مشهد من مسرح المهرجان
مشهد من مسرح المهرجان

أسئلة إنسانية وقضايا وجودية في مهرجان "ربيع بيروت"

تمكن مهرجان "ربيع بيروت" في عروضه هذا الأسبوع بدورته الـ15 من لفت الأنظار بمسرحيتي "آخر 15 ثانية" للمخرج اللبناني الراحل مجدي بو مطر، والثانية "أرنب أحمر، أرنب أبيض" للكاتب الإيراني نسيم سليمانبور، وأداء فؤاد يمين.

ووفق صحيفة "المدن" المحلية، عرضت "آخر 15 ثانية" كتحية لمخرجها الراحل على مسرح "دوار الشمس"، بينما عرضت مسرحية سليمانبور في مسرح "مونو".

وكان المخرج مجدي بومطر قد رحل بشكل مفاجئ في حزيران/تموز من العام الماضي عن 47 عاما. وقرر "ربيع بيروت" تخصيص عرضين لمسرحيته "آخر 15 ثانية" كتكريم له، بمشاركة الممثل اللبناني بديع أبو شقرا الذي سبق وتعاون معه في كندا في أعمال سابقة، إضافة إلى الممثلة السورية ندى حمصي، وندى أبو صالح، وتريفور كوب، وبو مارغريت.

لحظة تكريم المخرج مجدي بومطر
لحظة تكريم المخرج مجدي بومطر

آخر 15 ثانية

يستوحي المخرج بومطر مسرحيته من المفارقة بين موتين، أحدهما المخرج السوري الأمريكي مصطفى العقاد وابنته ريما، والآخر هو قاتلهما، المفجر الانتحاري العراقي رواد عابد، والمسؤول عن هجوم إرهابي في سلسلة هجمات كانت منسقة واستهدفت 3 فنادق بارزة في العاصمة الأردنية عمّان عام 2005، وأودت بحياة عشرات الأشخاص.

تستعيد المسرحية في بدايتها حياة المخرج مصطفى العقاد في شبابه (يلعب دوره بديع أبو شقرا) وحلمه بالسفر إلى الولايات المتحدة لدراسة الإخراج، وشهرته فيما بعد بفيلميه المرتبطين بالإسلام "الرسالة" و"أسد الصحراء"، في مقابل أحداث متخيلة لطفولة المفجر الانتحاري رواد عابد (يلعب دوره تريفور كوب).

وترصد، حياة الانتحاري العراقي رواد عابد، الأقل حظًا، المليئة بالحرب والموت، وتبدأ من لحظة ولادته عندما قتل والده. وقصة سجنه مرتين، الأولى لشتمه نظام صدام حسين في مقهى، والثانية بتهمة التظاهر ضد الاحتلال الأمريكي.

نسج بومطر عرضه، وسط مفارقات درامية وضاحكة، حاكى بها القاتل والمقتول والتاريخ والهوية بينهما، طارحًا الأسئلة الإنسانية بين حلمي العقاد وعابد.

يتغير رواد بشكل خاص في مرحلة ما، بعد سجنه في المرة الثانية، لم يقل هو ذلك سابقا، لكنها تصريحات أدلت بها عائلته.

تأخذ المسرحية، الجمهور، في رحلة إدراك للتحول الجذري للشاب العراقي، الذي حاول في عمر الثماني سنوات تقليل خوف عائلته من الضربات الجوية. لكن لما كبر، كان السؤال، لماذا تحول إلى قاتل متطرف، بينما لم يتحول الآخرون؟.

نسج بومطر عرضه، وسط مفارقات درامية وضاحكة، حاكى بها القاتل والمقتول والتاريخ والهوية بينهما، طارحا الأسئلة الإنسانية بين حلمي العقاد وعابد العربيين، بينما يحمل الأول رسالة فنية ويحاول نشر ملامح هويته عبر شاشات العالم، يجد الشاب الآخر في التفجير الوسيلة الوحيدة لإعلان معتقداته أو الدفاع عنها.

يسلط المخرج الراحل الضوء على تضاد الحياة والموت بين شابّين وحياتين، واستعان بومطر لأجل ذلك بالصوتيات والأداء الجسدي والحركي والتقطيع السينمائي في صور شاعرية مكثفة تنتهي زمنيا بالثواني الـ15 الأخيرة من حياة العقاد وعابد، طارحا تساؤلاته: ماذا فكر مصطفى العقاد؟ وماذا فكر الانتحاري؟ وكيف مر شريط ذاكرتهما للمرة الأخيرة؟.

أرنب أحمر.. أرنب أبيض

يدعونا المسرحي الإيراني، نسيم سليمانبور، للمشاركة في اللعبة بمسرحيته "أرنب أحمر، أرنب أبيض"، والذي يؤديها الممثل فؤاد يمين.

سرعان ما سننزلق مع اللعبة التي تبدو مرحة للتعرف إلى كاتبها سليمانبور (من خلال فؤاد يمين)، وملامحه ولون عينيه، بعد أن يقع في يد الممثل نص في ظرف مختوم، والذي يتساءل: أين يوجد هذا النص؟، في أي مدينة؟ وكيف هو شكل الممثل الذي يؤديه؟، وما تاريخ يوم هذا العرض؟.

ويتضح أن النص مكتوب منذ أكثر من عشر سنوات في مدينة شيراز، بينما يتابع الممثل قراءة نص الكاتب المسرحي، ممارسًا سلطته الوحيدة على الجمهور، إذ تارة يستدعي إلى المسرح أشخاصا من صفوف الجمهور، بحسب أرقام بطاقاتهم، ليلعبوا لعبة الأرنب الذي يريد دخول السيرك فيخفي أذنيه. وتارة يسكب "سُمّا" بين كوبين من الماء على المسرح في حين يطلب منه الجمهور أن يغمض عينيه.

يمرر الممثل فؤاد يمين ببراعة عناوين وموضوعات تميل تدريجيا نحو الأعمق والأكثر قتامة، وتناقش موضوعات عالمية مثل السلطة والقمع وعدم اليقين والضمير الاجتماعي والعزلة والانتحار والموت.

يزجّ بنا الكاتب بهذه الغرابة المضحكة إلى عالمه الأشبه بالسيرك وبتجارب الأرانب على الطاعة، وسجنه داخل بلده بعد رفضه الخدمة العسكرية الإلزامية، ولأنه بسبب هذا الرفض لم يستطع الحصول على جواز سفر.

وانطلاقًا من هذا الواقع، قرر سليمانبور أن يرسل نصه إلى مدن العالم لتصل رسالته مختلف البلدان عوضًا عنه، فيما يقبع هو داخل حدود بلاده لا يدري ما ينتظره في المستقبل.

يمثل الكاتب المسرحي نفسه كـ"(رمز للسلطة) بينما يقوم بسجن خمسة متطوعين من الجمهور في قفص هيأه لهم، ليتطوعوا للعمل كأرنب أحمر واحد وأربعة أرانب بيض.

من مسرحية "أرنب أحمر، أرنب أبيض"
من مسرحية "أرنب أحمر، أرنب أبيض"

تحاول الأرانب جاهدة الوصول إلى جزرة في أعلى السلم، بينما يسابق الأرنب الأحمر للحصول عليها في كل مرة، في الوقت الذي تغمر فيه المياه المثلجة الأرانب البيض، ما يدفعها لمهاجمة الأرنب الأحمر غاضبة، لانزعاجها من البلل، لكن الأخير يستمر في سعيه إلى الجزرة، ثم يتم تغيير الأرانب ويحلّ محلها أخرى جديدة. لكن مع ذلك، تسلك سلوك سابقاتها.

تشير القصة إلى أن المجتمع يتم تدريبه على مواجهة أولئك الذين يظهرون الفردية.

ويمرر الممثل فؤاد يمين ببراعة عناوين وموضوعات تميل تدريجيا نحو الأعمق والأكثر قتامة، وتناقش موضوعات عالمية مثل السلطة والقمع وعدم اليقين والضمير الاجتماعي والعزلة والانتحار والموت.

يستعين نسيم سليمانبور بصور حيوانات مثل الأرنب والنعامة والغراب والدب والفهد، كرموز لشخصيات حقيقية في المجتمعات، للمقارنة في وصف حالنا بين قرار الانتحار الذي يقترحه الكاتب على الممثل، لينتقل النص إلى مؤد آخر، والانتحار متعدد الأنواع بحسب سليمانبور، مثل قرار البقاء على قيد الحياة حتى تلاشي أعضاء الجسد في لعبة طاعة اللون الواحد إلى ما لا نهاية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com