أدب الطفل في تونس.. فقر بالإنتاج وضعف بالتسويق
أدب الطفل في تونس.. فقر بالإنتاج وضعف بالتسويقأدب الطفل في تونس.. فقر بالإنتاج وضعف بالتسويق

أدب الطفل في تونس.. فقر بالإنتاج وضعف بالتسويق

لا يزال أدب الطفل في تونس، يتحسس طريقه إلى أن يكون صنفا أدبيا قائما بذاته، له خصائصه الفنية والمضمونية، رغم مرور عقود على بدء أولى تجارب الكتابة للطفل، لتزيد الطفرة التكنولوجية وضعف السوق، وخلل المضامين من أزمة تبدو "ثلاثية الأبعاد".

ومنذ ستينات القرن الماضي، بدأت أولى تجارب الكتابة للطفل في تونس، من خلال نصوص مربّين وأساتذة متخصصين في الثقافة واللغة العربية، مثل محمود الشبعان، والبشير عطية، ثم في وقت لاحق: البشير خريف، محمد الغزي، مصطفى المدايني، نافلة ذهب، وغيرهم. وتبنت الشركة التونسية للتوزيع والدار التونسية للنشر، وهما مؤسستان رسميتان، هذا الصنف الأدبي الناشئ، وأصدرتا مئات العناوين التي كانت تمثل للطفل مصدر تثقيف وترفيه ومادة للتعلّم، بما أن معظم الإنتاجات الموجهة للطفل، كانت معتمدة في المناهج التربوية والتعليمية الرسمية.

وتواصل هذا الترابط بين الجانب التعليمي الرسمي، والجانب الأدبي التثقيفي الترفيهي لمدة اعوام طويلة، قبل أن تفتر علاقة الطفل بالكتاب شيئًا فشيئًا، مع ظهور وسائط جديدة، ومع اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية، التي صارت الوجهة المفضلة عند الأطفال، لقضاء وقت الفراغ والتسلية.

وإلى جانب هذا العامل التقني الخالص، تسببت عوامل أخرى متعلقة بجانب التخصص في ضعف معظم النصوص المنتجة، وعدم انسجام محتواها مع حاجات الطفل المتغيرة، بتغيّر الزمن والبيئة.

وتقول الكاتبة التونسية المتخصصة في أدب الطفل، إشراف بن مراد، لـ"إرم نيوز" إن "أدب الطفل في تونس، يواجه أزمة مضامين وأزمة إنتاج وأزمة تسويق في آن، مقارنة مع ما نرى في المشرق مثلًا؛ إذ لم يتطور هذا الصنف الأدبي في تونس، حتى على مستوى نوعية الكتابة للطفل، ولا تزال المدرسة التونسية في هذا المجال قديمة وكلاسيكية في أغلب الأحيان، ولا تنسجم مع ما بلغته كتابة الطفل عمومًا من تطور، سواء في العالم أو في المشرق العربي".

وتشير بن مراد، إلى جوانب مهمة من مكونات أدب الطفل، الذي لا يقتصر على الكتابة، بل يشمل الرسم، معتبرة أنه "ليس هناك اهتمام كبير بمجال الرسم للطفل في تونس، وأن هناك عوامل تتحكم في هذا التوجه منها العامل المادي الذي يؤثر أيضًا، على مستوى التسويق؛ فالكتاب التونسي الموجه للطفل، لا يجد صدى له خارج تونس في أغلب الأحيان، وليس لديه القدرة على المنافسة، وإثبات الذات أمام إصدارات دور النشر اللبنانية، أو السورية، أو الأردنية، أو دول الخليج. ومن ثم، فإن الأزمة ثلاثية الأبعاد يضاف إليها أزمة القراءة، وإهمال الدولة والمجتمع والإعلام، التشجيع الحقيقي على المطالعة".

وخلال ندوة نُظّمت على هامش معرض تونس الدولي للكتاب مؤخرًا، اعتبرت الكاتبة وفاء المزغني، أن "دور النشر المختصة في نشر كتاب الطفل في تونس، لا تتعدى الخمسة. لذلك، فإن عدد الإصدارات قليل جدًا، بالمقارنة مع دول أخرى، حيث تحتل تونس المرتبة الخامسة أفريقيًا، في صناعة ونشر الكتاب، بعد مصر، وجنوب أفريقيا، ونيجيريا، والمغرب"، بحسب موقع بوكستار، المختص في الأدب العالمي.

وأكدت، المزغني، في تصريحات صحفية، أن "تونس لا تنشر أكثر من 200 كتاب سنويًا، والكتب الموجهة للأطفال، لا ترقى لا شكلا ولا مضمونا إلى ما بلغته تجارب عربية أخرى، ولا تصمد أمام المنافسة العربية والأوروبية، حيث إننا مازلنا نجتر القصص القديمة بلا تنوع ولا ثراء، ولنا تجارب رديئة جدًا في الإخراج، حتى إذا كانت المضامين جيدة، وما يؤكد ذلك؛ عدم حصول التونسيين على الجوائز، إلا إذا كانت مشاركاتهم مخطوطات غير منشورة".

وتذهب بن مراد، إلى "تأكيد هذا الضعف المزدوج على مستوى المضمون، وعلى مستوى الإخراج"، موضحة أن "بعض دور النشر بسبب الضغط على المصاريف، لا تهتم بشكل الكتاب ولا بإخراجه وجودة طباعته. وهناك دُورٌ تعتمد على الترجمة، دون مراعاة خصوصية المجتمع وثقافته، مشيرة إلى أمثلة لقصص أطفال مطبوعة في تونس، تحتوي على الكثير من الأخطاء والهفوات والمحاذير الأخلاقية الخطيرة. وأبدت في هذا الباب، استغرابها من غياب لجنة المراقبة، وكيف تم السماح لهذه القصص بالخروج للطفل".

وفي ضوء هذا المأزق الذي يواجهه أدب الطفل في تونس، من حيث المضمون، ومن حيث الإخراج وعدم القدرة على المنافسة عربيا ودوليا، لا تبدو دور النشر متحمسة كثيرًا، لخوض تجربة إصدار كتب خاصة بالأطفال، بالنظر إلى أن هذا الصنف يُعدّ غير مربح وغير مضمون التسويق، في ضوء تعدد المنصات الرقمية المهتمة بتنشئة الطفل وتربيته، والبحث عن مكامن القوة والموهبة فيه، ما يجعل كتاب الطفل مدرجا ضمن آخر أولويات الناشرين، وفق ما يؤكده كتّاب خاضوا تجربة النشر خارج تونس.

وتقول، بن مراد: "نشرت في الأردن، ولديّ تجربة روائية لليافعين ستصدر في الأردن أيضًا، وقصة للأطفال ستصدر في مصر قريبًا، بينما وقّعت لنشر مجموعة قصصية للأطفال في تونس، منذ قرابة سنة، وإلى الآن لم تر النور، وهذا يؤكد ما تعانيه دور النشر التونسية المتخصصة للأطفال، من ضغوطات وتردٍ لوضعها المادي، بشكل يجعلها غير قادرة على الاستمرارية".

ووفق مهتمين بأدب الطفل في تونس، فإن هذه النقائص المحيطة بتجربة الكتابة للطفل في تونس، باتت تستدعي إعادة النظر في هذا التخصص الأدبي والفني، عبر تجويد صناعة الكتاب واختيار الألوان بدقة، وبطريقة علمية تراعي نفسية الطفل، وميوله، والإكثار من الدورات التكوينية للكتّاب وللرسامين، وتكثيف الرقابة على المضامين؛ للحد من أي انحرافات، أو الوقوع في أخطاء لغوية فادحة أحيانًا، وإيجاد آليات للتقييم؛ ليكون الكتاب التونسي جاذبًا وراقيًا في شكله ومهمًا في مضمونه؛ لأن إعادة بناء الطفل، تعني إعادة بناء العالم.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com