الكاتب العربي والثورة الرقمية.. نهاية عصر النجومية
الكاتب العربي والثورة الرقمية.. نهاية عصر النجوميةالكاتب العربي والثورة الرقمية.. نهاية عصر النجومية

الكاتب العربي والثورة الرقمية.. نهاية عصر النجومية

كانت شعبية الشاعر أو الكاتب العربي، في الماضي القريب، تتحدد من خلال الفعاليات الميدانية التي كانت تنظم له في بلاده أو إحدى العواصم العربية، أو من خلال الاهتمام الجماهيري بأي مقابلة إذاعية أو تلفزيونية تقام معه.

وبقيت المبيعات التي يحققها الكاتب العربي من الأسرار التي يحتفظ بها الناشر، حتى الكاتب ذاته لا يعلم بها.

ففي ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان الشاعران الراحلان، الفلسطيني محمود درويش والسوري نزار قباني، يقيمان أمسية في بيروت أو اليمن أو مصر أو سوريا، كانت القاعة المحتوية للأمسية تكتظ بالجماهير المتلهفة للاستماع للنجمين الشهيرين؛ نظرا للغياب الطويل عن الأعين، وقلة المقابلات التلفزيونية لكليهما، فنجد الالتفاف الجماهيري لأي مناسبة يتواجدان فيها، في قمته، وكان يصل عدد الحضور لعدة آلاف.

المساحة الرقمية

أما اليوم، فتقاس جماهيرية الكاتب العربي حسبما يحققه من متابعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وما يحصل عليه من إعجابات على هذه المنصات.

ففي العصر الرقمي، صار لزاما على الكاتب أن ينشئ حسابات على هذه المواقع التي صارت من أبرز البؤر التي يلتف حولها الناس.

وتحولت هذه المنصات لأماكن لنشر القصائد الجديدة، أو مقتطفات منها للشعراء، وكذلك أماكن لعرض الفقرات من الروايات لمعظم الروائيين العرب كنوع من التسويق للعمل.

كما تستخدم هذه المساحة الرقمية للإعلان عن الكتب الجديدة للكاتب، بل واستشارة المبدعين للجمهور حول عناوين المجموعات الشعرية الجديدة والروايات، وتصاميم الأغلفة.

وصار الكاتب يتلقى التهاني والتبريكات على إصداره الجديد، من قبل متابعيه وأصدقائه، بمجرد الإعلان عن صدور كتابه.

شهرة رقمية

هذا جانب من مميزات هذه المواقع، أنها حققت الشهرة الرقمية للكاتب العربي، وزادت عدد متابعيه من دول أخرى، من شتى بقاع العالم.

لكن هذه الحالة المكررة من الاحتكاك الرقمي، قصرت تواجد الكاتب في مكان لا يبدو حقيقيا، حيث إن للميدان رأي آخر، فنجد أن الكاتب يحشد المعجبين والمعجبات من مناطق على الأغلب بعيدة جغرافيا عن مكان سكنه، وحين ينزل للميدان لتوقيع مجموعة شعرية أو رواية، يتفاجأ بعدد حضور أقل من المتوقع، ولربما لا يتجاوز العشرين شخصا، فأين ذهب المئات الذين يتابعونه على المواقع الرقمية؟

وهم

هذه المسوغات حققت حالة جديدة من الانتشار للكاتب العربي، أقرب ما تكون للوهمية، حيث إن الانتشار الرقمي، يتم التعبير عنه باللايك والمشاعر الرقمية المختلفة، وهي في الأساس لا تعبر عن الاهتمام الحقيقي من المتابع.

لربما يتداخل في ذلك فكرة اللايك مقابل اللايك، فمعظم المتابعين للكاتب على مواقع التواصل الاجتماعي، يتابعون لاهتمام مستقبلي باحتراف الكتابة، ومن الغريب في الواقع الحداثي، الناجم عن الثورة الرقمية، أن معظم القارئين العرب يطمحون لامتهان الكتابة.

إذًا، ترتبط معادلة اللايك لدى الكاتب بالمعاملة بالمثل، وإلا.. هذا ما يعني أن هذه المنصات حققت اكتفاءً خادعا للكاتب، وجعلته منتشيا بعدد اللايكات والمتابعات، لكنه في الواقع يجد المعاكس تماما.

فراغ

هذا التحول في سياق جماهيرية الكاتب العربي، جعل من نجوميته أشبه ببالون هواء، ينفجر بكل سهولة، فيجد ما بداخله فراغا.

ولم تعد هذه النجومية تقارن بما ناله محمود درويش وأحمد مطر وأنسي الحاج ونزار قباني وأدونيس وغيرهم من المبدعين العرب.

وهو ما جعل كلمة الكاتب المعاصر تتضاءل في السياق الاجتماعي والسياسي، بعكس ما كان في الماضي، فدرويش قاد قضية الشعب الفلسطيني الفكرية، ونجح في حشد ملايين الجماهير في الوطن العربي والعالم، إذ حققت مبيعات كتبه المليون، وترجم شعره إلى 22 لغة، واعتبر شاعر الثورة الفلسطينية.

وكذلك نجح نزار قباني في الوصول لجماهيرية عريضة من خلال شعره النابض ومواقفه السياسية اللافتة، ومناصرته للمرأة، كما كان لأحمد مطر ومظفر النواب، مواقف سياسية بارزة، جعلت من شهرتهم أكثر اتساعا.. وهنا يبرز سؤال، لو تواجد محمود درويش في العصر الرقمي، فهل كان سينال شعبيته تلك؟

عزلة

الفارق في هذا المدار، يتعلق بنمط سلوكي معاصر يدفع المرء نحو العزلة، فالشاعر في عصر الفيسبوك، اعتاد على اكتساب مشاعره الإيجابية من تعليقات المتابعين والأصدقاء، وصار لا يكترث بإشكاليات الواقع، وظهرت في الجيل المعاصر للفن والأدب نزعة الذاتية والتفردية، حيث أصبح الإنسان يبحث في ذاته ويناقش إشكاليات أكبر من إشكاليات المجتمع، ألا وهي فوضاه الداخلية.

وفي ظل ديمقراطية فكرية متحققة على مواقع التواصل الاجتماعي، صار لكل فرد الحق في كتابة رأيه كما يشاء، وهذا أعفى الكاتب من مسؤولية قيادة الجماهير نحو موقف اجتماعي، أو مطلب سياسي، كما كان في السابق، فماركس استطاع قيادة الجماهير للثورة ضد البرجوازيين في روسيا وأوروبا.

وبات الكاتب ذاته مقتنعا بأن رأيه مجرد رأي من بين الملايين المتواجدة على المنصات الرقمية الفاعلة، فحين يغضب القلة لحدث ما، لا يمكن للكاتب أن يجعل هذا العدد مضاعفا، فرأيه مجرد رقم واحد لا أكثر.

وفي هذا يقول عالم الاجتماع إيميل دوركايم: "الغضب العام وحده، هو الذي يجدي نفعا"، فلم يعد الهاجس الاجتماعي والتغيير من أولويات شعراء وكتاب اليوم، بقدر تمرير التجربة الذاتية، وهو توجه عالمي جمعي نحو المعرفة.

ومما غيرته مواقع التواصل الاجتماعي، إنقاص هيبة الكاتب السابقة، حيث صار الاحتكاك الرقمي بين الكاتب ومتابعيه، أمرا اعتياديا، أزال الحواجز بين المتابع المتلهف للجمال الكامن في روح الكاتب؛ نظرا للاحتكاك شبه اليومي، ولربما يدخل لصندوق الرسائل ويتبادل الحديث معه، وهو ما كان غير متاح في الماضي.

فكانت إحداهن لربما تصاب بالإغماء لمجرد أن رأت نزار قباني عن قرب أو سلمت عليه، وبالتالي يفتقر الكاتب المعاصر لكافة الأسباب التي جعلت من الكاتب في الماضي نجما، يمتلك الكلمة المؤثرة، وعليه تحول رأي الكاتب العربي إلى مجرد رقم بين ملايين الآراء.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com