مسرحية "الموقوف رقم 80".. صرخة ليبية ضد المعاناة وانتصار للحياة
مسرحية "الموقوف رقم 80".. صرخة ليبية ضد المعاناة وانتصار للحياةمسرحية "الموقوف رقم 80".. صرخة ليبية ضد المعاناة وانتصار للحياة

مسرحية "الموقوف رقم 80".. صرخة ليبية ضد المعاناة وانتصار للحياة

يسجل المسرح الليبي حضوره في مهرجان "أيام قرطاج المسرحية" المنتظم هذه الأيام في العاصمة التونسية، محمّلا بثقل سنوات من الوجع والمعاناة، تجد صداها في "الموقوف رقم 80" التي عرضت ضمن أعمال المهرجان.

والمسرحية التي اخرجها عبد السلام طيرة، وكتب نصّها عباس الحايك تطرح جملة من التساؤلات وتدعو المشاهد إلى التفكّر في ما يمكن أن تخلفه عذابات الحروب والاقتتال والفوضى وانهيار الدولة من مخلفات نفسية واجتماعية على الفرد الليبي، وهي عذابات مسّت الجسد كما الروح.

وسعى عبد السلام طيرة إلى "النبش" فيها (العذابات) رغم ألم النبش، وإلى لملمتها من خلال إطلاق صرخة ضد كل أشكال التعذيب وإعلان انتصار للحياة وللأمل.

والألم يبدو ماثلا من خلال السياق المكاني للمسرحية، وهي زنزانة صغيرة، يقابلها مكتب للتحقيق، وشخصيتان تفصل بينهما أمتار قليلة، وهي المسافة الجغرافية الظاهرة، ولكن المسافة النفسية تُقاس بكيلومترات طويلة من الرهبة والخوف، وجدار فاصل بين الشخصيتين، وهما محقق أتم لتوه دراسته في كلية الشرطة، يتطلع إلى "تطبيق مهاراته" التي دسها لانتزاع الاعترافات، وموقوف منعزل في زنزانته منذ عشر سنوات في المكان نفسه.

وتعكس الشخصيتان حالة صراع مجتمعي، فمحقق الشرطة اختار هذا التخصص لأنه يرى فيه تحقيقا لتعطشه إلى السلطة والسيطرة على الآخرين والشعور بالهيبة منه، والثاني درس الهندسة، تلبية لاختيار ورغبة والده، لكنه لم يكمل دراسته واعتُقل في سنته الجامعية الثانية، حيث كان يتمنى دراسة الإعلام وكانت غايته أن يصبح صحفيا وقد تخلى عن رغبته وأمنيته إرضاء لوالده.

والمسرحية تفتح جرحا لم تعشه ليبيا فحسب بل عاشته شعوب عربية عدة، ابتُليت بأنظمة دكتاتورية لا ترحم من يخالفها الرأي، وبذلك كانت المسرحية انتصارا للإنسان المظلوم بصرف النظر عن جنسيته، الإنسان الذي يواجه حاكما متسلطا يسلبه حريته لأنه أصدح بحقيقة أو عبر عن رأيه في مقال كتبه فيتم اتهامه بالخيانة وقد تصل عقوبته إلى الإعدام.

أما التهم فهي جاهزة: "الخروج عن القانون والتصريحات المضادة للحكومة وحتى ما كان يسره هذا الإنسان لأصدقائه من آراء ترى فيها الحكومة خطرا عليها".

وعلى امتداد المسرحية ينشأ حوار ثنائي غير متكافئ بين صاحب القوة والمستضعف، وهو حوار يكشف بشاعة السلطة في تعاملها مع أبنائها، ويقدم صورة أبدع في كتابتها عباس الحايك وقدمت مشاهد التعذيب بتقنيات خيال الظل وأصوات للصرخات مع إتقان الممثلين للشخصية، لا سيما دور الموقوف الذي "لبس" الشخصية وتماهى مع وجعها وخوفها وبدا كأنه يخرج الحكاية من خبايا ذاكرته وينفض عنها تراب الزمن لتصبح الصورة ناصعة لإنسان انبعث من عذاب عشر سنوات بين القضبان.

وإلى جانب النصّ نجح القائمون على إنجاز المسرحية في خلق "ديكور" يتلاءم مع طبيعة الموضوع المطروح فكانت الإضاءة خافتة تعكس ظلمة السجون وضيق النفوس وانقباضها، فشدّت بذلك الجمهور الذي قدم لاكتشاف المسرح الليبي قليل المشاركة في مثل هذه التظاهرات، وقد كشف هذا العمل عن قدرات وإمكانات يمكن توظيفها لرسم صورة جديدة لليبيا التي بدأت مسار المصالحة وإرساء الحل السلمي سياسيا، ويبدو أن هذا المسار ترافقه "نهضة إبداعية" من خلال الأعمال المسرحية والمؤلفات والأعمال الدرامية التي قد تظهر قريبا عاكسة جوانب من معاناة المجتمع وموثقة لفترة تاريخية كاملة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com