تزوير اللوحات الفنية.. اعتداء على "الملكية الفكرية" يمر بلا عقاب

تزوير اللوحات الفنية.. اعتداء على "الملكية الفكرية" يمر بلا عقاب

تحوّل تزوير لوحات مشاهير الفنانين إلى مشكلة عالمية خاصة بعد التقدم التكنولوجي وتطوير المزورين أدواتهم بشكل احترافي يصعب اكتشافه على الخبراء.

وعُرف التزوير منذ بداية النهضة الأوروبية، لكنه كان يعتبر مهارة يتحلى بها الفنان القادر على التقليد بدقة بالغة. ومع الوقت تحول إلى جريمة أخلاقية وقانونية؛ بسبب إساءته للتراث الفني وهضم حقوق الفنان صاحب اللوحة الأصلية.

ويعتمد المزورون اليوم تقنية الاستنساخ الكهروميكانيكي لطباعة الأعمال المزورة التي تحاكي الأصلية بشكل يصعب التفريق بينهما. كما يضيفون بعض المواد التي توحي بأن اللوحة قديمة.

وتنتشر في أوروبا الكثير من الأعمال المزيفة التي اكتشف بعضها بالصدفة، وشمل التزييف أعمال آندي وارهول ولوي ليختنشتاين وبيكاسو وسلفادور دالي وفان كوخ وغيرهم.

وتؤكد أنباء صالات العرض العالمية تورط بعض المتاحف الشهيرة والأشخاص المغرمين بجمع اللوحات بشراء أعمال مزيفة بملايين الدولارات، نظراً لصعوبة تمييزها عن الأعمال الأصلية.

ويذكر من الأعمال العالمية التي اكتُشف زيفها لوحة "الرجل الملتحي" المنسوبة للهولندي رامبرانت "1606 – 1669"، ولوحة "المسيح المخلص" المنسوبة للإيطالي ليوناردو دافنشي "1452 – 1519"، و"زنابق الماء" المنسوبة للفرنسي كلود مونيه "1840- 1926".

ولم ينجُ مشاهير التشكيل العربي من التزوير. وقد فُتح هذا الملف بمناسبة الذكرى المئوية لولادة الفنان السوري فاتح المدرس الذي تعرضت أعماله للقرصنة.

ويقول الفنان التشكيلي عصام درويش لـ"إرم نيوز": "يقوم المزوّر بعرض اللوحات المزيفة بأسعار مرتفعة حتى يثبت أنها أصلية. وللأسف فإن البعض ينجحون في ذلك".

ويعتبر الراحل لؤي كيالي "1934- 1978" في مقدمة من تعرضوا للتزييف، نظراً للطلب الكبير على أعماله. وهناك عدة نسخ من بعض لوحاته تتواجد في عدة أمكنة وكل مكان يدّعي أنه يمتلك الأصل!.

ويقول الناقد سعد القاسم لـ"إرم نيوز": "التزوير مشكلة أخلاقية تسيء إلى التراث الفني وتشوه الجماليات بهدف الكسب المادي والربح غير المشروع".

وأثيرت في مصر قضية تزوير كبيرة تعرض لها كبار الفنانين منهم: حسن سليمان ومحمد ناجي وراتب صديق وعفت ناجي ومحمود سعيد. ووصلت القضية للقضاء بعد أن قامت صاحبة إحدى الصالات ببيع لوحات مزيفة بمبالغ مرتفعة.

ويقول عصام درويش: "بعض صالات العرض شجعت عمليات التزوير بسبب تسويقها غير الأخلاقي للأعمال، وكان البعض يعرض اللوحات ويكلف أحداً بشراء لوحة منها بثمن كبير كي يرفع سعر المجموعة لديه".

ويبدو الربح المادي الهدف الأول لتزوير اللوحات، لكن تبعاته كبيرة على الفنانين وسمعة أعمالهم، خاصة عندما يكون التزوير رديئاً.

ويضيف درويش: "التزوير يعطي صورة سيئة عن الفنان صاحب اللوحة الأصلية. واللوحة المزيفة بشكل رديء تعطي انطباعاً أن صاحبها الأصلي ذو مستوى جمالي متواضع".

ومن فظائع التزوير أن الراحل لؤي كيالي لم يرسم خلال حياته القصيرة سوى 300 لوحة تقريباً، بينما يبلغ عدد لوحاته المتداولة قرابة 1000 لوحة!.

ويقول درويش: "طور المزيفون أسلوبهم، وأصبحوا يرسمون لوحات جديدة بنفس أسلوب الفنان الأصلي ويعرضونها على أنها من أعماله ليتم بيعها بسعر مرتفع".

وتعاني القوانين العربية من ثغرة تعرقل ملاحقة مزوري اللوحات. وقد اضطرت المحاكم المصرية إلى قبول إحدى دعاوى التزوير تحت بند النصب والاحتيال، بعد أن اشتكى مشترو اللوحات المزورة إلى القضاء.

ويقول الفنان أكسم طلاع لـ"إرم نيوز": "المشكلة تكمن في صعوبة ملاحقة المزورين واكتشافهم، خاصة عندما يمارس المزور عمله في الخارج".

ويقول درويش: "طلبت منا إحدى المحاكم اللبنانية شهادة حول أعمال مزورة لفاتح المدرس بيعت لزبون لجأ إلى القضاء بعد اكتشافه حقيقة التزوير، وقد قدمنا شهادة خطية بأن اللوحات غير أصلية".

ويتضح من خلال القضايا المثارة في المحاكم العربية أن ملاحقة المزوّر لا تتم إلا بعد ادعاء المتضرر إلى القضاء، ويتم ذلك تحت بند البيع بالنصب والاحتيال وليس التزوير".

ويتحدث أصحاب المتاحف الشهيرة عن صعوبات تعرقل اكتشاف الأعمال المزورة، وتتعلق بتوفر المعدات والتحاليل الكيميائية الدقيقة والزمن الطويل الذي سيأخذه فحص كل لوحة.

في المدى المنظور، سيعاني التشكيل العربي كثيراً قبل الوصول إلى آلية قانونية ووعي أخلاقي يحد من تزوير الأعمال الفنية، وحتى يحدث ذلك، سيبقى تزوير اللوحات جريمة تفلت من العقاب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com