كيف يكون المترجم أمينا مع النص؟
كيف يكون المترجم أمينا مع النص؟كيف يكون المترجم أمينا مع النص؟

كيف يكون المترجم أمينا مع النص؟

في الترجمة صوت جديد يضاف إلى كم الأصوات التي مرت على الإنسان في حياته. ثمة تجربة جديدة تأتي من ثقافة شعب آخر، أو قومية أخرى من العالم.

من الطبيعي أن نجد في النص المترجم الشيء الغريب عما اعتدنا عليه. من العادات والتقاليد وطريقة نسج الأفكار لمجموعة أخرى من الناس لهم مفهوم مختلف في تفسير وتحليل الحياة.

ومن المؤكد أن الترجمة الأدبية فتحت النوافذ أمام العقل البشري للامتداد والتنقل إلى بقع جغرافية مغايرة، دون السفر الفيزيائي. ذلك يتم بواسطة جهد المترجم في عكس الصورة الأصل بعدساته الذكية.

 

جيوب النص

لا يمكن أن يكون المترجم شخصا عاديا، فلابد أن يمتلك مهارات خاصة، لكي تتم مهمته دون عطب أو تشويه، فما يقوم به المترجم بمثابة اكتشاف جديد لجيوب النص الأصلي، وهذه العملية من النقل لها مهارات يجب توافرها في ذلك الشخص الذي يقول عنه بيجاي كومار داس:"إنه قارئ ومفسر ومبدع في آن واحد، ذلك هو المترجم".

لا تأتي أسرار هذا الطريق دفعة واحدة للمترجم، فمع الوقت تزداد حاسة اللمس لديه قوة، بملامسة كلمات النص الأصلي، وكشف العنصر المركزي في النص.

 

ما بين الأمانة والخيانة

لكن هل على المترجم أن يكون أمينًا بنقل النص الأصلي حرفيًا؟ أم يصنع نصًا من خلال إحساسه الخاص بالمعنى؟ ولماذا يُتهم البعض بخيانة النص الأصلي؟

هذا الطرح الجدلي الذي لطالما استمر في أروقة المثقفين ما بين الأمانة والخيانة للنص الأصلي، أنتج ما يمكن أن نسميه "ذكاء الترجمة"، بحيث يبقى جسد النص الأصلي حاضرًا، لكن بنسخته الجديدة. تلك الحاجة التي تجعل من المترجم أحدث مبدع للنص الأصلي.

 

أنماط أدبية

إن تنوع الأنماط الأدبية، ما بين النثر والشعر، ألقى بظلاله على طبيعة اللغة والعاطفة المستخدمة في الترجمة لدى المترجم.

فالشعر يشتهر بكثرة وتعدد المعاني التي تقبع ما وراء النص، وبحاجة لتفسير أكثر إحاطة برؤية الشعر والشاعر، وكذلك ثقافته وقوميته. بغير ذلك يتم قطع أطراف القصيدة، ويكون الشعر المترجم بحالة كساح.

لترجمة نص النثر سياق آخر في الصياغة والبحث، لكنه ليس بالهين مطلقًا، هذا ما يجعل من المفضل أن يكون المترجم يمتلك مهارات الكتابة على الأقل.

 

احترافية المترجم

المعضلة التي يقع فيها المترجم أمام نقاد الترجمة، هي مدى قدرته على النجاة بالنص الأصلي من تغيير المعنى، وبالوقت نفسه نقل الملامح الشبيهة بالمتن.

عن ذلك تقول المترجمة السورية إينانة الصالح لإرم نيوز: "إن الترجمة الحرفية للنص، هي ترجمة منقوصة الروح، جامدة، متصلبة، غير سلسة، وتنم عن عدم احترافية المترجم".

وتضيف الصالح:" على المترجم أن يخلق نصا موازيا للنص الأصلي، بأسلوب يجعله يحتفظ بالمعنى، ويجعل له أجنحة تُحلق بالمعنى".

وتتابع:" يجب على المترجم أن يكون قارئا ملما بالمنتجات الأدبية لكلتا اللغتين، إن لم نقل إن يكون مبدعا، ويجب عليه أن يكون متابعا للتغيرات المعجمية في اللغتين، ومحللا للتاريخ الذي يغير ويتغير بفعل ثقافة الشعوب، والعادات والأفكار، وكذلك التقلبات السياسية".

 

ميزان المترجم

إن الوفاء الكامل للقطعة أو النص المترجم، سيُنتج حتما مادة دون نبض. فعلى المترجم أن يجيد صنع شيء لا يشبه الجثة، ومن المستحيل أن يستطيع أي مترجم أن يأتي بنفس الحواس والنبض الذي اشتملته مادة النص الأصل، حتى الكاتب المالك الحصري للمادة لو أراد أن يكتب ما يشعر به حول الحدث نفسه، لن يكتبه بالصيغة نفسها.

هذا ما دفع "ماركيز" للقول عن ترجمة كتابه" مئة عام من العزلة": "إن الترجمة تفوقت على النص الأصلي، بدقة الوصف".

ذلك الميزان الذي يحمله المترجم، يعمل بدقة لتعويض ما يخسره النص الأصلي بيده اليسرى، ليعيده إلى يده اليمنى. وهو ما يتم من خلال غربلة العناصر في المادة، والإبقاء على ما يخدم المعنى، وتحديد ما الذي يمكن التضحية به؟.

 

ساعي بريد

في حوار سابق مع "إرم نيوز" وصف المترجم الفلسطيني الأردني تحسين الخطيب المترجم العربي بساعي البريد، وأكد على أهمية محافظة المترجم على أسلوب الكاتب الأصلي للنص، وأوضح ذلك بقوله: "لابد لصوت المؤلف الأصلي أن يحضر في النص، وأن يظل صوت المترجم صوتا غريبا، هذا لا يعني أن تكون الترجمة حرفية، بالعكس، كلما كانت الترجمة إبداعية، كلما حضر صوت المؤلف وأسلوبه بقوة".

المعادلة التي يجب أن يبنى عليها، أنه لا يوجد تطابق بالكامل بين كلمتين في لغتين مختلفتين. لكن يوجد كلمة تفسر معنى الأخرى، بشكل تقريبي، حسب الثقافة الشعبية، وأصول المصطلحات في كل مجتمع. ولابد للثقافة الشعبية أن تنعكس داخل النص المترجم، دونها يكون النص مبتورا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com