نقص الأيدي العاملة يدفع بولندا للاعتماد على الروبوتات والسجناء
نقص الأيدي العاملة يدفع بولندا للاعتماد على الروبوتات والسجناءنقص الأيدي العاملة يدفع بولندا للاعتماد على الروبوتات والسجناء

نقص الأيدي العاملة يدفع بولندا للاعتماد على الروبوتات والسجناء

يحتوي مستودع شركة "أميكا" في بلدة "فرونكي" الصغيرة في غرب بولندا، على 230 ألف قطعة بضاعة، ويمكنه معالجة 1600 كل ساعة، ولكن ربما يكون أكثر ما يلفت النظر إلى المنشأة هو أنه يمكن تشغيلها بشخص واحد فقط.

وبدلًا من العمال، يعتمد المستودع على الروبوتات البرتقالية الضخمة التي تسير بانتظام بين أكوام البضائع البالغ ارتفاعها 46 مترًا، والتي تحتوي على غسالات وأفران، وتقوم بتغيير أماكنها حتى يمكن إرسالها في أسرع وقت ممكن إلى العملاء في جميع أنحاء العالم.

ووفقًا لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، يعتبر المستودع المتطور الذي تم افتتاحه منذ عامين، جزءًا أساسيًا من مخطط التوسع الخاص بشركة "أميكا"، كما يعتبر أيضًا جزءًا هامًا من جهود مجموعة البضائع البيضاء البولندية لمكافحة نقص العمالة التي تقيد أحد أسرع الاقتصادات نموًا في أوروبا.

وقال مارسين بيليك، كبير مسؤولي التشغيل في "أميكا"، إن "نقص العمال هو إحدى المشاكل الرئيسة في بولندا اليوم، فلا يمكن لأحد العثور على عمال، وكل عام نفقد حوالي 100 للتقاعد، فيبدو أن المستقبل سيشهد انخفاضًا في عدد عمالة البولنديين في خطوط إنتاجنا، لذلك كان علينا أن نفكر في التكنولوجيات الحديثة، وكيفية تطوير المصنع لاستخدام عدد أقل من العمال".

صورة مصغرة للمشكلة الكبرى

وتعتبر التحديات التي تواجه "أميكا" هي صورة مصغرة للمشكلة الكبرى التي تواجه أوروبا الوسطى، ففي جميع أنحاء المنطقة، أدى النمو السريع والديموغرافيات غير المواتية وإرث موجة الهجرة في مطلع القرن الـ 21 إلى خفض البطالة إلى مستويات قياسية، ما ترك الشركات تخوض معركة شرسة على الموظفين.

ووفقًا لمركز "يوروستات" للإحصائيات، تقول 49 % من الشركات الصناعية البولندية إن قيود العمالة ستحد من الإنتاج في الربع المقبل.

وفي المجر، تبلغ النسبة أيضًا 49 %، وفي جمهورية التشيك 39%، وفي قطاعات مثل البناء، كان الضغط على هامش الربح بسبب هذه المشكلة قويًا لدرجة أن قادة الأعمال حذروا من أن الشركات الأضعف قد تتوقف عن العمل.

ولتخفيف الضغط وزيادة كفاءته، استثمرت "أميكا" أيضًا في مجموعة من الروبوتات للمصنع وليس المستودع فقط، حيث تصنع الأفران والغسالات.

 وقال بيليك، إنه سينفق 65 مليون دولار على الأتمتة على مدار السنوات الخمس المقبلة.

ومع ذلك، لا يزال الوجود الروبوتي في بولندا أقل من بعض الدول، إذ كشف تقرير حديث صادر عن المعهد الاقتصادي البولندي (PIE)، وهو مؤسسة فكرية تمولها الحكومة، أن بولندا بها 42 روبوتًا مقابل كل 10 آلاف عامل، وهي نسبة أقل بكثير من ألمانيا التي لديها 338 روبوتًا مقابل نفس عدد العمال، وأقل حتى من نظرائها الإقليميين، حيث تحتوي المجر على 84، وجمهورية التشيك على 135 روبوتًا.

تعزيز التنافسية

وقال بيوتر أراك، رئيس المعهد الاقتصادي البولندي: "يمكن أن تلعب الروبوتات دورًا كبيرًا في مستقبل الصناعة البولندية، إذا أرادت أن تحافظ على قدرتها التنافسية في السنوات المقبلة".

وفي الوقت الذي تعمل فيه الشركات البولندية التقدمية على زيادة الإنفاق على الأتمتة، لا يزال الكثير منها يعتمد على المهاجرين لسد الفجوات في القوى العاملة، ففي عام 2018، أصدرت بولندا 635 ألف تصريح إقامة للأجانب، أكثر من أي دولة أوروبية أخرى.

وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين من الأوكرانيين، الذين تربط بلادهم روابط لغوية وثيقة وتاريخ معقد مع بولندا.

 ومع ذلك، يقلق قادة الأعمال البولنديون من أنه إذا فتحت ألمانيا سوقها، فإن العديد من الأوكرانيين سيتوجهون إليها، ولذلك بدأت بعض الشركات في البحث عن عمال من مكان آخر، مثل آسيا، ولكن بأعداد قليلة حتى الآن.

وتعتبر "أميكا" واحدة من هذه الشركات، فحوالي 400 من موظفيها البالغ عددهم 2400 في فرونكي هم من الأوكرانيين، وهذا العام، ولأول مرة عينت 15 شخصًا من إندونيسيا.

وقال بيليك: "يمنحنا هذا بعض الاستقرار؛ لأن الإندونيسيين يقيمون لمدة عام أو اثنين على الأقل، على عكس الأوكرانيين الذين يعملون في المصنع لمدة 3 أو 6 أشهر، ويرحلون وقتما تتوفر رواتب أفضل".

وفي المنطقة التي تعد واحدة من أكثر دول أوروبا تجانسًا من الناحية العرقية، تعد الهجرة موضوعًا مثيرًا للجدل، إذ قال سياسي يميني متطرف العام الماضي، إن أي حكومة تضم الهجرة بين خططها ستكون "حكومة خيانة وطنية"، كما تم فصل نائب وزير التنمية البولندي بعد أن قال إن البلاد بحاجة إلى المهاجرين للحفاظ على نموها.

نتيجة لذلك، يتوقع المحللون أن تظل الهجرة غير الأوروبية محدودة، ولكنهم يرون طرقًا يمكن أن تستخدمها بولندا لتعزيز قوتها العاملة.

وأوضحت إغا ماجدا، من معهد البحوث الإنشائية، أنه بإمكان بولندا إيجاد مليون عامل إضافي من خلال تسهيل مشاركة الشباب والذين تجاوزوا الـ 50 من العمر والمعاقين.

وقالت: "سيكون معدل شيخوخة القوى العاملة في بولندا الأسرع في الاتحاد الأوروبي في العقود الثلاثة أو الأربعة المقبلة؛ نظرًا لمعدل الانخفاض في عرض العمالة، ولذلك من المهم للغاية النظر في جميع مصادر العمالة المحتملة".

مصدر غريب للعمالة

من جانبها، وجدت شركة "أميكا" مصدرًا آخر أقل وضوحًا للعمالة، حيث تستضيف 70 نزيلًا من السجن المجاور، والذين كانت جرائمهم طفيفة بدرجة كافية لكي يعملوا في الخارج، وهي بصدد بناء ورشة داخل السجن لاستيعاب 200 شخص آخرين ممن لا يُسمح لهم بالخروج.

وقال بيليك: "من يدري، ربما يكون لدينا 500 سجين يعملون لدينا خلال عامين أو 3 أعوام".

ومع ذلك، توفر الأتمتة حلًا أكثر ربحية لمشكلة نقص العمالة في بولندا على المدى الطويل، فهي لن تخفف هذا النقص فحسب، بل ستساعد أيضًا في إلغاء اعتماد الاقتصاد على العمالة الرخيصة وتوجه هذه العمالة نحو المزيد من الأنشطة ذات القيمة المضافة، وهو أمر لطالما تطلع إليه السياسيون والمواطنون في البلاد.

وعلق ويتولد أورلوفسكي، كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" في بولندا: "بالطبع لا يمكن استخدام الروبوتات لاستبدال جميع العمال، ولكن لا يزال أمام بولندا مجال كبير لزيادة الإنتاجية، وأعتقد أنه من خلال التشغيل الآلي، ستتمكن من تحرير مئات الآلاف من الأشخاص لشغل وظائف أخرى، ويمكن أن يكون لهذا تأثير كبير".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com