تونس.. "مسارح الجيب" تغزو الأحياء الشعبية وتقاوم "الفقر الفني"
تونس.. "مسارح الجيب" تغزو الأحياء الشعبية وتقاوم "الفقر الفني"تونس.. "مسارح الجيب" تغزو الأحياء الشعبية وتقاوم "الفقر الفني"

تونس.. "مسارح الجيب" تغزو الأحياء الشعبية وتقاوم "الفقر الفني"

المسارح الصغرى أو ما يُطلق عليها "مسارح الجيب" باتت تنتشر بشكل لافت في المدن والأحياء الشعبية في تونس لتؤدي دورا فنّيا واجتماعيا باستقطاب الشباب لممارسة هواياتهم والانشغال بالفن والابتعاد عن شتى مظاهر الانحراف.

ويروي الفنان المسرحي كريم الخشروفي لـ"إرم نيوز"، قصة بعث فضاء مسرحي في محافظة مدنين جنوب البلاد، قائلا إنّ ما دفعه إلى ذلك مروره بتجربة مريرة من الفراغ بلغت حدّ المشاركة رفقة جمع من الشباب في حيّه في رحلة "حرقة" (هجرة غير نظامية) هلك فيها البعض ونجا هو بنفسه، وأقرّ العزم بعدها على مواصلة دراسته والتخصص في الفن المسرحي.

وأضاف الخرشوفي أنّه بمجرد تخرجه من الجامعة في اختصاص الفن المسرحي، أسس شركة البحث للإنتاج الفني، ثمّ تم إحداث فضاء "المسرح الصغير" وسط الحي الذي نشأ فيه.

وأوضح أنّ المبدأ الذي كان يحركه في هذا المشروع، هو "تحقيق اللامركزية الثقافية، وضمان حق الجهات في الفنون، وإحياء الشارع بالفنّ، والقضاء على الفكر المتطرف، وكل مظاهر الانحراف لدى الشباب".



ثقافة القرب

وأشار الخرشوفي إلى أنّ هذه النوعية من المسارح خلقت "ثقافة القرب"، وأعادت المسرح إلى أصوله، فمنذ عهد الإغريق كان المسرح يُمارس في الشارع، واليوم نجحت هذه الفضاءات في تجاوز بيروقراطية الدولة التي أظهرت فشلها في فهم الشباب، لذلك تجد جلّ الفضاءات الثقافية العامة شبه خالية من الشباب المقبل على الفعل المسرحي والفني عامة، خلافا للفضاءات المسرحية الخاصة التي أكدت قدرتها على اكتساح الشارع لأنها تتكلم لغته.

من جانبه، قال الفنان المسرحي محمد علي سعيد، إن الدافع الأّوّل والرئيسي الذي حفّزه على بعث فضائه المسرحي الخاص، مسرح (كورتينا)، هو توفير فضاء لإنتاج أعماله المسرحية بعيدا عن الضغوط الإدارية والرقابية، وخلق نوع من الاستقرار الذهني والراحة النفسية لفريق العمل، وهما من العوامل المهمة لإنجاز أيّ عمل فنّي.

 



واعتبر أنّ فضاء مسرح "كورتينا" الذي أسسه قبل ثماني سنوات في محافظة سوسة الساحلية، نجح في ذلك من خلال تجاربه المسرحية التي أنجزها وحظيت بمشاركات وبجوائز وطنية ودولية.

وأوضح سعيد في تصريح لـ "إرم نيوز"، أنّ الدافع الثاني الذي لا يقل أهمية عن الدافع الأول، هو القرب من الناس، ومحاولة خلق نواة لجمهور مسرحي شغوف بهذا الفن عبر تكثيف العروض والملتقيات المسرحية"، مشيرا إلى أنّ سبب لجوء العديد من الفنانين إلى بعث مثل هذه الفضاءات، يتمثل في هاجسهم بضرورة القرب من الجمهور وخلق فضاءات ثقافية للتأطير والتكوين وخلق ثقافة الحياة والإبداع في كل مكان".

إمكانيات ضعيفة

ووفق سعيد فإنّ "خصوصية مسرح الجيب، أنّه مسرح صغير لا يتسع لعدد كبير من الممثلين والمتفرجين، وإمكانياته العامة ضعيفة ولا يمكن مقارنته بالفضاءات المسرحية الكبرى، ومن ثمة فهو يحتاج إلى دعم من السلطات الثقافية، ولا يمثّل تأسيس مثل هذه الفضاءات هروبا من سقف السلطة".

وأكد أنّ "بقاء جل الفضاءات المسرحية الصغيرة على قيد الحياة، هو رهين دعم الدولة، وعندما نتحدث عن الدولة فإننا نتحدث عن السلطة الحاكمة في ظل غياب تشريعات واضحة تضمن لهذه المسارح الاستمرارية في الوجود".

ولا تنشر وزارة الثقافة التونسية أرقاما رسمية عن عدد هذه الفضاءات، لكنّها تُعدّ بالعشرات وهي منتشرة في مختلف المحافظات التونسية، وتقوم آلية دعم وزارة الثقافة لهذه الفضاءات عبر منحها عروضا مدعومة مقابل تقديم أصحاب هذه الفضاءات مشاريعهم الإبداعية في إطار البرامج الوطنية التي تتيحها الوزارة.

ورغم المصاعب وضعف الدعم، نجحت عدة فضاءات مسرحية صغرى في خلق مهرجانات خاصة بها، مثل مهرجان "مسرح 100 كرسي" الذي أنجزه مسرح "كورتينا" في ثلاث دورات، و"مهرجان مسرح الأحياء" الذي بعثه فضاء "المسرح الصغير" في مدنين، و"أيام كورتينا لمسرح الطفل" وغيرها من التظاهرات التي استقطبت عددا وفيرا من المتابعين وخلقت نوعا من الحميمية بين المسرحيين وجمهورهم.

ثورة كاملة

ويقول الفنان المسرحي كريم الخرشوفي في هذا السياق، إنّ "المسرح الحميمي ومسرح الجيب خلقا ثورة كاملة، لأنّ الفنان يجد نفسه في علاقة قرب مباشرة مع الجمهور الذي يتابع ويلاحظ أدقّ التفاصيل في الممثل، عرقه وأنفاسه وصمته ونظراته".

ويضيف: "بل إنّ الجمهور صار جزءا من العرض ولم يعد ذلك الجمهور الذي يتابع صامتا بعيدا عن خشبة المسرح، وعن الممثلين الذين لم يلتزموا أيضا بحدود خشبة المسرح وخلقوا أروقة بين الجمهور ينطلقون منها في أعمالهم المسرحية أو يوظفونها داخل المسرحية.

ويعلق الناقد الفني محمد علي خليفة على ذلك، قائلا: "الفضاءات المسرحية الصغرى خلقت بشكل فعلي ثقافة القرب وثقافة اكتساح الشارع والتغلغل داخل الأحياء والحارات الشعبية وحتى داخل نفسية المواطن، وهي بذلك تقوم بدور مهمّ ومحوري في الاستقطاب الإيجابي، وإطفاء ظمأ الجمهور، لا سيما من الشباب، إلى الفعل المسرحي وإبعاده عن كل مساوئ الفراغ الفكري".

وأضاف خليفة في تصريح لـ "إرم نيوز": "بعث مثل هذه الفضاءات المسرحية الخاصة، يمثّل دليلا على فشل الدولة في خلق ثقافة القرب، واستقطاب الشباب الراغب في ممارسة الفعل المسرحي، أو في متابعة أعمال مسرحية وأنشطة ثقافية متنوعة".

وأوضح أنّ هذه الفضاءات لا تقتصر على إنتاج أعمال مسرحية فحسب، بل توفر ورشات للتكوين المسرحي، ونجحت في تخريج أطفال وشباب مصقول الموهبة، ومن بين خريجي هذه الفضاءات من تم اختياره لأداء أدوار في أعمال درامية مشهورة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com