مسرحية "المتوحشون الطيبون".. بساطة الطرح وتقشف الديكور
مسرحية "المتوحشون الطيبون".. بساطة الطرح وتقشف الديكورمسرحية "المتوحشون الطيبون".. بساطة الطرح وتقشف الديكور

مسرحية "المتوحشون الطيبون".. بساطة الطرح وتقشف الديكور

تغوص مسرحية "المتوحشون الطيبون" للمخرج التونسي محمد سليمة بالفعل المسرحي في صميم الفعل الفلسفي، وتعيد طرح وتفكيك أسئلة وجودية مثَّلت لقرون مشغلًا فكريًا حوله المخرج إلى عمل إبداعي على خشبة المسرح.

وتعيد المسرحية التي عرضت ضمن مهرجان أيام قرطاج المسرحية طرح جملة من الأسئلة والإشكالات ذات الطابع الفلسفي: هل أن الإنسان خيّر بطبعه أم شرير؟ هل أن الشر طبع فطري في الإنسان أم يكتسبه مع الوقت ومع تجارب الحياة؟ هل مازال صراع الخير والشر قائمًا وصار يتخذ أشكالًا خفية وصيغًا أخرى غير تلك التي كانت في السابق؟ وغير ذلك من الأسئلة الفلسفية التي أبدع في طرحها عدد من الشباب في هذا العرض.

ومنذ طرح عنوان المسرحية يشد هذا العمل جمهوره إلى هذه الثنائية التي تقوم عليها الحياة والتناقضات التي تخلق التوازن، والتي تغير الموازين أحيانًا، فينقلب الطيب إلى متوحش، ويخرج المتوحش أحيانًا ما بداخله من طيبة قد لا يراها المجتمع.

وبدا العرض بسيطًا في طرحه، حتى أن خشبة المسرح خلت من أي ديكور سوى أجساد الممثلين التي كانت تتحرك في كل الاتجاهات موجهة رسائل في كل مرة بلغة غير لغة التخاطب العادية، كان الممثلون يغنون، مع كل مشهد يبرز أغنية جديدة، ورسالة جديدة تستدعي الجمهور إلى مشاركة أوجاع هذا الشباب الذي بدا أنه ينطوي على وجع مكتوم.

ويختلف الإطار المكاني من مشهد إلى آخر، فأحيانًا يتقمص الممثلون دور البحارة الذين يرغبون في الخروج للصيد لكنهم يمنعون ممن أرادوا للبحر أن يكون كالسجن له حدود وأبواب وأغلال، وحينًا آخر تتنقل الأحداث إلى قاعة محكمة، ويتحدث الممثلون بلغة المواطن المظلوم الذي لم ينصفه القاضي، إذ لم يستمع إلى حيثيات القضية كاملة واكتفى بالنظر على عجل في كوم من الأوراق أمامه، ولا المحامي الذي لا يضع اعتبارًا لقيمة الإنسان ويتناول كل قضية باعتبارها غنيمة مالية.

وبين مكان وآخر تختلف طريقة السرد والتعبير بالرقص أو الغناء باختلاف الإطار، وينخرط الممثلون في حلة من النشوة فتتماهى الأدوار مع الشخصيات المتعددة التي يجسدونها، وقد بدا هذا العمل المسرحي في كل ذلك فرصة لهؤلاء الشباب للتعبير بهامش كبير من الحرية التي منحها لهم المخرج، فلم يقيد حركتهم ولا ألزمهم بنص محدد، فكانت التعبيرات متراوحة بين المنطوق والغنائي لنقل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه التونسيون بمختلف فئاتهم، والتناقض الحاد الذي يقوم عليه هذا المجتمع، فتتداخل فيه القيم، ويتنازع الخير والشر في معركة المصير.

وترتقي هذه المسرحية إلى درجة البحث الفلسفي الذي يتولى تشريح المجتمع والإنسان التونسي، وهو بحث تتولى أجساد الممثلين إنجازه ناقلة جملة من الهواجس التي تجمع التونسيين وتضعهم أمام مرآة المجتمع باحثين عن ذواتهم في كل متغير من متغيرات الزمان والمكان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com