كيف يعمل القوس في القصة القصيرة؟

كيف يعمل القوس في القصة القصيرة؟

من الممكن تقبّل العشوائية في الأحداث التي تصادفنا في الحياة لبعض الوقت، لكن الإنسان، يبقى دائم البحث عن المعنى، ويحلل بشكل مستمر، اجتماع الفرضيات أو تفرقها، بهدف الوصول إلى نقطة، تجعل من الذهن أكثر إدراكاً للأمور.

دائماً تمضي المشاهد ضمن سياق ما، بحيث يتم في نهاية الأمر تركيب صورة تميل للوضوح، حول فكرة ما، أو مجموعة أفكار، هكذا انطلق حب الإنسان للقصة، بطريقتها وأسلوبها المعتمد على السرد الذي يمضي في إطار خطة مدروسة.

القوس هو سر المتعة داخل القصة، والإنسان دوماً يلاحق المتعة والغامض، ويبذل الكثير من مشاعره من أجل الوصول لفكرة ما داخلها

وخلال عملية السرد، يلاحق العقل والمشاعر خيط السرد، أينما تحرّك لأنه يعلم تماماً، أن في هذا الخيط، يختبئ المعنى الذي يلهث خلفه الذهن والمشاعر، كلٌّ بطريقته. 

إن الطريقة التي تتقافز من خلالها أحداث القصة، لا تأتي هكذا بعشوائية، بل تمشي الحكاية على طريق متعرّج، بهدف لفت انتباه العقل، وتعليقه بمسار السرد، عبر منحنى سردي يصعد تدريجياً، خلال الحدث الأولي للقصة، وهو ما يطلق عليه "قوس القصة". 

هذا القوس، هو سر المتعة داخل القصة، والإنسان دوماً يلاحق المتعة والغامض، ويبذل الكثير من مشاعره من أجل الوصول لفكرة ما، داخل القصة أو الرواية. 

حجر محرّك

في القصة هنالك ميزة، تجعل منها رائجة بين الناس، من خلال سرعة صعود قوس القصة، وتحقيقه قمة سردية، وذروة من المشاعر، يمكن ملامستها خلال السرد، وهو الأمر الذي يأخذ وقتاً أطول للتحقق في العمل الروائي. 

وتكمن أهمية القوس داخل القصة القصيرة في كونه الحجر المحرّك لشكل ومنحنى القصة الأخير، إذ إن الأحداث داخل القصة تمضي في خط مستقيم ممل، دون القوس. 

وهنا تتحقق هدفية السرد، من خلال القوس القصصي، فالأحداث داخل القصة ما هي إلا عربات متتابعة على الطريق، ودون خبرة القاص في تحريكها، بمهارة، صعوداً وهبوطاً، ووضع كفتيّ الميزان بينها، بحيث تتأرجح في ذهن القارئ، فإنه لا جدوى ولا قيمة، ولا هدف للسرد من الأصل.

يبدأ قوس القصة في العمل، بطريقة الحدث الغريب، ويمتد المنحنى ليكمل سيره مخبراً بالسر الذي يحمله الكاتب حول النقطة الأخيرة في السرد

الحدث الغريب

من خلال هذا التحريك، تتفعّل المشاعر الإنسانية، بحيث يشتعل توتر الجسد، ويزيد انتباه الذهن لحدث ما، مثلما رسم الكاتب السعودي عبدالله ناصر شكل الحي السكني، كله بنفس الهيئة والتركيب، في وصفه مشهد البدء، في قصة "متواليات"، بحيث يتوه الإنسان بين بيته وبيت الآخر، هنا يمكن ملاحظة فكرة المتاهة المرتقبة للحدث السردي الذي يريده الكاتب، ويمكن توقع المزيد من الرسومات الذهنية حول المتاهة.

وبمجرد تخيّل هذا المشهد المحيّر، يبدأ قوس القصة في العمل، بطريقة الحدث الغريب، ويمتد المنحنى ليكمل سيره مخبراً بالسر الذي يحمله الكاتب حول النقطة الأخيرة في السرد.

النقطة التي ينكشف بعدها معنى وهدف القصة بالأكمل، وخلال هذا المشوار، يكون على القارئ، الإمساك بتقلّب الحدث، وكأنه طوق نجاة، هو الذي يحقق للذهن شغفه في الوصول لمعنى من القصة، هذا هو القوس القصصي، خيط بلا لون، يلمع داخل القصة. 

وفي قصة "متواليات"، يعرف ناصر كيف يرسم المشاهد التي تخدم هدف القوس، لإيصال الذهن إلى الطريقة المكررة والرتيبة التي تمضي بها الأشياء، وتجعل من أنماط حياة الناس في عصر واحد، مجرد صور مكررة، لا يمكن التمييز بينها.

يكتب القاص: "يعيش في فيلا تشبه فيلا جاره، وفيلا جاره تشبه تماماً الفيلا المجاورة لها، والفلل الثلاث تشبه تماماً فيلا الجار الرابع، والخامس والسادس، حتى نهاية الشارع.. لو عاد في ساعة متأخرة من الليل، مرهقاً أو ثملاً، ولم ينتبه إلى أرقام الفلل، لربما خلط بين بيته وبيت جاره، أو أي جار آخر".

يبدو القوس أكثر إثارة، حال اعتمد الكاتب بالتوازي مع صعوده أو هبوطه، فكرة الصراع بين القيم، كالموت والحياة، والخير والشر، والخيال والواقع

تغير حركة السرد

وحتى يتحقق قوس القصة، لا بد أن يكون المشهد التالي لمشهد البدء، يحمل اختلافاً، ويعزز ذلك عبر تغير الحركة داخل السرد، من خلال تغير مكان الشخصية، أو فكرها، أو تغير الحدث ذاته، نحو الصعود أو الهبوط، فالإنسان دوماً، داخل القصة، يبحث عن العمل العكسي، العمل المختلف عن السائد، أو المختلف عن مشهد البدء. 

التواء

وتكون ذروة ارتفاع القوس أو صعوده، في تلك اللحظة التي يضع من خلالها الكاتب الالتواء الأكبر لأفكاره، كما وضع الكاتب الإنجليزي "لويس كارول" مشهد سقوط القط في البحيرة، في القصة الشهيرة "أليس في بلاد العجائب" والتي شغلت مشاعر وأفكار الأجيال فيما بعد، والبحيرة في هذه القصة هي نمط الحفرة الذي يجعله الكاتب وسيلة لإثارة الجمهور، حتى نهاية السرد. 

الصراع

فيما قد تشهد الحركة داخل السرد الصعود والهبوط ثم الصعود مرة أخرى، وفي هذه الحالة، يعتبر اعتصار المشاعر، من أهم أدوات الكاتب، ويكون عليه أن يضع نهاية سعيدة بعد هذا التقافز مع المشاعر، كما حدث في قصة سندريلا، فكان الصعود والهبوط يتطلب قفزة أخيرة، مع نهاية تحمل المعنى الجميل للحياة، وكيف أن الحلم ممكن أن يصل بالإنسان إلى غايته أخيراً، مهما حاول الظالم أن يغلق أبواب السعادة.

يبدو القوس أكثر إثارة، حال اعتمد الكاتب بالتوازي مع صعوده أو هبوطه، فكرة الصراع بين القيم، كالموت والحياة، والخير والشر، والخيال والواقع، وهذا التصارع، يبلغ أشدّه في لحظة ما، يرد من خلالها الكاتب، تجميع الأطراف السائبة في القصة، للوصول إلى عمق الفكرة التي حاول العمل عليها خلال سرده. 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com