"آخر مرة".. مسرحية تونسية تحاكي الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة‎
"آخر مرة".. مسرحية تونسية تحاكي الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة‎"آخر مرة".. مسرحية تونسية تحاكي الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة‎

"آخر مرة".. مسرحية تونسية تحاكي الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة‎

تطرح مسرحية "آخر مرة"، الفائزة بجائزة العمل المتكامل في الدورة 22 لأيام قرطاج المسرحية في تونس، إشكالية الصراع بين الرجل والمرأة، القائم منذ الأزل، والذي تتعدد أبعاده وتعقيداته ليشمل نسقًا مجتمعيًا بأكمله.

تمتد المسرحية التي كتبت نصها وأخرجتها وفاء الطبوبي، على مدى 70 دقيقة من الحركة على خشبة المسرح، يقدّم بطلاها مريم بن حميدة، وأسامة كشكار، صورًا متعدّدة لهذا الصراع، فيطوعان جسديهما لإضفاء مزيد من الرمزية على النص المنطوق المفعم بالنقد لظواهر اجتماعية شتى، والقائم على ثنائية الأمل والألم، التي على أساسها بُنيت العلاقات بين آدم وحواء، منذ الأزل.

ولعلّ ما دفع لجنة تحكيم المهرجان، إلى منح جائزة العمل المتكامل لهذه المسرحية، هو هذا الإتقان في صياغة النصّ، وبراعة الممثليْن في الأداء بكثير من الصدق والعمق والتلقائية، ومعايشة الشخصية التي تقمصها كل منهما في كل مشهد، رغم تعقيدات الأدوار، حيث لعب كل منهما ثلاث شخصيات، لكل شخصية خصوصيتها وعوالمها ووجعها، الأمر الذي استدعى كثيرًا من التركيز والانفعالات، حتى تصل الصورة كما هي والرسالة كما حددها النّص، وتنفذ مباشرة إلى الجمهور.

من خلال هذه الغزارة في العطاء على خشبة المسرح، نقل الممثلان، ومن ورائهما كاتبة النص والمخرجة وفاء الطبوبي، خصوصيات العلاقة بين الرجل والمرأة، والصراع المندلع بينهما منذ الأزل، فحوّلوا هذه المسألة الفلسفية إلى طرح درامي، فيه كثير من الإشارات إلى ما أصاب المجتمع التونسي من هزّات في علاقة أفراده مع بعضهم، وفي علاقة المجتمع عامة بالدولة، حتى كادت المسرحية ترتقي إلى دراسة سوسيولوجية نفسية لهذا المجتمع ومتغيراته وسياقاته التي تُنتج الصراع في كل مرة بشكل ما.

وتنطلق المسرحية من أمثلة متعددة للعلاقة بين الرجل والمرأة، بين مدير العمل والسكرتيرة، بين الزوج وزوجته، بين الأم وابنها، وفي كل صنف من هذه العلاقات يبوح النّص بمواضع القوة والضعف في كل علاقة، ويتخذ منها منطلقًا لقراءة العلاقة بين فئات بأكملها، ففي المشهد الأول، تنقل المسرحية علاقة العمل بين الرجل (مدير العمل) والمرأة (السكرتيرة) ويسلط من خلالها الضوء على ظاهرة التحرش الجنسي الذي تعاني منه النساء في كثير من وظائفهنّ، رغم بلوغهن درجات عليا من التكوين الأكاديمي، يفوق في كثير من الأحيان، ما يبلغه مدير العمل.

وفي المشهد الثاني، صراع أجيال بين أم ترغب في السيطرة، وتملّك القرار، وترى أنّ من حقها "صناعة" ابنها ليكون نسخة منها، وبين هذا الابن الذي يرنو إلى الانعتاق والتحرر من سلطة العائلة ويعيش ثورته الداخلية، فينعكس هذا الصراع على حال كثير من التونسيين الذين اشتدّ عودهم، ووجدوا أنفسهم أمام حتمية مغادرة حضن الأم/ الوطن الذي لم يوفّر لهم الوظيفة والحياة الكريمة.

وفي المشهد الأخير من المسرحية، محاولة لإجراء دراسة نفسية على العلاقة الزوجية بكل تشعباتها، من مزاجية وتناقض وتقارب وتماه بين الجانبين، من الحبّ إلى الرتابة، من الأمن إلى الخوف، من الثقة إلى الشك، فتتأرجح كل تلك المشاعر التي أتقن الممثلان إظهارها، بملامح الوجه وحركة الجسد والكلمات المتبادلة، زادتها بساطة الديكور (طاولة وكرسيان) رمزية، حتى تشخص الأبصار في اتجاه هذين الجسدين على امتداد المسرحية، وتعيش معهما حكايات كثيرة، عن صراع لا ينتهي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com