هل خرجت الدراما التاريخية العربية من إطارها التقليدي؟

هل خرجت الدراما التاريخية العربية من إطارها التقليدي؟

يسلط إعلان مخرجين عرب عن تقديمهم أعمالا تاريخية في السباق الرمضاني المرتقب، الضوء على سبب أفول هذا النوع من الدراما وتراجعه في السنوات الأخيرة، وما إذا كان تغير الذائقة وكلفة الإنتاج الضخمة وضعف السيناريو أسباب تقف وراء فقدانه بريقه وجماهيريته.

وأعلن المخرج المصري طارق عريان، في تصريحات لوسائل إعلامية أخيرًا، عن مواصلته تصوير مسلسل "معاوية" في تونس، الذي تدور أحداثه حول ما يعرف بفترة "الفتنة الكبرى في أعقاب وفاة الخليفة عثمان بن عفان"، وحسب القائمين عليه سيكون المسلسل جاهزًا على قنوات "أم بي سي" ومنصة "شاهد" في رمضان 2023.

كما أعلن القائمون على المسلسل التاريخي المصري" الحشاشين" الذي يهتم بجماعة أثارت الرعب في فترة من الزمن مشاركتهم في دراما رمضان، وبالمثل أعلن القائمون على المسلسل التاريخي "ألف ليلة وليلة" وهو من إنتاج مصري أيضًا عن انضمامهم للسباق الرمضاني.

ويعتقد متابعون للشأن الثقافي أن تغير ذائقة الجمهور العربي الذي بات أكثر انفتاحًا على الدراما الأجنبية وخاصة التركية منها، يدفع القائمين على صناعة هذا النوع من المسلسلات على الخروج من جلبابها التقليدي بمحاكاة التجارب الأجنبية في هذا المجال، أملا في إعادة استقطاب الجمهور.

إرث الماضي

وتشير الكاتبة والصحفية التونسية حذامي خريف، في حديثها لـ "إرم نيوز" أنه "لأعوام طويلة كانت الدراما التاريخية تتربع قائمة الأعمال الدرامية الأكثر مشاهدة في الموسم الرمضاني، وحصلت على مدى أعوام متابعة جيدة، لكن بعد ذلك بدأ بريقها ينحسر مع تغير الذائقة وتطور الصورة الدرامية من جهة".

ولفتت خريف إلى "بقاء الدراما التاريخية العربية جامدة في طريقة طرحها للأعمال وتناولها للتاريخ وللشخصيات التاريخية بشكل يفرط أحيانًا في إسباغ هالة من القداسة عليها، كما كان هناك إلى حد كبير خلط بين الدراما التاريخية والدراما الدينية، فأغلب ما عرض كان مستمدًا من تاريخ إسلام، أما الأعمال التي تتحدث عن تاريخ بلد ما فكانت تحسب على الدراما الاجتماعية".

وحسب تقديرها "بدأت الدراما التاريخية/الدينية في الأعوام الأخيرة، تفرض مكانتها بين الأعمال الدرامية لكن من باب التجربة التركية المدبلجة عبر أعمال مثل قيامة أرطغرل والسلطان سليمان.

وكان للتقنيات المتطورة وجمالية الصورة وعنصر الإبهار دور رئيس في إخراج الدراما التاريخية من جلبابها التقليدي، هو ما حصل مع مسلسل الفاروق الذي أنتجته قناة أم بي سي سنة 2012".

ويرى صناع الدراما التاريخية أن إنتاج هذا النوع من الأعمال يتطلب ميزانيات مالية مكلفة وضخمة خاصة في مواجهة هيمنة السوق التركية التي نجحت في جذب الجمهور العربي.

وتعد المنافسة المفتوحة مع الدراما التاريخية التركية بمثابة مقامرة بالنسبة للمنتجين العرب أمام شكوكهم في قدرتهم على تحقيق الأرباح وتوزيع مثل هذه الأعمال التي لم تعد تستهوي المعلنين.

ويلاحظ المتابعون رواج الأعمال الشعبية والكوميدية أو تلك التي تركز على قضايا التطرف في السنوات الأخيرة، على حساب الأعمال التاريخية، في حين كانت هناك مساع لتعويض غياب الدراما التاريخية عبر السينما في مصر على سبيل المثال.

عزوف المشاهدين

ويقر علي عطا الصحفي والروائي المصري في حديثه لـ "إرم نيوز" "بتراجع إنتاج الدراما التاريخية في السينما والتلفزيون والمسرح من حيث الكم في السنوات الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه الحال في سنوات ماضية، لكن الحقيقة هي أن ذلك التراجع النسبي يرجع أساسًا إلى انحسار إقبال المشاهدين على هذه النوعية من الأعمال، باستثناء الجيد منها".

وأوضح أن" الجيد من الأعمال الدرامية التاريخية يحتاج إلى ميزانيات ضخمة مقارنة بالأنواع الأخرى من الدراما، سواء الاجتماعية منها، أو التشويقية، سواء جاءت في قالب كوميدي أو قالب تراجيدي.

وحاولت السينما المصرية تعويض هذا الفراغ في صناعة الدراما التاريخية، إذ يعتقد عطا " أنه من الأعمال التي تدخل في سياق الدراما التاريخية وحققت نجاحا ملحوظا في الفترة الأخيرة، فيلم "الكنز" وفيلم "كيرة والجن"، وفيلم "حرب كرموز".

ويلاحظ عطا" انتعاشا نسبيا في إنتاج الأعمال الأدبية العربية المتماسة مع التاريخ، ومنها مثلا روايتا "الأزبكية" و"الأنتكخانة" للكاتب ماصر عراق، وروايات "عزازيل" و"النبطي" و"حاكم" للكاتب يوسف زيدان.

ومع أنها" أعمال صالحة لتحويلها دراميا في السينما والتلفزيون والمسرح، مع ذلك لا ينتج منها دراميا إلا أقل القليل لأن ذلك يتطلب ميزانيات ضخمة، فضلا عن صعوبة الرهان على إمكانية أن يُقبل عليها الجمهور بشكل واسع، يعوض ما تم إنفاقه على إنتاجها، "حسب تعبيره.

وقادت كلفة الإنتاج إلى تغييب هذا النوع من الدراما خاصة الدراما التاريخية السورية التي شهدت نجاحا غير مسبوق مع أعمال مازالت عالقة في الذاكرة العربية، مثل "الزير سالم" أو"الحجاج بن يوسف" وغيرهما، غير أن الرهان على تلك الأعمال بدأ يتناقص بسبب الحرب الدائرة في البلاد.

وبسبب كلفتها الباهظة والتوجه نحو مسلسلات ترفيهية ودرامية قصيرة وجدت مساحتها الخاصة على المنصات، تضاعف شيئا فشيئا تواجد الدراما التاريخية.

واقع اقتصادي متأزم

ويقول الكاتب والصحفي التونسي صابر بن عامر، لـ"إرم نيوز" إن "كلفة إنتاج مسلسل تلفزيوني تاريخي بمواصفات تستجيب لمتطلبات العصر من مكياج وملابس ومعارك تبدو أقرب ما يكون إلى الواقع، باتت مكلفة جدًّا في الواقع العربي الاقتصادي المـتأزم، ناهيك عن تخلي بعض الدول الخليجية الداعمة لهذا التوجه، في ظل حضور المسلسلات القصيرة المعروضة على المنصات التي قطعت مع انفراد الموسم الرمضاني بالعرض".

كما إن "رحيل كتاب السيناريو الكبار زاد في خواء هذه النوعية من المسلسلات من الحِرفية والمراجع التاريخية المرجعية والحبكة الدرامية التي هي أساس كل عمل ناجح".

وأضاف "باتت تأتينا في غياب كل ما تقدّم أشبه بفانتازيا تاريخية أكثر منها دراما تاريخية مستندة إلى مرجعيات تاريخية مصادق ومتفق عليها، وهو ما نفَّر جمهور هذه الأعمال منها، وأسهم في تفريق الفرقاء أيديولوجيا وسياسيا ودينيا وسط تنامي التيار المتشدد، يمينا ويسارا على السواء، إثر ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي".

وعلى الرغم من الصعوبات المالية والتحديات التي تواجه الدراما التاريخية اليوم، إلا أنها تكافح لاستعادة حضورها وذلك لقيمتها الفنية وما تحظى به من مسؤولية في التعريف بالإرث الثقافي والحضاري العربي.

ويجمع المتابعون على أن صناعة هذا النوع من المسلسلات يتطلب معرفة دقيقة بالتاريخ والاستناد إلى التحري والدقة في نقل الرواية التاريخية حفاظًاعلى مصداقيتها أمام الجمهور، وقد تعرَّض العديد من الأعمال لانتقاد لاذع من الجمهور بسبب أخطاء في الإخراج وعدم ملاءمة الصورة مع الرواية المعروضة.

ويؤكد الشاعر المغربي صلاح الوديع لـ"إرم نيوز" أنه" ليس ترفًا أن نهتم بالدراما التاريخية بما أننا نعرض من خلالها تنوعنا الحضاري وهو في صالح الجميع، داعيًا" كتاب السيناريو والمخرجين إلى الانتباه أكثر إلى هذا المجال خاصة أن هناك دولا كثيرة سبقتنا في الاهتمام بها مثل تركيا وكوريا".

وقال: "الدراما التاريخية عنصر أساس في ملء حيز المشروع المؤمل تطويره تحت الفضاء الكوني والدولي بحيث تصبح الثقافة والدراما أداة ناعمة أو حقيقية من أجل بسط الحضور والنفوذ والهيمنة.. لذلك يجب إعطاء أهمية أكبر من أجل دعم هذا الإنتاج وخلق مقومات أكثر في هذا المجال باختيار موضوعات جريئة ومتجددة".

logo
إرم نيوز
www.eremnews.com