"حواءات التفاح".. مجموعة شعرية تتنقل بين حالات الإنسان المختلفة
"حواءات التفاح".. مجموعة شعرية تتنقل بين حالات الإنسان المختلفة"حواءات التفاح".. مجموعة شعرية تتنقل بين حالات الإنسان المختلفة

"حواءات التفاح".. مجموعة شعرية تتنقل بين حالات الإنسان المختلفة

تدمج الشاعرة السورية لمى الحسنية بين الطبيعة والإنسان، ومسارات الحياة المتنوعة، مستعيدة أصول الأشياء وتاريخها، عبر استهدافها الحب والحرب وحركة الطبيعة وتعريتها الأشياء، وتدمج الأصوات والإيقاعات والأصداء، مستنبطة من ذلك العديد من المفاهيم الإنسانية والشعورية، في مجموعتها الشعرية الأولى "حواءات التفاح" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب2021.

ففي مجموعتها توغل الشاعرة في تفنيد الحالات المختلفة للإنسان مع الحب والحرب والخواء والضعف، وتقلباته المختلفة مع الخضوع لمسارات الحياة المختلفة، وعلى النقيض، تتجلى في النصوص لحظات التحدي والشموخ، بشكل فردي أو جماعي.

وتكتب عن تكرار الأشياء ورتابة الحياة، وملل الإنسان من المرور بنفس المربعات، وكأنما جميعها مربع أول. وتفند المجموعة إحساس الانتظار المرير، ولحظة الصراع العصبي للإنسان مع تباطؤ الوقت.

وفي جزء كبير من المجموعة، تنقب الحسنية عن التفاني في الحب، حاملة الرموز الدالة عليه، وتحقق هذا البعد الفني بأفكار لافتة، يصفها العاشقون بالجنون، وهنا يأتي دور الشعر في جعل المعنى أكثر اتساعا وفيضانا. فالورد عند الشاعرة جسد قديم متهالك، يشوبه السواد والتحلل، وصورته الحالية هي المآل الذي تؤول إليه كافة الأشياء.

جثة تحمل قصة الحياة برمتها، وتلخص العلاقات، "أحب أن أهديك جثث الورود". كأنها في هذا الإطار تربط الحب بالنهايات المؤلمة، حيث تذوي الأشياء مجراه الخطير. وبلهجة استنكار ترمي برسالات لشريك العلاقة، مظهرة صوت الألم دون صراخ، بعبارات الشعر المختزلة حيث تكتب: "استعذب موتًا رقيقًا على راحتيك". مجسدة في هذه الصورة نهاية المحارب الحزينة.

وفي أجزاء المجموعة الأخرى  تتنقل القصائد بين حالات المرء المختلفة مع قطار الحياة السريع، متناولة الوحدة والعزلة والخوف والألم والحزن والصراع الوجودي مع الأفكار، وتغيرات الجسد، كما تبحث الشاعرة عن  أصول سوريا التاريخية، وتقارن بحزن بين حال الماضي وحالها الراهن مع الحروب والتنازع.

تجريب

من الجلي تواجد التجريب الشاعري في النصوص من خلال أفكار حالمة من ماضي الطفولة والذاكرة. وبرزت رغبة الشاعرة الدائمة في إعادة الأحداث إلى بداياتها دومًا، كنوع من البحث عن أصولها، وقدمت الشاعرة قصائدها بلغة متنوعة ما بين التخصيص في المشاعر للذات الواحدة، وما بين التعميم "العاطفة الجمعية" في إطار اشتباك الشعر مع الواقع عبر جمل بعضها يحمل تكثيفًا شعريًا، وجمل أخرى تشوبها الإطالة والحشو، والاسترسال في الوصف.

وتبدو اللحظات الشعرية المتنوعة للمجموعة متقافزة ما بين الواقع والخيال، لكن ما يجمع هذين المتناقضين، لحظات الألم المختلفة التي عبرت عنها القصائد في 117صفحة من القطع المتوسط.

وعبر التقاطاتها الشعرية، تبحث الحسنية عن المعنى المتواري خلف الأشياء وإلى جانبها، إذ تعمل على إشراك الهوامش في النص، وهو لب قصيدة النثر في التخييل والتجديد بالصور، ورسم المشاهد، فهي تعرف أن الجسد سر من أسرار الحياة، حتى ما يلتصق، وما ينبثق عنه، فإنه يورد المعنى للعالم، لذا تلقي الشاعرة ببؤرة عينها نحو الظل الملاصق للجسد، وفي هذا رمزية حول الخفاء الذي يحمله، والعمل على تكعيبه، كأي شيء يسند عليه الجسد في الحياة.

إذ تكتب الشاعرة في نص "كنت أحلم ان أصبح ظلك":

"أقصى أماني الظلال معانقة أصحابها،

كنت أحلم أن أصبح ظلك،

ظلًا يتبعك بخفة ملاك حارس،

ظلًا منبسطًا على امتداد روحك،

يلملم ذيول الخيبة خلفك".

ملحمة

وفي مشهد ملحمي تصف الشاعرة رحلة الأصابع في ملامسة الأشياء واكتشافها، وفي صنع الجمال لحظة التعرف على  الجسد الآخر.

فتقدم قصيدة "بين جبلين متقابلين" مشاهد سينمائية دقيقة التنقل والوصف لحدث حميمي يدور مع الجسد البشري، رموزه الشعرية متعددة، فتكون تارة الغابة بشجرها وارتفاعاتها وانخفاضاتها، وتكون تارة أخرى التاريخ من خلال جسد المسيح المصلوب، ومرة ثالثة تكون الفردوس بنعيمها.

ويتجلى في هذا النص شكل "فريم" الكاميرا، وهو يدور ليلتقط المشاهد الفارقة، التي تدلل على تغير الحالة، وانتقال الرحلة مع الجسد لمرحلة أخرى، إذ تأتي كلمة الأصابع بين المشاهد في كل مرة بوصف جديد، وكأنها مثلت مؤشر اللقطة التالية، "الكلاكيت" لينضج مسار النص أكثر فأكثر.

فخلال القصيدة وردت كلمة الأصابع عدة مرات وفي كل مرة حملت وصفًا مختلفًا، "تتراقص الأصابع.. تتفرق الأصابع.. تشكل الأصابع طوقًا.. تحتشد الأصابع.. تتجمد الأصابع.. تتحسس الأصابع.. تختفي الأصابع".

من النص:

"مشهد يخطف أنفاس البنان،

وتقشعر له اليدان،

يعصف بلبّ غض

وفؤاد صبٍّ.

يتصاعد تواتر الزحف،

يشتد الضغط،

تتحسس الأصابع

الغضاضة والندى المنبعث،

من مولج الكهف المستعر،

يتجلى النور من غياهب كهوف جداتنا السحيقة،

كما لو تجلى يسوع

من أعماق الأرض،

لا من أعالي الجبال،

فيشع الوجه بدرًا،

والصدر قمرين".

نقد اجتماعي

أما في نص "أنا بركان" فتتضح روح المرأة في دفاعها عن ذاتها، وتمكين وجودها الاجتماعي. وتعبر الحسنية عن صوتها الأنثوي العريض، متحدية كافة المسوغات حولها، منتقدة الحروب والفساد والتفرد بالقرار والصوت الواحد وافتقار المرأة للهوية في المجتمع العربي، وتعبر في هذا النص عن خصوصية ذاتية ببدأ النص بكلمة أنا، وتكرارها كثيمة لغوية في مقدمة المقاطع الشعرية وما تلاها، فتحولت هذه الأنا بؤرة، تنبع منها المعاني.

تكتب الشاعرة، "أنا بركان خامد وسط غابات حروب ملتهبة،

أنا بركان صامد،

وسط تلال مدن متشابهة،

أنا بركان راكد،

وسط مستنقعات الفساد،

أنا بركان فاقد،

وسط صحراء الهوية...".

وفي نص "لن يدركوا أنك عصية"، تسحب الشاعرة اللاصق الفيلمي الأسود، "النيجاتف" لتعود بتاريخ سوريا لبدايته، مسترجعة الصور الحية من الذاكرة السورية، لتضع التاريخ الشامخ أمام أعين الجميع، ولتعيد التذكير بالماضي الحافل بالتحديات، كنوع من التأكيد على أن هذه البلاد لن تسقط أو تفنى.

فتظهر في النص معالم سوريا القديمة بتشبيهات مسترسلة للشاعرة لوطنها بأنه "إلهة آشورية، عصفورة فينيقية، أبجدية أوغاريتية، منحوتة آرامية، مريم سريانية، زنوبيا تدمرية، ..إلخ".فكانت القصيدة في عشق سوريا منذ الأزل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com