"الاعتراف خطأ شائع".. مجموعة شعرية لرضا أحمد تنقد القالب الاجتماعي العربي
"الاعتراف خطأ شائع".. مجموعة شعرية لرضا أحمد تنقد القالب الاجتماعي العربي"الاعتراف خطأ شائع".. مجموعة شعرية لرضا أحمد تنقد القالب الاجتماعي العربي

"الاعتراف خطأ شائع".. مجموعة شعرية لرضا أحمد تنقد القالب الاجتماعي العربي

تتعمق الشاعرة المصرية في نقد البناء الاجتماعي العربي بل والعالمي في التعامل مع المرأة من خلال استمرار تحجيمها، ومنع حريتها، وتناقش أيضًا العديد من الأفكار السوداوية عن العالم باستمرار القتل والعنف خلاله، في مجموعتها الشعرية "الاعتراف خطأ شائع" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2021.

وتتضمن مجموعة "الاعتراف خطأ شائع" العديد من المشاعر الأنثوية الاجتماعية، حيث الهزائم المتكررة، والخذلان، والحزن، والغصة. كما وتحمل القصائد تلميحات شعرية حول القالب الاجتماعي الصلب الذي تنحشر فيه المرأة، والمخاطر التي تتكبلها حال الاعتراض أو التعبير عن حريتها في الحياة: جيراني أيضًا ناس مسالمون/وجدوا مرة قصائدي تهرب من النافذة/فأبلغوا عني الشرطة".

كما وتبين كم الخوف الذي يعيش به الإنسان في المجتمع العربي من مجرد التعبير عن قناعة مخالفة، فيتحول لسلك متصدئ في سياج الخوف المحيط بالجميع. وتشبه الشاعرة المرء في هذا النسيج المترهل، بفأر الهامستر الذي يخضع لتجربة الكبت ومنع التلون، فعليه أن يبقى رهن حركة المجتمع الواحدة الثابتة: تذكر أنك فأر حبيس رغباته/وهنا أيضًا لن تتوقف لعبة تجربة المحاذير معك/عند أول شجرة". فيما ترفق الشاعرة لحظة انكسار المرء، ورغبته القوية في الرحيل دون التفات.

رموز اللوحة

أما لغة الشاعرة فهي دائمًا التنوع والتشكل من أجل إيصال محتواها المعرفي، فتارة تكتب بضمير المتكلم، بإدخال أصوات أخرى ضمن الحالة الشعرية التي تستهدفها، وتارة تستخدم المعنى الذاتي المتحدث عن باطنها كشاعرة، وفي مرات أخرى تستخدم الجمع لإشمال الفكرة، والمفرد المجرد، لتعميم الإحساس الشاعري. فيما تستخدم الشاعرة اللغة البسيطة الثاقبة، حيث تتجسد الصورة لديها من خلال مشاهد سينمائية دامجة للتفاصيل في المعنى، كأي رسام يعرف ماذا يضع في الكتل اللونية داخل لوحته، معطيًا الرموز لسبب وجودها. وتتميز صورها بالقدرة على الإحالة، أي استفزاز العقل لجلب مشاهد من الذاكرة، تحاكيها القصائد على مدار 143 من القطع المتوسط.

المرأة الخطر

وفي مستهل مجموعتها تقدم الشاعرة أحاسيس صارخة في وجه المجتمع الذكوري في قصيدة محاكية للأم، تفتح من خلالها الباب للصوت الأنثوي الناقد للواقع. حيث تصف حال التكبيل الذي تعاني منه المرأة في المجتمع العربي، بالمنع المستمر في المشاركة في الحياة والتعبير عن الفكر والآراء، وتصوغ صورًا شاعرية مؤلمة، لتكشف عن قمع المرأة وجبرها على الاعتراف بسلطة المجتمع عليها، بالرغم من الرفض الداخلي وتكشف عن التعامل القاسي مع المرأة، باعتبارها خطرًا على المجتمع فيما تهدي الشاعرة القصائد إلى أمها، وكأنها شاهدة على الصراع الذي تخوضه المرأة مع المجتمع المتصلب.

تكتب رضا أحمد:

"كان على أحدنا أن يفتح الباب للشرطي

اللص وقف خلفي

يد تقبض على فمي

والأخرى تتناوب على صفع أفكاري الخطرة

وأنا أتبادل مع الجدران صمتها

وأعيد قراءة اعترافات بشيء من التردد.

عدم كفاية الدم

وتعبر الشاعرة رضا أحمد عن المسار الدستوبي الذي يمضي به العالم، كاشفة عن زيف العلاقات الإنسانية، وعشوائية الفرص في الحياة، من خلال قصيدة صارخة، فاضحة للواقع الاجتماعي. كما وألمحت الشاعرة إلى عدم كفاية العالم من الدم بعد، وأنه مستمر في تشربه، بإيجازها صورًا مكثفة، فتكتب:

"هذا العالم لقيطٌ

ليس هنالك أَماكن مهجورة فيه

ْلم تتذوقها رئةٌ؛

الطريق كلها شرايين مفتوحةٌ

لدماء لن تجف أبدًا".

كافكاوية

وتعبر الشاعرة في موطن آخر عن شكل مختلف للخوف، بإحساس المرأة، كأن القمع سيلاحقها بعد زوالها من العالم، ولن تنال الحرية التي تحلم بها، معبرة عن النزهة الكافكاوية في طرح معنى الحياة، وعدم الإحساس بالجدوى من المحاولة حتى، من خلال صور صارخة لمشهد جنائزي صامت، تتصاع فيه الأفكار حول ماهية الإنسان في هذا العالم وقيمته، إن لم ينل حريته.

تكتب رضا أحمد:

"لن تتحرر روحي أبدًا،

فكل الألحان الجنائزية التي تشيعني،

مجرد صوبات

تنتج كورالًا

لتوبيخ الميت

وتعذيب رفاقه العاملين على تخطي فخاخ القبر".

مسخ

وكامتداد لحالة الخذلان والقمع الاجتماعي المستمر، تظهر حالة الإنسان المسخ الإكسي الذي عبر عنه كافكا، فيتحول إلى شبح فاقد القيمة والاسم والهيكل السليم. وتعبر الشاعرة عن هذه الحالة بمقارنة الوجود الإنساني بالغبار، ومبدأ المفاضلة بينهما، يكشف عن حالة شاعرية متعمقة في المشاهد السوداوية والانطباعات العدمية عن العالم برمته. ويتضح من الصور الشعرية هنا، الأحاسيس الانعزالية وعدم الاكتراث للقناعات المغايرة، أو حتى القناعة الذاتية.

تكتب رضا أحمد:

"أشعر أن الغبار أجدى مني

أوفى وأكثر نفعًا،

لا يهمني رأي الآخرين

ولا أكترث ليكون لي رأي،

لقد توهمت قليلًا أن الكلمات تنقذنا،

وحينما نمت، زارتني الكوابيس".

يذكر أن الشاعرة رضا أحمد من مواليد مدينة القاهرة، تخرجت من كلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان، وصدر لها المجموعة الشعرية "لهم ما ليس لآذار" العام 2016، وديوان "قبلات مستعارة" الفائز بجائزة عفيفي مطر العام 2017، عن أتيليه ضي، كما وفازت بجائزة حلمي سالم العام 2020، عن مجموعة "أكلنا من شجرته المفضلة".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com