أدب "الشباب العُماني".. من الظل إلى العالمية
أدب "الشباب العُماني".. من الظل إلى العالميةأدب "الشباب العُماني".. من الظل إلى العالمية

أدب "الشباب العُماني".. من الظل إلى العالمية

شهد الأدب العُماني، خلال السنوات القليلة الماضية، نقلة نوعية خرجت به من الظل وحدوده المكانية إلى العالمية.

وأزاح هذا الأدب الستار عن إبداع شباب هذا البلد العريق الذي كان يُوصف أدبه من قبل أدباء ونقاد بالأدب "الخجول" أو "غير المرئي"، رغم ثراء هذا البلد وغناه ثقافياً منذ عشرات السنين.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي برزت أسماء أثرت الأدب العماني محلياً بمختلف مجالاته، لتتوالى الإصدارات الأدبية في مجال الشعر والنثر والقصص القصيرة والروايات.

وبالرغم من قصر عمرها نسبياً، تمكنت الإصدارات من المنافسة في مسابقات أدبية عربية، واستطاع أدباء عمانيون خلال العقدين الماضيين حصد جوائز عربية.

ولم تقف عجلة التطور الأدبي في عمان عند الحدود العربية، حيث تمكَن الأدب الحديث من الوصول إلى العالمية وتحديداً عام 2019، برواية "سيدات القمر" للروائية جوخة الحارثي، التي فازت بجائزة "مان بوكر العالمية" عن الترجمة الإنكليزية لهذه الرواية، لتكون أول شخصية عربية تفوز بهذه الجائزة.

وتناولت "سيدات القمر" الصادرة عام 2010، والتي تدور أحداثها حول ثلاث شقيقات في إحدى قرى عمان، التحولات التي شهدها المجتمع العماني على أجيال متعاقبة، رصدت فيها الكاتبة أحداثاً سياسية واجتماعية مختلفة نتج عنها تحولات في الأسرة العمانية، لا سيما ما يتعلق منها بحياة المرأة.

ولم تمنع خصوصية الرواية ومحليتها من تحولها إلى قصة عالمية وترجمتها إلى عدة لغات، لتفوز مجدداً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بجائزة "الأدب العربي" من معهد العالم العربي في باريس عن الترجمة الفرنسية لهذه الرواية التي استطاعت من خلالها الكاتبة ملامسة جوهر الإنسان أياً كانت ثقافته، معتبرةً في أحد لقاءاتها الصحفية "أن الأدب هو جسر العبور الروحي بين الشعوب".

وفي خطوة أخرى نحو العالمية من شأنها تسليط الضوء على هذا الأدب، أصدرت مجلة "بانيبال الإسبانية" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ملفا عن الأدب العماني الحديث، نُشرت فيه أعمال أدبية مترجمة لنحو عشرين أديباً وأديبة من عمان، وتنوعت هذه الأعمال بين الشعر والقصص والروايات.

تأخر الالتفات العالمي

ويعزو أدباء السلطنة تأخر الالتفات العالمي لأدبهم لعدة أسباب، حيث تعتقد الشاعرة والروائية بدرية البدري "أن غياب العمل الإعلامي الجاد والمنظم أحد أسباب تأخير الالتفات لهذا الأدب وتصديره والتسويق له خارجياً وداخلياً كذلك، إضافة إلى ضعف حركة الترجمة التي أثَرت على عالمية هذا الأدب، وأبقته حبيساً لمحيطه المحلي والعربي إلا من استثناءات بسيطة لبعض الأعمال".

وتقول البدري الحائزة على عدة جوائز محلية وخليجية في مجال الشعر والرواية، في حديث لـ "إرم نيوز": "إن حداثة بعض صنوف الأدب في السلطنة كالرواية مثلاً كانت سببا لغيابها عن المشهد الروائي العربي، حيث إن عمان لم تُصدِّر أسماء بارزة وتجارب مؤثرة في مجال الرواية، وكذلك في الشعر، بحسب وجهة نظرها، رغم انتشار بعض الأسماء إقليميا".

وتصف البدري التي توجت في خريف 2021 بالمركز الأول في جائزة "كتارا لشاعر الرسول" في قطر، وهي أول امرأة تفوز بلقب شاعر الرسول، فوز رواية "سيدات القمر" بجائزة عالمية "بأنه أشبه بمصباح سحري خرج مارده ليحقق ما كان يحلم به الأدباء في السلطنة بوصول إنجازاتهم إلى العالمية، رغم أن الفترة الفاصلة بين إصدار الرواية ووصولها إلى العالمية طويلة، حيث إنها لم تأخذ حقها بشكل كافٍ عربياً ومحلياً وانتظرت قرابة 10 أعوام للالتفات إليها".

وترى الأديبة بشرى خلفان "أن الأدب العماني في الوقت الحالي لم يعد أدباً غائباً أو غير معروف كما كان سابقاً، إلا أنها تعتقد أن أدباء السلطنة لا يجيدون أو ربما لا يؤمنون بالآلة الإعلامية التي تقف وراء الإشهار، أي أنهم لا يعترفون بدور آلة العلاقات العامة كوسيلة داعمة لانتشار أعمالهم، ويكتفون بقدرة الكتابة الجيدة على الترويج لنفسها وحفر مكانتها وسط آداب العالم".

أهمية الجوائز في وصول الأدب للعالمية

وحول أهمية الجوائز في تسليط الضوء على أدب الشباب العماني، تقول بشرى خلفان في حديث خاص لها مع "إرم نيوز": "إن هذه الجوائز لا علاقة لها بوصول الأدب إلى العالمية إلا من حيث كونها وسيلة لإشهار من حازها، وإعطائه ثقلا اعتباريا".

وتضيف خلفان، وهي كاتبة وروائية وشاعرة لها العديد من المؤلفات منها روايتا (دلشاد) و (الباغ)، "أن وصول الأدب العماني للعالمية يقف وراءه تاريخ طويل من التحولات والتراكمات، وتاريخ من الكتابة أنضجتها سنوات من العزلة والتواري عن الضوء.  وحان الآن موعد خروجه للعالم".

وتشبه الكاتبة العمانية الأدب بالفاكهة، بقولها "إن الأدب مثل الفاكهة متى ما نضج فعلاً وبدأ بإفراز رائحة نضجه استثار الشهية واستدعى الاكتشاف".

وسردت الكاتبة خلفان عدة أسماء لأدباء وأديبات من الجيل الشاب الذين تصدر المشهد الأدبي في عمان، ومنهم الشاعر جمال الملا والشاعرة شميسة النعماني والشاعرة فتحية الصقري والروائية هدى حمد والروائي محمد العجمي وغيرهم كثر، قالت "إنهم لا ينتجون أدباً جيداً فقط، وإنما يتنافسون ويفوزون بجوائز عربية".

وتؤكد خلفان "أن حب العمانيين للأدب وعملهم الدؤوب على تجويد كتابتهم جذبا الانتباه إليهم في الوقت الحالي، إلا أن الموضوع يحتاج بعض الوقت حتى يعتادوا الضوء".

تحديات تواجه الأدب العماني

وتشير الأديبة بدرية البدري إلى عدة تحديات تواجه الأدب العماني وفق وجهة نظرها، ومنها "غياب المترجمين المتخصصين الذي يعد عاملا مؤثرا على ضعف تصدير الأدب العماني للآخر وخروجه من نطاقه المحلي والإقليمي إلى العالم".

ومن هذه التحديات كذلك "غياب النقد الحقيقي البناء، الذي يسهم بغربلة التجارب، ويسهم في تقدم ونضج ما يقدم من أدب، حيث ترى أن المشهد النقدي في عمان متأخر بشكل كبير عن الحركة الأدبية".

وتقول البدري "إن الأدب العماني بحاجة إلى مؤسسات تعمل بطريقة جيدة وصحيحة، وبنهج واضح يتناسب مع التطور الطبيعي الذي مر به الأدب في بلادها، فغياب دور النشر المتخصصة في عمان يمثل تحديا لبعض الأدباء، لذلك يلجأ أغلبهم إلى دور نشر خارج عمان لنشر أعمالهم، وغالبا لا يتم تسويق هذه الأعمال بشكل جيد حتى داخل عمان نفسها بسبب غياب المكتبات العامة، وكذلك عدم اهتمام دور النشر بالتسويق عبر منافذ البيع، فهي تكتفي دائما بالمشاركات في معارض الكتاب، وهذا يؤثر على تسويق المنتج الأدبي".

وعُرفت السلطنة باهتمامها بالحركة الثقافية منذ أكثر من 5 عقود، تجسَد ذلك بإنشاء مجلات ثقافية منها مجلة "الغدير" التي صدرت لأول مرة نهاية السبعينيات، ومجلة "نزوى" التي صدرت في منتصف التسعينيات، بالإضافة إلى إنشاء نواد ثقافية وأدبية وإقامة فعاليات ومعارض منها معرض مسقط الدولي للكتاب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com