فيلم "لا تنظر للأعلى".. لامبالاة العالم في مواجهة نيزك مدمر
فيلم "لا تنظر للأعلى".. لامبالاة العالم في مواجهة نيزك مدمرفيلم "لا تنظر للأعلى".. لامبالاة العالم في مواجهة نيزك مدمر

فيلم "لا تنظر للأعلى".. لامبالاة العالم في مواجهة نيزك مدمر

يطرح الفيلم الأمريكي "لا تنظر للأعلى/Dont Look Up" الصادر مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، قضايا إشكالية عدة، ورسائل مباشرة عن سيطرة التوجه الشعبوي، وإسقاطات سياسية عن سيطرة الحكومات على الشعوب بطرق غير مباشرة.

وتدور أحداث العمل حول نيزك بحجم جبل إيفرست سيضرب الكرة الأرضية ويدمرها، إذ يكتشف ذلك كل من عالمي الفلك راندال، ويجسد دوره النجم ليونارد ديكابريو، وكاتي التي تلعب دورها النجمة جينفير لورانس.

ويسعى العالمان إلى تحذير الحكومة الأمريكية وعموم البشرية من الكارثة المقبلة، ليصطدما بلا مبالاة مفرطة، فلا أحد يدرك مدى خطورة الموضوع، ولا أحد يبدي اهتماما بتوقعات العلم.

ويقدم العمل كوميديا سوداء بقالب درامي ساخر ممتع عن مآل الكرة الأرضية المحتوم، وعن سيطرة التقنيات وتطورها الذي أصبح جزءا متأصلا في حياة الإنسان ليكون لها دور مفصلي في اتخاذ قراراته اليومية والمصيرية.

الوهم

ويسيطر الوهم على معظم الناس بالتقليل من حجم الخطر، فهم لا يعترفون بما هو ملموس أو محسوس تماما بالمعنى الحرفي للكلمة؛ فهل يصدق الناس كلام العلماء وذوي الاختصاص، أم الإعلام ووجوه المشاهير المألوفة؟

ويطرح الفيلم مشكلة الإجماع كمحور أساسي يستغله السياسيون الشعبويون بطريقة وحشية، حتى لو شكل ذلك خطرا مباشرا على النخب الحاكمة ذاتها؛ على غرار ما نشهده من إهمال عالمي لقضايا الخطر المباشر للاحترار العالمي.

وتبقى السياسة السائدة، التغاضي عن الحقائق مقابل تحقيق المكاسب المادية وتغول رأس المال، في تزاوج مقيت بين السلطة والشركات الكبرى العابرة للقارات.

وتتبع النخب الحاكمة إستراتيجية مراوغة، هدفها خلق رأي عام لا يكترث بالحقيقة الموضوعية، وديدنها إثارة الهستيريا الجماعية، التي تحول الشعوب إلى قطيع فاقد للبوصلة، وغير قادر على المحاكمة العقلية والتقييم السوي لأمور واضحة لا تشوبها الضبابية.

لعبة الإعلام

ويحاول الفيلم إيصال رسالة مفادها أن الإعلام اليوم يتحكم بكل شيء، إلى حد أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي باتوا يمتلكون الأدوات للتأثير على البشر، وتحويلهم إلى مجرد أتباع مسيرين، دون إلقاء بال إلى نظريات العلوم الحقيقية.

إسقاطات

وعمد المخرج إلى دمج الحقيقة بالخيال من خلال إسقاطات واقعية ورسائل تحاكي الوضع المرير، فالنخب الحاكمة والشركات الكبرى تسير الكوكب وفقا لسياسات مبهمة، تقف وراء جميع كوارث البشرية؛ من حروب ونقص في الموارد وخلق مشكلات مزمنة تؤثر على جميع الكائنات.

ونلاحظ ضمن الإسقاطات جشع الأغنياء وأصحاب السلطة ورغبتهم الدفينة باستغلال أي لحظة تسمح لهم بكسب عدد أكبر من الأموال.

وفي جانب آخر ربما يكون المقصد الإشارة إلى معاملة الحكومة الشعبوية لمواطنيها، وفرض الضرائب على أساسيات العيش الكريم، لتغدو حقوق المواطنين مجرد سلعة.

ويعكس الفيلم آراء المخرج آدم مكاي وقناعاته السياسية، التي صرح بها في أكثر من مناسبة؛ وتحديدا آراءه تجاه سياسة الحكومة الأمريكية منذ أكثر من 10 أعوام، ما تجسد في إخراجه لفيلم "The Big Short" الذي يدور حول قضية الأغنياء والفقراء والطبقات الاجتماعية، ولوم الطبقة الضعيفة الفقيرة والسوداء في كل كارثة تحصل ليكون اللاجئون الضعفاء هم أول المتهمين بجميع القضايا بصرف النظر عن محتواها.

سيناريو متين

وتميز السيناريو بمتانة الأفكار والترابط بين الأحداث ولكن ربما كان من الأفضل الاكتفاء بعدد قليل من الممثلين دون حشو عدد كبير من النجوم لغايات ترويجية، رغم أن أداء النجوم تناغم مع بساطة الشخصيات.

وسلط السيناريو الضوء على ما يدور داخل الغرف السرية لأكبر دول العالم، وسياستها التي تصب في إطار المصالح الشخصية دائما وبأي ثمن كان، فضلا عن عدم الشعور بأدنى مقومات المسؤولية تجاه الناس والخوف الدائم من انقلابهم إلى قوة ضاربة قد تطيح في أي لحظة بصناع القرار.

كوميديا سوداء

ورغم حضور الكوميديا السوداء، إلا أنها افتقرت للابتكار والتجديد، ناهيك عن وقوع الفيلم في مطب الإطالة وما تسببه من ملل دون غاية واضحة من توظيفها؛ على غرار مشهد الحفل الغنائي غير المبرر.

وفي جانب آخر، نجح الفيلم في توظيف المعلومات والرسائل العميقة عن طريق كوميديا لطيفة رغم تقليدية الفكرة، إلا أن الأفكار الجدية والإشارات تحولت لقالب من المزاح أو الأغاني، وفي هذه الحالة لم يبقَ متسع للانتقاد الحاد.

فساد

وتناول الفيلم فساد العلماء وانقسام الناس حول مصداقية كل عالم حسب شهرته وشعبيته في المحيط، فالقوة للشكل دون المضمون، وقد يتمكن صاحب القدرة على الإقناع في الانتصار على صاحب الحق لأنه يمتلك أدوات التواصل مع الناس.

وتطرق الفيلم إلى الإشارة نوعا ما بتشابه الشخصية النرجسية الرئيسة مع شخصية الرئيس الأمريكي الشعبوي واستغلاله مناصب الدولة وتوظيف الأقارب.

وهذا ما عمد المخرج إيصاله، واختيار ليوناردو ديكابريو لم يكن عبثيا لأنه ممثل الأمم المتحدة في تقلبات المناخ.

انقسام حاد

وتلقى الفيلم أصداء كبيرة وانقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض لانتشاره الكبير وتصدره محركات البحث واحتلاله المراكز الأولى في شباك التذاكر منذ الأيام الأولى لطرحه.

وعبر قسم عن إعجابه الشديد بالفيلم منذ اللقطات الأولى التي تمسك المشاهد من يده وتسحبه حتى النهاية، مع الحفاظ على وتيرة التشويق والترقب والحماس وعنصر المفاجأة.

وفي الوقت نفسه، عبر قسم آخر عن استيائهم من الضجة التي رصدها العمل وتصدره لمنصات التواصل وكثرة الآراء حوله والجدل الواسع، فضلا عن تقييمهم للعمل بأنه مجرد مضيعة للوقت دون هدف واضح.

ورغم جمالية الفيلم من حيث الشكل ومتعة متابعته والأداء اللافت للنجمة ميريل ستريب وعفوية ليوناردو ديكابريو، يبدو أن الفيلم بقي على السطح وطرح الفكرة بعمومية دول الغوص العميق في جذر الصراع الحقيقي، على عادة السينما الهوليودية.

تجدر الإشارة إلى أن المخرج آدم مكاي، هو من كتب سيناريو العمل، وشارك في بطولته كيت بلانشيت، وأريانا غراندي، وتيموثي شالاني.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com