"فورين بوليسي": تراجع مبدأ "عدم التمييز" ينذر بموت التجارة الحرة
"فورين بوليسي": تراجع مبدأ "عدم التمييز" ينذر بموت التجارة الحرة"فورين بوليسي": تراجع مبدأ "عدم التمييز" ينذر بموت التجارة الحرة

"فورين بوليسي": تراجع مبدأ "عدم التمييز" ينذر بموت التجارة الحرة

حذرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية من تراجع مبدأ عدم التمييز في قائمة أولويات التجارة العالمية لدى عدد متزايد من دول العالم، في إشارة إلى تبني الاتحاد الأوروبي قواعد تجارية تدفع إلى كبح الانبعاثات الكربونية، فضلًا عن اتجاه الولايات المتحدة إلى إقرار قواعد أخرى مشابهة.

وأشارت المجلة، في تقرير لها، إلى أنه على مدى ثلاثة أرباع القرن كان نمو التجارة العالمية الذي نشر الرخاء في معظم أنحاء الكوكب، بما في ذلك مئات الملايين من الناس في العالم النامي، مدعومًا بأمر بسيط، وهو "يجب ألا تميز".

وأوضحت أنه في الأعوام التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، اتفقت معظم الدول لأول مرة في التاريخ، على أنها ستتعامل مع البضائع الأجنبية الصنع بالطريقة نفسها من كل دولة تقريبًا، وعلى سبيل المثال ستفرض الولايات المتحدة التعرفة الجمركية نفسها على السترة المستوردة من إيطاليا مثل تلك التي تم استيرادها من بنغلاديش، ولن تفرض أي لوائح تمييزية إضافية.

وبحسب المجلة، سمح هذا المبدأ القوي، في المقام الأول، للعديد من البلدان الفقيرة، مثل بنغلاديش، بالنمو عن طريق تصدير السلع، وفي وقت لاحق، عندما دفع التقدم في الاتصالات والخدمات اللوجستية العولمة إلى الأمام، سمح للشركات بتوزيع الإنتاج في جميع أنحاء العالم، واثقًا من قدرتها على تصنيع البضائع في أي بلد تقريبًا، وتصديرها إلى أي دولة أخرى بموجب قواعد مماثلة.



تفريط دراماتيكي

لكن مبدأ عدم التمييز يتعرض الآن لأكبر هجوم واجهه على الإطلاق، بحسب المجلة، ففيما يتعلق بقضايا، من الأمن القومي إلى حقوق العمال إلى البيئة، قررت أكبر الاقتصادات في العالم أن عدم التمييز، وهو المبدأ الأساسي للتجارة الحرة والعولمة، يجب أن يتراجع في الأولويات.

وذكرت المجلة أن التفريط الأكثر دراماتيكية على وشك أن يحدث، ففي الأسبوع الماضي، كشف الاتحاد الأوروبي عن خطته "Fit for 55" لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 55% من مستويات عام 1990 بحلول نهاية هذا العقد، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وهو ما يستتبع الاضطراب الاقتصادي الأكثر استدامة منذ الثورة الصناعية.

وأضافت أنه من الأمور الأساسية في خطة الاتحاد الأوروبي فرض ضريبة على حدود الكربون، والتي تخطط أوروبا بموجبها لفرض رسوم جمركية أعلى على واردات المنتجات المصنوعة بطرق تولد انبعاثات أعلى، مقارنة بالمنتجات الأوروبية والانبعاثات الصادرة عنها، وسيبدأ المخطط باستهداف القطاعات كثيفة الكربون مثل الخرسانة والصلب والألمنيوم والأسمدة.

وأشارت المجلة إلى أن الكونغرس الأمريكي يعكف على تطوير خطة مماثلة لفرض ضرائب على الواردات كثيفة الكربون كجزء من حزمة تسوية الميزانية القادمة، رغم أن التفاصيل لا تزال غامضة، وتستند القيود التجارية الجديدة الأخرى التي يتم فرضها أو النظر فيها على جانبي المحيط الأطلسي إلى الامتثال لتدابير حماية العمال وحقوق الإنسان ومعايير أخرى، وبالنسبة للعديد من السلع المتداولة سيصبح مبدأ عدم التمييز أمرًا قديمًا ومهملًا.

ورأت المجلة أن معظم هذه الإجراءات يمكن الدفاع عنها بقوة، وربما تكون ضرورية للغاية، لكنها تؤدي مجتمعة إلى اقتصاد عالمي يتسم بالانقسام الشديد بصورة متزايدة بحسب الأيديولوجية والقيم الاجتماعية والالتزامات البيئية، فيما سيكون العالم أقل كفاءة، إذ ستحتاج الشركات إلى تكييف الاستثمارات وقرارات الإنتاج وفقًا لقيم البلدان التي ترغب في البيع لها.



صراع اقتصادي

وتوقعت المجلة أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الصراع الاقتصادي، وكلما ترسخت هذه الاستثناءات، أصبح من الأسهل توسيعها في المستقبل، فبينما يتحرك العالم في هذا الطريق نحو التجارة المدارة، فإنه سيحتاج إلى التحرك بحذر لتجنب التطرف، والعودة مرة أخرى إلى الحمائية الضارة.

وذكرت المجلة أن عدم التمييز كان أساس التجارة العالمية منذ إنشاء الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (غات) عام 1947، التي سبقت منظمة التجارة العالمية، إذ تنص "غات"، الدستور التأسيسي للتجارة الحديثة، على أن "أي ميزة أو امتياز أو حصانة تمنح لمنتجات أي عضو في الغات، يجب أن تمنح على الفور ودون قيد أو شرط للمنتجات نفسها من أي عضو آخر".

وأشارت إلى أنه في تلك الأعوام، بقي الكثير من العالم خارج النظام، لا سيما الكتلة السوفيتية للبلدان الشيوعية، كما انسحبت الصين عام 1950، لكن بالنسبة لأعضاء  "غات"، التي شملت معظم دول العالم بحلول منتصف التسعينيات، كانت هناك استثناءات قليلة جدًا لعدم التمييز، وذلك بعد أن تعلموا مما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما تسببت الرسوم الجمركية المرتفعة في تعميق الكساد العالمي.

وأشار التقرير إلى أن مؤسسي "غات" أرادوا أن يكون عدم التمييز مبدأ لا ينتهك، ودرعًا ضد الانحدار مرة أخرى إلى حروب تجارية لا معنى لها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com