك".

ورأى ميخائيل أن الأساليب الأبرز لتسويق الأفكار في عصرنا الراهن، تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها أداة مجانية تناسب جميع الاختصاصات والتوجهات، وتمثل منبرا عاما مفتوحا للجميع، فضلا عن انتشارها الواسع.

وأضاف: "يجب على الشخص استثمار أي فرصة متاحة أمامه للتسويق لنفسه، ولو كان ذلك عن طريق منصات التواصل الاجتماعي أو جلسات عامة بين الأصدقاء والمعارف، وبداية يكون الترويج للشخص، ثم لمهارته أو خدماته أو منتجات شركته، فعندما يقتنع العملاء بالشخص سيقتنعون بالمنتج".

من جانبه، أشار إبراهيم انجرو، مدير شركة "كودليكس" للبرمجيات، إلى أن "بيع الأفكار يعتمد على شخص يمتلك رصيدا كافيا من الخبرة في سوق العمل، وبيئة تنفيذ المشاريع ودراسة العقبات أثناء التخطيط، فضلا عن معرفة المنافسين والأجواء العامة والتفصيلية في هذا المجال".

وقال انجرو، المتخصص ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، في حديث لـ"إرم نيوز"، إن "الطريق الأفضل للتسويق كمثال حي واقعي، هو العلامة التسويقية التجارية؛ أن يصبح الفرد علامة موثوقة، فيسعى لتسويق الاسم بداية، وأي شيء يصدر بعد الاسم سيأخذه الناس على محمل الجد".

وأضاف: "عندما تطرح شركات التقنية الكبرى منتجا جديدا بتعديلات بسيطة جدا، نلحظ تهافت الجمهور على اقتناء النسخة المحدثة، لمجرد ثقتهم بالعلامة التجارية التي بنتها الشركة على مدى أعوام".

القوة الناعمة

ولو تطرقنا إلى تسويق الأفكار من خلال الفنون، فإن معظم المجتمعات تحاول التسويق لأفكارها بالاعتماد على السينما أو الدراما؛ لأن الفن مرآة المجتمع، ولو أرادت مؤسسة ما التسويق لفكرة الحريات الشخصية والتحرر، مثلا، فإننا نشهد ذلك أحيانا في قالب سينمائي يجسد هذه القضايا ويروج لها.

ونذكر في هذا السياق الفيلم المصري "أصحاب.. ولا أعز" الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط العربية، بين رافض لطريقة الطرح، ومؤيد رأى فيه تجسيدا لحقائق يسعى المجتمع إلى سترها.

والأفكار تُسوق كما تُسوق السلع، فأحيانا نجد دولا كبيرة في المساحة وتعداد السكان لكنها تفتقر للتأثير، مقابل دول صغيرة نسبيا، ولكنها نجحت في تسويق أفكارها والترويج لذاتها عالميا، في إطار ما يُعرَف بالقوة الناعمة.

وفي عام 1990 أوضح جوزيف س ناي، الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد الأمريكية، مصطلح "القوة الناعمة" بأن تتمتع ثقافة الأمة وأيديولوجيتها بعناصر جذب، ما يدفع الآخرين على اتباعها بمحض إرادتهم.

والحقيقة أن مفهوم القوة الناعمة ليس جديدا تماما، لكن ناي كان من أوائل الباحثين الذين توسعوا في تسليط الضوء على قدرة بعض الدول في استثمار عناصر الجذب الحضارية والثقافية دون الاضطرار إلى اللجوء للإكراه؛ بهدف الإقناع ونشر الدعاية والفكر الوطني، عبر الآداب والفنون، وأحيانا من خلال الدبلوماسية الرشيقة.

ولا يقتصر استثمار القوة الناعمة على الدول الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة، إذ يشير ناي، المساعد السابق لوزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة الرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون، إلى أن عددا من الدول الآسيوية "تمتلك أيضا مصادر محتملة مثيرة للإعجاب؛ ذلك أن فنون وثقافات آسيا القديمة وأزياءها ومطابخها كان لها من قبل تأثير قوي على أجزاء العالم الآخر على مدى قرون".

ويقول ناي في كتابه "القوة الناعمة" إن "دولا آسيوية صغيرة؛ مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها، اتبعت استراتيجية اليابان بشكل وثيق باستهداف الصناعات الاستراتيجية لتحقيق التنمية، وتمويل مشاريع كبرى والتصدير بقوة هجومية، وحماية صناعاتها الناشئة".

ابتكار

ويمتاز تسويق الأفكار بإيجاد أدق الحلول والمخارج وابتكار الجديد، ليكون عملية علمية منظمة، فعنصر النجاح يتطلب إضفاء لمسة جديدة وابتكار فكرة مميزة. ومن مبادئ الابتكار تجنب انتقاد الفكر مهما كان، والانطلاق بخيال خصب وواسع.

وقال انجرو، في حديثه لـ"إرم نيوز": "الأفكار يمكن أن تتولد لدى أي شخص يمتلك ثقافة ومعلومات، ويستطيع أي فرد ابتكار فكرة أو الإضافة عليها وتعديلها، في عصر الحداثة والتقنيات والمعلومات السريعة".

وأضاف: "لكن الصعوبة تكمن في تنفيذ الأفكار على أرض الواقع، وصلاحيتها كمشروع في سوق العمل، وكم تحتاج من جهد وموارد".

ولا يعطي انجرو أهمية للأفكار الخدمية؛ مثل إعطاء رأي خبير واستشاري لشركة ما لرفع المبيعات وتحسين مدخول الشركة، معتبرا أنها "ليست أفكارا ابتكارية بالمعنى الدقيق، وإنما هي مجرد خدمة مدفوعة الأجر".

الحاجة إلى التسويق

وجميع الناس بمختلف اختصاصاتهم يحتاجون إلى تسويق أفكارهم، فالدعاة والمربون والمدرسون، والمهندسون، والفنانون، والموسيقيون، والكُتّاب، والموجهون والمصلحون، وأصحاب المحتوى، وغيرهم يلجؤون إلى تسويق أفكارهم ومنتجاتهم أو خدماتهم، وهناك رأي سائد بأن النجاح لا معنى له ما لم نتمتع بميزة التسويق بطريقة صحيحة تستقطب الناس.

والأفكار تندرج تحت قائمة الأشياء غير الملموسة، ويمكن تسويقها وإقناع الآخرين بها، والتعامل معها وكأنها مُنتَج، ولا فائدة تُرتجى من فكرة تجول في البال دون أن تُطبَّق بشكل عملي ابتكاري بإضافات جديدة بعيدة عن الأفكار المطروقة.

ونذكر هنا "مايكروسوفت" شركة البرمجيات الكبرى، التي انبثقت من فكرة مبتكرة لشاب طموح هو بل جيتس، الذي رفض بيع فكرته واختار أن يسوقها بنفسه.

الابتعاد عن التقليدية

وتتنوع أساليب الإعلان، من طرق مدفوعة مباشرة كالإعلام المرئي أو الإعلانات الطرقية والسمعية عبر الإذاعات، أو من خلال مشاهير يقومون بتسويق مشروع أو منتج معين، إلى طرق غير مباشرة باستخدام التحايل كأحد عناصر التأثير غير المقصود، من خلال زرع صورة مطعم ما أو عطر أو مشروب أو منتج معين من خلال تجربة لأحد المشاهير أو المؤثرين.

وقد تتسبب الإعلانات المباشرة بنفور شريحة من المتلقين؛ بسبب بعض المبالغات في العرض، في حين تشكل الإعلانات غير المباشرة المزروعة باحترافية في تجارب المشاهير وعروضهم مصدر ثقة لشريحة واسعة من الجمهور.

الأمان الوظيفي

وبحثا عن الأمان الوظيفي، يميل معظم الشباب إلى العمل في شركات الآخرين مقتنعين بعدم قدرتهم على إطلاق مشروعهم الخاص؛ بسبب أفكار تشربوها منذ نشأتهم الأولى، تقوم على التبعية للآخر، وربما الخوف من المخاطرة والفشل.

ووفقا لوجهة نظر سمعان ميخائيل، فإن "القيادة ليست مهيأة للجميع، ولا يصح أن يكون الجميع رائد أعمال مستقلا، والعمل لدى شركة ما وضمن مؤسسة ما يمكن أن يدر للفرد مبالغ لا يستطيع تحصيلها من العمل الفردي".

وقال ميخائيل: "هناك من يبدع في العمل لدى شركات الآخرين، وهناك من يبدع وينتج في مشروعه الخاص، وذلك يعود إلى توجهات الشخص وطاقاته واهتماماته، وفي مرحلة ما يجب أن تكون للشخص تجارب عملية وحياة مهنية لدى شركات الآخرين قبل أن يطلق مشروعه الخاص".

من جانبه، أشار إبراهيم انجرو إلى أن "معظم الأشخاص يميلون إلى العمل لدى شركات الآخرين؛ لأن البدء في مشروع جديد يحتاج إلى خبرة مهنية عالية في سوق العمل، ورأس مال عالٍ، فضلا عن توفير العنصر المادي من تجهيزات وكهرباء وفواتير خدمات".

وختم انجرو بأن "تسويق الأفكار من أقوى أنواع التسويق وأهمها؛ لأن المنتجات في البداية كانت مجرد أفكار، ونستطيع وصف الأفكار بأنها القاعدة الأساسية لتوليد المنتجات والخدمات، وإن صُنِّفت كهرم؛ فالأفكار قاعدته، وفي قمته تكمن الخُلاصة والنتيجة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com