عبقري الموسيقى.. عاصي الرحباني بعد مائة عام على ميلاده

عبقري الموسيقى.. عاصي الرحباني بعد مائة عام على ميلاده

خلد عاصي الرحباني نفسه مع عباقرة الفن في العالم العربي، الذي قلّ أن جاء مثيله، متربعا على عرش الموسيقى، ونجح في الإفلات من أي شكل موسيقي كان سائدا في عصره، ورسم خطا متفردا مع "ثلاثية" شكلها مع شقيقه منصور وزوجته الفنانة فيروز، لم تشهد الموسيقى العربية مثلها مطلقا.

ويعدّ عاصي أبرز مؤسسي وروّاد الحركة الرومانسية الفنية في المشرق العربي، إذ حقق معجزة موسيقية في إحياء المسرح الغنائي بعد اندثاره، وفي بناء صرح موسيقي خاص ومتفرد، احتكره وحمل لواءه طوال ثلاثة عقود، وهو صوت نهاد وديع حداد "فيروز".

اشتهر الموسيقار والموزع والمؤلف والمخرج المسرحي، عاصي الرحباني، الذي جمع مواهب شاملة، وازن بينها بعبقرية، بصرامته وانضباطه العالي، الذي لم ينحرف عنه طوال عقود حياته، مقدما حالة فنية استثنائية، أطلق عليها اسم "الأخوين الرحباني"، استمرت بتعاون مخلص مع شقيقه منصور، دون أن يتمكن أحد من اقتحام هذه الخصوصية ونبش التفاصيل الفنية بينهما، ورغم أن معظم تفاصيل العمل تعود بشكل نهائي لعاصي، لكنه ظل وفيا لنسبة هذه الأعمال إلى "الأخوين الرحباني".

صارع عاصي الرحباني في ثورته الموسيقية المبتكرة، آنذاك، السائد في حصره، وحملت أعماله بصمة مغايرة، واعتمد في نصوصه وأفكاره، على العامية والفصحى معا، واختار كلمات وتراكيب، أسست لهوية خاصة لمشروعه.

تمكن عاصي، بوفاء وإخلاص كل من فيروز ومنصور لفنه وعمله، من الحفاظ على الشكل الفني الذي أبدعه، متدخلا بكل التفاصيل مهما كانت صغيرة أو عابرة، وقد حرص على عدم معارضته بشكل حاسم.

وتستذكر فيروز نفسها، في مقابلة نادرة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، طريقة عمل عاصي، حيث تقول: "عاصي كانت له الكلمة الأخيرة عند كل خلاف أو بعد كل نقاش"، مضيفة أنه كان يرفض تماما أي تواصل بينها وبين الجمهور، والعودة إلى المسرح بعد انتهاء فقرات الحفل، مبررا ذلك دائما أن "العمل وحده كفيل بالتعريف بنفسه".

ووصفت فيروز، عاصي الرحباني، بـ"القسوة"، معترفة أنها كانت "مستسلمة تماما لأوامره، لأنها آمنت دائما بأفكاره وقراراته".

وكذلك صرحت في لقاء آخر بأن عاصي "كان المؤلف في أغلب الأحيان، وكان المقرر في كل الأحيان، سلطته لا يتجرأ أحد على أن يعترضها".

صارع عاصي الرحباني في ثورته الموسيقية المبتكرة، آنذاك، السائد في حصره، وحملت أعماله بصمة مغايرة، واعتمد في نصوصه وأفكاره، على العامية والفصحى معا، واختار كلمات وتراكيب، أسست لهوية خاصة لمشروعه.

أخبار ذات صلة
أحدث ظهور للفنانة اللبنانية فيروز بصورة من ريما الرحباني

وغامر بأنماط غنائية مختلفة ومغايرة عن السائد، الذي هيمن عليه الفن المصري آنذاك، معتمدا على صوت "فيروز"، وتميزت عباراته الموسيقية بالبساطة والوضوح، بعيدا عن التعقيد والتركيب.

ومزج في ألحانه الموسيقى الشرقية، والكلاسيكية الغربية، المختلفة بالفلكلور اللبناني والتراتيل الكنسية.

وعُني الرحباني كثيرا بالتوزيع الموسيقي، الذي تميز فيه طوال القرن العشرين، حيث لم يكن يميل إلى ازدحام الآلات، ويميل إلى بساطة اللحن والتوزيع.

واختار شكلا موسيقيا مختلفا لفيروز عن "أم كلثوم"، فأقصى الارتجال الذي اعتمدته المطربة المصرية من صوت فيروز، إذ كان عليها أن تؤدي اللحن كما هو مدون فقط في النوتة الموسيقية، وبينما كان الشكل الغنائي آنذاك، يحضر فيه تمايل الجسد، فرض عاصي على فيروز الوقوف كتمثال شمع، وبزي شبه ثابت على المسرح، لا يتغير فيه سوى لونه.

ويظلّ عاصي الرحباني، الفنان الذي تمكن بجرأة وانضباط قلّ نظيره، سيد المسرح الغنائي، الذي قدم من خلاله أكثر من 20 مسرحية، حققت نجاحا جماهيريا ساحقا، وجعلته في قائمة عباقرة الموسيقى، الذين لن يتكرروا مطلقا.

مئة عام مرّت على ولادة عبقري الموسيقى، عاصي الرحباني، الذي ترجل باكرا ومصادفة في يوم عيد الموسيقى 21 حزيران عام 1986، بعد معاناته من تداعيات نزيف دماغي، ودفن في لبنان، البلد الذي أحبه وتشبث بجذوره، ورفض مغادرته حيا أو ميتا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com