تونس.. سلسلة تحديات اقتصادية تواجه حكومة الصيد
تونس.. سلسلة تحديات اقتصادية تواجه حكومة الصيدتونس.. سلسلة تحديات اقتصادية تواجه حكومة الصيد

تونس.. سلسلة تحديات اقتصادية تواجه حكومة الصيد

تونس- تواجه الحكومة المنتخبة في تونس، بقيادة الحبيب الصيد، عددا من التحديات الاقتصادية الخارجية والداخلية، تحتاج إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهتها والخروج من الأزمة الخانقة التي تهدد الاقتصاد الوطني، بحسب مراقبين.

وتتمثل هذه التحديات –بحسب خبراء- في تعطل الإنتاج المحلي، وضعف نمو الاقتصاد الأوروبي، والأزمة الليبية، وخلق بيئة استثمارية جديدة في تونس تستجيب للمعايير الدولية.

وأكد الاستشاري في الاستثمار، محمد الصادق جبنون، أن "المرحلة المقبلة هي مرحلة التحدي الاقتصادي، والخمسة أعوام المقبلة هي أعوام الانتقال الاقتصادي، مثلما كانت المرحلة السابقة مرحلة الانتقال السياسي"، مضيفا أن "النجاح الاقتصادي هو الذي سيحدد نجاح المرحلة السياسية برمتها أو فشلها".

وقال جبنون، في تصريح صحافي، أن "حكومة الحبيب الصيد ورثت وضعية اقتصادية متردية لا تحسد عليها".

وأضاف أن "برنامج الـ 100 يوم عمل لا يتعدى أن يكون جزءا من المخيال الشعبي ولا يمت للواقع الاقتصادي بصلة، فالأحرى هنا الحديث عن إجراءات مستعجلة للفترة الأولى، تتمثل في الحد من غلاء المعيشة والتحكم في مسالك التوزيع والخفض في سعر المحروقات، والخفض في سعر الفائدة البنكية، ثم مرحلة متوسطة تقوم على الانطلاقة الاقتصادية وبعث مشاريع البنية التحتية الكبرى وخاصّة في مناطق الشمال الغربي والجنوب".

وبخصوص التحديات الاقتصادية الخارجية، شدد الاستشاري في الاستثمار على أن "التحدي الرئيسي أمام الاقتصاد التونسي هو الوضع في ليبيا"، مشيرا إلى "أن انعدام الدولة في ليبيا يجعل من تونس المزود الرئيسي لليبيا عن طريق السوق الموازية".

وتابع أن "التحدي الثاني هو ضعف النمو في المنطقة الأوروبية، حيث لم يتجاوز الـ1.7% على أقصى تقدير وارتباط تونس الوثيق بدول جنوب أوروبا وخاصة فرنسا التي يتخبط اقتصادها في أزمة كبرى"، مؤكدا أن هذا الوضع "يتطلب الانفتاح على أسواق أخرى ومنها السوق الإفريقية والآسيوية وفضاءات التمويل والتصدير الأخرى".

ويتمثل التحدي الخارجي الثالث، بحسب جبنون، في "ضرورة تعويض محرك القرض بمحرك الاستثمار، وخلق بيئة استثمارية جديدة في تونس تستجيب للمعايير الدولية للاستثمار الموجودة خاصة في الدول الأنجلوساكسونية".

تحديات داخلية

وفيما يتعلق بالتحديات الاقتصادية الداخلية، أشار الاستشاري في الاستثمار إلى أن تونس "تواجه تحديا كبيرا وهو مشكلة البطالة والتشغيل"، مشددا على أن "هذا الإشكال الهيكلي في تونس، وهو محرك كل الهزات الاجتماعية، ويتطلب إعادة هيكلة التعليم والتكوين المهني وجعلها مرتبطة بسوق الشغل".

وقال إنه "من التحديات الداخلية الأخرى، التضخم المالي والسياسة النقدية الضعيفة (ارتفاع نسبة الفائدة وغلاء تكلفة الدين)، والبنية التحتية المنعدمة أو المتآكلة، السياحة التونسية التي لم يعد بإمكانها جذب السياح ذوي الدخل العالي، المنظومة البنكية".

وأضاف أن "انعدام الشفافية في منظومة الطاقة ككل يمثل عائقا أمام الانطلاق الاقتصادي"، مؤكدا أن "مداخيل الفوسفات وحدها تغني الدولة عن اللجوء إلى الاقتراض".

وشدد على أن "هناك جوانب مستعجلة يجب إيجاد الحلول لها والحكومة الحالية قادرة على التخطيط على المدى المتوسط دون مضيعة للوقت في الاستشارات والمنتديات لأن التشخيص وقع إنجازه والعلاج متوفر لكنه يتطلب حكومة إنجاز".

وأوضح أن "برنامج الحكومة الحالية لم يتبلور بعد نظرا لأن رئيس الحكومة أعلن أنه سيتم تحديد البرنامج خلال العشرة أيام المقبلة وهو ما أدخل نوعا من الضبابية لدى المتعاملين الاقتصاديين، وهو ما من شأنه أن يزعزع الثقة في الاقتصاد التونسي، إضافة إلى وجوب التخلي عن القرض الرقاعي (السندات) بقيمة مليار دولار الذي سيستهلك نقطتين من النمو في غير جدوى ويمكن تعويضه بيسر بعائدات الفوسفات".

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي التونسي عبد الجليل البدوي، في تصريح صحافي، أن "أول التحديات التي تواجه الحكومة الحالية هو التحدي الأمني، ولا بد من إيجاد حل لقضية الإرهاب، لأن كل الجوانب الأخرى (سياسة، اقتصاد...) مرتبطة بالجانب الأمني".

وبالنسبة للتحديات الاقتصادية، أوضح الخبير الاقتصادي أن تونس "في حوار دقيق وحساس مع الاتحاد الأوروبي حول مشروع إقامة منطقة تبادل شاملة ومعمقة وهو مشروع انطلق منذ عام 2011 ويطرح تحديات كبرى".

ويهدف المشروع، حسب البدوي، إلى تعميم تحرير المنتجات في القطاع الفلاحي والصناعات الغذائية وقطاع الخدمات، وتحرير الأسواق العمومية، وإسداء أكثر امتيازات للاستثمار الخارجي، ومراجعة قانون المنافسة (إقامة علاقات عادلة بين الداخل والخارج).

وأكد أن "حصيلة التعاون مع الاتحاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة لم تكن في المستوى المرتقب".

ويتمثل التحدي الثاني في تواصل ارتفاع نسبة المديونية، وخاصة تكاليفها نظرا لتراجع التصنيف السيادي لتونس، لتصل إلى 52% من الناتج الداخلي الخام.

وأضاف البدوي أن هناك تحديا كبيرا هو العمل على إرجاع الثقة لكل المتعاملين الاقتصاديين مع تونس وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر الذي يواجه عراقيل عدة منها أساسا الصراعات الداخلية، والظروف الأمنية.

ومن التحديات الأخرى، أشار البدوي إلى التعطيلات التي تشهدها عدة قطاعات وأهمها قطاع الفوسفات ومشتقاته، مضيفا أن تعطل الإنتاج في هذا القطاع خلال الأعوام الأربعة الأخيرة أدى إلى خسارة أسواق خارجية عديدة، وبالتالي فعودة الإنتاج في القطاعات الحساسة سيمكن من عودة الثقة إلى السوق التونسية.

وتابع الخبير قائلا إن "المواطن فقد الثقة في الطبقة السياسية وذلك بسبب عدم التزامها بتعهداتها وهو ما خلق نوعا من الإحباط والاستياء لديه"، مضيفا أن "أداء مؤسسات الدولة تراجع وقد يكون انهار، ويبرز ذلك في مسألة النظافة وصيانة البينة التحتية ومواجهة الأمراض، وكلها تعكس تراجع الخدمات العمومية واهتزاز ثقة المواطن في المؤسسات".

وأكد البدوي أن "كل هذه التحديات تتطلب إجراءات عاجلة تهدف إلى إرجاع الثقة في مؤسسات الدولة والطبقة السياسية، وإجراءات لتحسين مستوى المعيشة للمواطن التونسي ومنها أساسا العمل على تحسين الخدمات العمومية ومقاومة التضخم المالي وارتفاع الأسعار من خلال اتخاذ إجراءات لمقاومة التهريب والاحتكار".

وأوضح أن "كل هذه التحديات ستعيق عمل جميع الأطراف"، مشددا على ضرورة "إعادة النظر في مسار التنمية، بعد ثبوت فشله في تونس منذ عقود ومساهمته في تعميق الفوارق الجهوية والاجتماعية، وتهميش قيمة العمل، وتعميق مشكلة البطالة، واستنباط بديل له".

ودعا البدوي إلى ضرورة "الإسراع بإنجاز الاستثمارات العامة التي تم رصد اعتماداتها (نسبة إنجاز هذه المشاريع لم تتجاوز 35% إجمالا) ولكن لم تنجز بالرغم من مساهمتها في خلق مواطن الشغل (فرص العمل) وتحسين البنية التحتية.

كما دعا البدوي إلى "الإسراع بتجاوز الاختلافات المهنية، وإرجاع نسق الإنتاج المعطل في القطاعات الحساسة (الفوسفات)، إلى جانب إعادة تأهيل طاقة الإنتاج المعطلة، وخاصة في القطاع السياحي (غلق العديد من الفنادق)، والعمل على استغلال طاقة الإنتاج الموجودة التي لا تتطلب أموالا بل يؤدي تعطيلها إلى هدر للأموال، والحد من المنافسة غير الشريفة نتيجة القطاع الموازي والتهريب، وفق تعبيره"، مضيفا أن ذلك من شأنه أن "يعيد الثقة للمواطن ويخلق مناخا جديدا لانطلاقة الدورة الاقتصادية".

وفيما يتعلق بانعكاس الوضع في ليبيا على الاقتصاد التونسي، اعتبر الخبير الاقتصادي أن "ما يحصل اليوم في منطقتي الذهيبة وبن قردان الحدوديتين (الجنوب التونسي) أخذ حجما أكبر مما كان يتوقع"، مشيرا، في هذا السياق، إلى أن "التجارة الموازية في إطار اقتصاد غير منظم هي ليست فقط تبادلا تجاريا عاديا بل فيها الكثير من التهريب (التجارة الموازية تمثل 55% من المعاملات التجارية)، وبالتالي فهي لديها انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية".

وتابع البدوي أن "هذه التجارة توفر الشغل لعدد كبير من التونسيين في المناطق الحدودية خاصة في غياب برامج للحد من البطالة، في المقابل فهي لا توفر الحماية الاجتماعية للعاملين فيها وكذلك غياب المراقبة الصحية للمواد التي يقع جلبها (مواد غذائية، مواد تجميل، تبغ، محروقات...)، وأيضا هذا القطاع لا يساهم في الموارد الجبائية (الضرائب)".

وأوضح البدوي أن "كل هذه الإجراءات عاجلة ولا يجب تأجيل تنفيذها"، مبينا أن "الحكومة الجديدة مطالبة أيضا باتخاذ إجراءات على المدى المتوسط والبعيد".

وقال إنه "على المدى المتوسط (نهاية السنة الحالية)، فالحكومة مطالبة حسب البدوي بإدخال إجراءات في قانون المالية التكميلي لسنة 2015 وقانون المالية لسنة 2016، من شأنها أن تحسن العدالة الجبائية لأن الضغط الجبائي متوزع بصفة غير عادلة، وذلك في انتظار إصلاح المنظومة".

وأضاف أنه "من الإجراءات الأخرى التي يجب اتخاذها في العام الجاري، إصلاح المنظومة البنكية، ومعالجة العجز الذي تشكو منه المؤسسات والمنشآت العامة التي أصبحت اليوم تمثل عبئا على موازنة الدولة بعد أن كانت مصدرا لتمويلها"، مؤكدا على أن "كل هذه الإجراءات يجب أن تتزامن مع إصلاح منظومة التكوين والتعليم ليتماشى مع متطلبات سوق الشغل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com