السينمائي محمد ملص يروي سيرة رفيقه الزبيدي في "الحياة قصاصات على الجدار"
السينمائي محمد ملص يروي سيرة رفيقه الزبيدي في "الحياة قصاصات على الجدار"السينمائي محمد ملص يروي سيرة رفيقه الزبيدي في "الحياة قصاصات على الجدار"

السينمائي محمد ملص يروي سيرة رفيقه الزبيدي في "الحياة قصاصات على الجدار"

يسعى المخرج السينمائي السوري محمد ملص في كتابه "قيس الزبيدي ـــــ الحياة قصاصات على الجدار"، الصادر عن دار "هاشيت" أنطوان (بيروت 2019) إلى رسم "بورتريه" لزميله ورفيقه السينمائي العراقي قيس الزبيدي، مستندا في ذلك إلى تجارب شخصية خاضها، وأحاديث كثيرة جمعت بين الاسمين السينمائيين، مفتتحا الكتاب بمقولة للمخرج الروسي أندريه تاركوفسكي "كيف كان في وسعي أن أتخيل، حين كنت أحقق فيلم (نوستاجيا)، أن ذلك الشعور الخانق بالحنين، الذي يملأ فضاء الشاشة، سوف يصبح قدري بقية حياتي".

هذا القدر ذاته هو الذي قاد خُطى ملص والزبيدي في عالم الفن السابع، وجمع بينهما في تجارب مشتركة، ومتقاربة في الهواجس والهموم والأسئلة، ليأتي هذا الكتاب بمثابة وثيقة عمّا حدث ذات يوم، في تاريخ صناعة السينما العربيّة؛ لأن "مؤلّف هذا الكتاب وبطله بحّاران في سفينة واحدة"، رافقا كاميرا مشاغبة ومتمردة في أوطان تحكمها سلطة تبدأ بالرقيب وتنتهي به، وفق كلمة الناشر.

يستحضر ملص من خلال قيس الزبيدي، الأمس بشخوصه، وأحلامه، ومحاولاته، وانكساراته، ويستعيد المَشاهد التي جمعته بالزبيدي، واللقطات التي تعاونا فيها لإنجاز عمل مشترك، ولحظات الصفاء التي باح فيها قيس بهموم المهنة والأوطان وحكى فيها عن نفسه، خلف الكاميرا لا أمامها.

ويوضح ملص: بما أن ما قاله قيس أو رواه خلال أحاديثنا، وما تحاورنا حوله، كان "محكيا" كان لا بد لي من "تأديب" الكلام من الاستطراد والتكرار، ومن تداخل الأفكار والموضوعات سعيا للوصول إلى نص متناسق، ذي نكهة أدبية من دون خيانة للتاريخ أو للوثيقة.

ويبرهن الكتاب على هذا الحرص الذي يبديه ملص في الحديث عن رفيقه السينمائي، عبر لغة أدبية تتأرجح بين العمل الروائي والدراسة العلمية، فمن المعروف أن ملص الذي أجاد في صنع أفلام مثل "أحلام المدينة" و"الليل" وغيرهما، أجاد كذلك في مضمار الكتابة، إذ أنجز عدة مؤلفات منها "إعلانات عن مدينة كانت تعيش قبل الحرب"، و"المنام: مفكرة فيلم"، ومذاق البلح"، وغيرها.

وفي الحديث عن تجربة الزبيدي تتشعب المسارات على نحو يصعب معها اختزال نصف قرن من "الشغف السينمائي" في كتاب، ففي هذه التجربة الممتدة من ستينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، بقي الزبيدي وفيا للسينما، وأبحر في عالمها السحري ومدارسها الفنية المتنوعة، وراقب التحولات التي شهدها، متسلحا بالدراسة الأكاديمية، ومستأنسا بأسلافه السينمائيين الذين أسسوا لحسه السينمائي الخاص.

هذا الفضاء السينمائي الواسع والمتنوع هو ما يحاول ملص ضبط إيقاعه في كتابه الذي يتناول شخصية سينمائية قدمت إسهامات متنوعة، وهو ما يشير إليه الناقد الراحل سمير فريد الذي قال إن "الزبيدي سينمائي لا شبيه له في السينما العربية. فهو عراقي يعيش بين سوريا ولبنان وألمانيا، وأفلامه تتناول قضية العرب الأولى، فلسطين. وهو يجيد التصوير والمونتاج وكتابة السيناريو والإخراج، وهو من القلائل الذين يجيدون الكتابة النظرية والتطبيقية".

يستعيد ملص في كتابه جزءا من هذا الزخم السينمائي، مسلطا الضوء على فترة السبعينيات من القرن الماضي، والتفاؤل الذي صاحب إنشاء المؤسسة العامة للسينما في سوريا، وتصديها لإنتاج أفلام جادة برهنت على إسهامات جيل كان من بينهم ملص والزبيدي الذي أنجز في إطار مؤسسة السينما السورية عدة أفلام بينها فيلمه الروائي الطويل "اليازرلي" سنة 1974.

وأورد المخرج السوري في كتابه الصادر المحطات والهواجس في حياة صديقه قيس، إذ يدون ملص تفاصيل تلك السنوات بلغة مؤثرة عبر استرجاع فيض من الذكريات والحوارات والأحاديث والأحلام التي تحقق بعضها، فيما بقي بعضها حسرة في قلب سينمائيين آمنا بأن في مقدور السينما تغيير العالم، لكن قسوة الواقع كانت أكبر من الأحلام.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com