هل أساءت مواقع التواصل الاجتماعي للشعر الحديث؟
هل أساءت مواقع التواصل الاجتماعي للشعر الحديث؟هل أساءت مواقع التواصل الاجتماعي للشعر الحديث؟

هل أساءت مواقع التواصل الاجتماعي للشعر الحديث؟

لطالما استمر الجدل حول قصيدة النثر، كونها انتزعت من القصيدة العمودية، خلال السنوات الأخيرة، مكانتها المرموقة في الوسط الثقافي العربي.

فمن النقاد من اعتبرها دخيلة على الثقافة العربية، ومنهم من اعتبرها نتاج تطور طبيعي للقصيدة العربية الكلاسيكية، بهيكلها المعتمد على الوزن والقافية، ومن ثم التفعيلة وحدها، وصولا إلى الشكل الحداثي.

وتتمثل في ذلك الشكل قصيدة نثرية، تعتمد على ضوابط معينة، مثل الموسيقى الداخلية للنص، والتكثيف اللغوي، والإيقاع الشعري الذي تمضي عليه الكلمات، والنهاية المدهشة، وعدم وجود الحشو النثري، وضوابط أخرى يكتسبها الشاعر بالتجريب والخبرات.

لكن وصول الشعر العربي لقصيدة النثر، فتح الباب أمام الكثير من المجربين، والهواة، معتقدين أن ما يقدمونه شعر، وهو لا يمتلك المعايير والحرفية التي تمنحه لقب قصيدة.

فالشعر لا يأتي بالتقليد أو الاقتباس، كما يعتقد أولئك، إنما يأتي بحالة شعورية متعمقة مبنية على دراية ومعرفة بطريقة خلق الكون والأشياء، وفهم التطور التاريخي للأشياء عبر الميثولوجيا.

ويقول الشاعر السوري أدونيس عن رؤيته لعلاقة الشعر بالإنسان والعالم: "ينبغي لنا تغيير العلاقات بين العالم وبين النص والشعراء والإبداع في جميع الميادين، والقصيدة ليست إنتاجا، التصنيع هو إنتاج، والإبداع هو الشعر، والشعر رحلة جوانية للبحث عن صورة أكثر إنسانية للعالم الذي يحيط بنا".



الشعر وعلم العروض

ولقرون طويلة بقيت القصيدة العمودية مترفعة صعبة المنال للكثيرين من هواة الكتابة، بما تمتلكه من وزن وقافية، وبما تخضع له من بحور العروض في بنائها، وهو ما جعل أمر كتابتها يحتاج إلى جهد كبير في تعلم البحور العروضية، كما يحتاج إلى تدريب للتمكن من دمج الجانب البلاغي للكلمات مع تركيبة البحر العروضي، والوصول أخيرا لقافية تعطي للنص الموسيقى الطربية.

لكن على الرغم من إلغاء هذا كله، وتحول القصيدة نحو النثر، اعتقد الكثيرون أن الأمر سهل، لكنهم لم يعلموا أن كتابة قصيدة النثر لربما تكون أكثر صعوبة، بما تحتويه من التفلّت والهلامية خلال الكتابة.

فالشاعر مطلوب منه صوغ نص مكثف محبوك ذي محتوى مدهش، ويقوم أيضا على التلميح والرمزية، دون أي نسق واضح يمضي عليه، كالوزن ويتم سماعه بالتصفيق بالكف في العروض التي تجعل من القصيدة مثل أغنية مسترسلة بعد انطلاق أول بيت عمودي.

فقصيدة النثر بمجرد انطلاق الشاعر في كتابتها، لا يعرف هو ذاته ما بعدها، فيمضي معها إلى المجهول، منسابا مع خيط الأفكار ومهتما بإيقاع وهمي داخل القصيدة، وهذا يبدو للهاوي سهلا، وللمحترف غاية في التعقيد.



مجاملات

وفي هذا الإقبال الشديد على الكتابة، واستسهالها، ظهر مع توغل التكنولوجيا لحياة المواطن العربي، فأصبح الكثير ممن يمتلكون صفحات على مواقع التواصل، يضعون كتابات تجريبية ليراها الأصدقاء، معتقدين أن هذه هي القصيدة.

ومع نيلهم الإشادة غير الواعية، والمبنية على المجاملات من الأصدقاء، اعتقدوا أنهم امتلكوا سر كتابة قصيدة النثر، لكن حين نخضع ما يكتبونه للأسس والمعايير المطلوبة للصياغة، فإن ما يكتبونه لا يتعدى كونه خاطرة يمكن لأي شخص كتابتها.

تنقية

وفي الماضي، وقبل انتشار صفحات التواصل الاجتماعي، كان الذي يكتب الشعر، يحتاج إلى وقت طويل من الاحتكاك بذوي الصنعة الشعرية، والنقاد، في الصالونات الأدبية الشهرية والتجمعات الشعرية والنقدية، حتى يبدأ بكتابة شعر التفعلية أو الشعر العمودي، وحتى يعتقد بأن ما يقدمه شعرًا كان بحاجة لإجماع الكثير من الشعراء، وهو ما كان يصنع تنقية للشاعر الحقيقي، ويمنع دخول الشاعر المزيف في مدار الكتابة.

ولهذا السياق، بالتأكيد، العديد من المساوئ، بما يفرضه من أبوية للشعر، وكأن الشاعر لابد أن ينطلق عبر إجماع الشعراء المكرسين عليه، لكن من جانب آخر، فهو يحمي كيان الشعر من تغلغل المجربين داخله، الذين لا يملكون أي دراية بقيمته أو قوانينه.



سرقة

وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتجعل الشعر القيم الموضوع على صفحات الشعراء المحترفين، مشاعًا للسرقة والتقليد، فيتم اقتباس الأفكار نفسها من قبل المجربين الهواة، وتتم إعادة صياغتها بشكل يسيء للمادة الأصلية.

ومن المعروف أن هذه المواقع لا تحمي القصيدة ولا تمنحها حقوق ملكية، فيصبح الشاعر المحترف بين نارين، من خوفه على سرقة أفكاره، وعدم قدرته عن الانقطاع عن متابعيه، من خلال النشر المستمر لقصائده، بعد أن بات تواجد الشاعر على هذه المواقع أمرًا ضروريًا كمواكبة للسياق الاجتماعي الحديث، ورغبة في انتشار أكبر.

الناقد

إن انكسار هيبة كتابة الشعر، واستسهال اللعب في هذا الإطار، خلق حالة من الفوضى على مواقع التواصل، حيث اختلط الجميل بالقبيح، والجيد بالمبتذل، وهو ما أعطى صورة سيئة للقارئ حول عموم المشهد الشعري العربي، فضعفت الحالة الشرائية في المعارض للمجموعات الشعرية، وفضّل الجمهور الرواية والمجموعات القصصية على الشعر.

وما يثير الاستغراب أيضًا، هو قبول الكثير من دور النشر العربية طباعة ونشر هذه النوعية من الكتابة المبتذلة، وتقديمها للقارئ على أنها مجموعة شعرية، وهذا يحتم على الناقد الأدبي أن يدلي بنقد واقعي حول هذه الكتابات، ويبرز كم المساوئ فيها، أو عدم قدرتها على الوصول للقب قصيدة، كما ويبرز التعديات والسرقات داخل النص، هذا كله يتحتم كونه دون مجاملات أو قراءات تقليدية منتشرة في المواقع والصحف العربية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com