لبنان.. دعوات متزايدة لإنشاء مصارف جديدة في مواجهة الانهيار المالي
لبنان.. دعوات متزايدة لإنشاء مصارف جديدة في مواجهة الانهيار الماليلبنان.. دعوات متزايدة لإنشاء مصارف جديدة في مواجهة الانهيار المالي

لبنان.. دعوات متزايدة لإنشاء مصارف جديدة في مواجهة الانهيار المالي

يصف رجل الأعمال اللبناني والكاتب السبعيني مارون بطرس مخول، بحرقة، الحالة التي وصل إليها بعد الانهيار المالي الكبير في لبنان، مؤكدا أن "البنك احتال عليّ وأصبح وضعي كارثيا بمعنى الكلمة"، على حد تعبيره.

وأضاف لـ"إرم نيوز": "امتدت أعمالي من أمريكا إلى الخليج مرورا بأوروبا.. ناضلت وكافحت، واصلت الليل بالنهار على مدى خمسة عقود من الزمن".

وتابع مخول: "بعد أن جمعنا ثروة استثمرناها بالعقارات في لبنان وبإيداعات في البنوك اللبنانية، كان أملي وأنا متقاعد أن أعيش مع عائلتي من الأموال التي أودعتها بالمصارف، إلا أن زلزالا كارثيا حدث، تمثل بعمليات احتيال مارستها المصارف، فلم يعد من قيمة لعقاراتنا وأرصدتنا، كما لم نعد نتمكن الوصول إلى ما أودعناه".

ويجمع خبراء اقتصاديون على عدم وجود أفق واضح لغاية الآن للجهود الرسمية اللبنانية الرامية إلى احتواء تداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية المتتالية في البلاد، منذ أواخر العام 2019، ولاسيما في قطاع المصارف.

وأدى التردي الاقتصادي في لبنان إلى ضرورة أن تفرض المصارف قيودا على الودائع بالدولار تدريجيا، قبل أن تمنع سحبها تماما، فيما حُددت السحوبات بالليرة اللبنانية، وأوقفت التحويلات إلى الخارج.

وخلال عامين، انهارت الليرة اللبنانية بشكل دراماتيكي، وفقدت أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وبات نحو 80% من السكان تحت خط الفقر.

وحول أسباب تدهور سعر العملة اللبنانية مقابل الدولار، يقول الخبير المالي والاقتصادي الدكتور حسن خليل، إنه "ليس لليرة اللبنانية اقتصاد يعكس قيمتها، وكنا فيما مضى نحافظ على سعر وهمي لليرة؛ لأنه كانت ثمة ودائع بالدولار تُستخدم لدعم سعر الصرف".

وأضاف مؤسس تجمع "استعادة الدولة" لـ"إرم نيوز": "لم تكن تريد منظومة الحكم بقيادة وتنفيذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاعتراف بأن هذه الليرة اصطناعية؛ فالنظام الاقتصادي اللبناني برمته قائم على الفوائد وعلى الاقتصاد الريعي".

وأكد خليل، أنه "عندما شح أهم مورد لصمود النظام، وهو استمرار دخول ودائع ورساميل جديدة بالدولار، انكشفت اللعبة؛ كون الليرة ليست لديها مقومات اقتصادية بالتصدير".

و"استعادة الدولة" هو بمثابة تجمع خاص في لبنان، ويقول مؤسسوه إنه "يعمل من أجل قيام دولة مدنية، وتقويض أسس نظام المحاصصة الطائفية في لبنان"، على حد وصفهم.

مفاوضات صندوق النقد

ويتفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى خطة تساعد على إخراجه من دوامة التدهور المتواصل منذ حوالي السنتين، ولكن المحادثات لا تزال في مراحلها الأولى.

وكان البنك الدولي وصف في حزيران/ يونيو العام الماضي، الأزمة في لبنان بأنها "الأكثر حدة وقساوة في العالم"، وصنفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سُجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر.

وفي هذا الإطار يقول حسن خليل: "لصندوق النقد الدولي سياسته التي يتعامل بها مع الدول".

وتابع قوله: "أعتقد أن صندوق النقد لن يبرم صفقة متكاملة مع لبنان قبل ظهور نتائج الانتخابات النيابية، وقبل أن تتغير الغالبية في المجلس النيابي. وليس من المعروف ما يمكن أن يقدمه إلى الآن".

ويضيف، أنه "في هذا الوقت، سيستمر المسؤولون في القول إن المفاوضات سارية، وإن صندوق النقد يضغط لأجل القيام بخطوات إصلاحية".

ومن المعروف أن الحكومة اللبنانية السابقة، برئاسة حسان دياب، باشرت مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي في العام 2020، قبل أن توقفها لاحقا بسبب خلافات المفاوضين اللبنانيين أنفسهم على تقدير حجم الخسائر.

واستأنفت الحكومة الحالية التي شكلها نجيب ميقاتي في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، عملية التفاوض التي من المتوقع أن تظهر نتائجها الأولية في غضون الأسابيع المقبلة.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، انخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي من حوالي 55 مليار دولار العام 2018 إلى نحو 20,5 مليار دولار العام 2021.

69 مليار دولار

ويحمّل اللبنانيون الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الأزمة لسياسيين محليين يتهمونهم بالمسارعة منذ البداية، وبمساعدة المصارف، إلى تحويل مئات ملايين الدولارات إلى الخارج، في وقت تمنع البنوك الأموال عن صغار المودعين.

وفاقم انفجار نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت يوم 4 آب/ أغسطس العام 2020، الوضع سوءًا، فيما يرفض المجتمع الدولي منح مؤسسات الدولة اللبنانية أي مساعدات قبل إجراء إصلاحات أساسية يفترض أن تكون جزءًا من الاتفاق المرتقب مع صندوق النقد الدولي.

ووفقًا لما صرح به نائب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ورئيس فريق التفاوض اللبناني سعادة الشامي، مؤخرًا، اتفق المفاوضون اللبنانيون على تقدير حجم الخسائر بـ69 مليار دولار.

مصرف لبنان

ومنذ العام 2020، يثير ملف التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي جدلا واسعا، رغم أنه يعد أحد شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان.

وفي تشرين الأول / أكتوبر العام الماضي، استأنفت شركة "ألفاريز ومارسال" عمليات التدقيق الجنائي في حسابات المركزي، بعد نحو عام من تعليقها، لتعذر حصولها على كامل المستندات المطلوبة.

ويواجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكاوى قضائية ضدّه في لبنان ودول أوروبية، بينها فرنسا وسويسرا، تتعلق بشبهات اختلاس أموال وتحويلات عبر مصرف لبنان إلى الخارج واتهامات أخرى، ولكنه ينفيها بالمطلق.

إلى أين ستصل نتائج التدقيق؟

يجيب الخبير الاقتصادي د. حسن خليل، لـ"إرم نيوز": "التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي لن يحصل؛ لأنه لو حصل فسيُدخل البلد بحرب أهلية تحرقه، ويمكن أن تحدث اغتيالات لمنع إتمامه".

ويؤكد أن "التدقيق الجنائي لن يحصل إلا بضغط دولي، أو بعد الانهيار الشامل للبلاد وبعد أن تعمّ الفوضى. حينها، يمكن أن يتم الاتفاق عليه أثناء عملية البناء".

وعن الحلول الإنقاذية المفترض أن تنقذ لبنان، يقول خليل: "لا يمكن للبنان القيام دون أن يكون له قطاع مصرفي جديد".

وتابع:"كون القطاع المصرفي الحالي فقد الثقة من قبل الزبائن، أكانت قديمة أو جديدة، ولكي ينشأ اقتصاد جديد قائم على الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات، نحتاج الاستثمار والتمويل، ولقلب هذه المعادلة، يجب أن تنشأ مصارف جديدة بإدارة جديدة تكون فروعا لبنوك خارجية؛ كي يطمئن المودع بأن هذه الفروع هي جزء من الموازنة المجمّعية للمركز الرئيس الأجنبي في الخارج، وليست فروعا أجنبية برأسمال مستقل".

نمط الحياة

يذكر أن تداعيات الأزمة الاقتصادية انعكست على نمط الحياة اليومية للبنانيين، وبات الناس يكدون ويشقون في سبيل لقمة الخبز، فيما تخلوا عن الحاجات الثانوية والكماليات.

وفي دراسة نشرتها مؤسّسة "الدولة للمعلومات"، زاد معدل جرائم السرقة العام 2021 بنسبة 137% عن العام 2020، وعزت الدراسة أسباب الارتفاع إلى الأزمة الاقتصادية والمعيشية وتفاقم البطالة.

وارتفعت نسبة الفقر في لبنان، خلال هذا العام بفعل الأزمة على نحو كبير، بحسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).

كما ارتفعت الهجرة غير النظامية بعدما كانت حكرا على النازحين السوريين خلال السنوات الماضية، فبدأ لبنانيون يلجؤون إليها على الرغم من خطورتها، عن طريق مراكب تنطلق من شواطئ لبنان إلى دول أوروبية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com