"منارات لتضليل الوقت".. مجموعة شعرية لحنين الصائغ عن "الغابة والإنسان"
"منارات لتضليل الوقت".. مجموعة شعرية لحنين الصائغ عن "الغابة والإنسان""منارات لتضليل الوقت".. مجموعة شعرية لحنين الصائغ عن "الغابة والإنسان"

"منارات لتضليل الوقت".. مجموعة شعرية لحنين الصائغ عن "الغابة والإنسان"

تستعرض الشاعرة اللبنانية حنين الصائغ، مكونات الغابة في العالم، والإنسان، من خلال توغلها في التفاصيل الصغيرة، محملة إياها الرموز النابعة من دمجها الذكي بين الصور المختلفة من حولها، عبر التقاطات وتأملات شعرية في مجموعتها "منارات لتضليل الوقت"، الصادرة عن دار النهضة العربية في بيروت 2021، ضمن سلسلة أصوات.

وكتبت حنين الصائغ خلال رحلتها الشعرية عن الحب وندرته، واقترانه بجوهر الإنسان، وعن الألم وسطوته والخوف وتماديه والضجر ومداراته بالغناء والموسيقى. كما وكتبت بصوت أنثوي عن معاناة المرأة في المجتمع الشرقي، دامجة حياتها بالموت "النساء لا يكتبن الرسائل/ النساء فقط يوصلنها/ ليحافظن على وصايا الأموات".

وكتبت ،أيضا، عن الاحتمالات التي تؤرق الإنسان كأنه يدخل لعبة المتاهة، لكن في كل مرة لا طريقَ صحيحا حقيقيا يوصل للنهاية الآمنة، لكنها النار تعفي المرء من هذا التعب، بإحراق الاحتمالات كلها.

فيما تبين الصائغ عري الأشياء والمفاهيم والأجساد طالما أنها دون مشاعر، فهي الغطاء الذي يعطي لكل ذلك المعنى.

ضعف الأشجار

ويظهر اعتماد الشاعرة على التفاصيل الصغيرة المتناهية، لتصوير مشهد شاعري حي، من خلال دمجها تفاصيل الغابة، وضعف الأشجار أمام القوى المنتشرة حولها، بالخضوع والانكسار.

ومن خلال التشبيهات الملتقطة بتأمل، تمنح الشاعرة النصوص رمزية عالية؛ ما يعطي شمولية للنص، كما ويمنحه العمق اللازم لانطلاق القصيدة.

وتستخدم الصائغ لغة شاعرية متحركة من خلال الصور المشكلة عبر الحوار والأحاسيس المختلفة، كما وتتسم لغتها المكثفة تارة، والساردة تارة أخرى، بالصوت الشعري الصارخ، والذي يقدم نقدًا لطريقة سير العالم، ويدق جرس إنذار تجاه مستقبله عبر 72 صفحة من القطع المتوسط.

ضجر

تراقب حنين الصائغ في مجموعتها الشعرية، مشاعر الضجر، وصراع الإنسان مع الوقت وتبدل الأشياء عبره، لكن تبقى الثوابت الراسخة في الروح الباطنية للإنسان، مستقرة، تحدد هوية الإنسان مع الآخر، فيزيد الانتظار من مساحة الوقت، ويبقى المقدس عاطفة ثابتة مهما طال الزمن.

وتكتب الشاعرة في نص "أغنية تشبه قدومك":

"تعلمت كيف أتغلب
على الوقت بالغناء
الأيام تطول
ًوتقصر،
أحيانا،
يأتي الشعر
ويمتنع أحيانا
تبقى الغابات على حالها
وأنا
أرتل أغنية
تشبه قدومك".

تواري

وتجسد حنين الصائغ خلال رحلتها الشاعرية مسار المرء مع الحزن، بالأمنيات والخوف، الأمنية بأن يختفي الحزن من المشهد والتفاصيل، بالتواري خلف الأشياء، وترك المساحة لغيره من الأشياء، والخوف من صراخه المرعب، وشدة ثقله على جسد الإنسان.

وتخاطب الشاعرة الحب الذي يشكل أقلية في هذا العالم، وتطالبه بالتواجد الحي، وحمل المصاعب مع الإنسان لمداواة الجروح وتسكين الوجع.

وتقول الشاعرة في قصيدة "أيها الحب":

"تكاثر أيها الحب
وأعطني كتفك لنحمل هذا الوجع معا:
جمال الأزهار التي تنمو وتموت
في أقاصي الجبال وحيدة.
الجزء المعطوب في روحي
نظرة الطفلة تخرج من صورتي
وتجلس قرب سريري.
دفء اليدين البعيدتين
والشوق أيها الحب
الشوق
ألم المفاصل في جسدك
وفي قلبي".

معرفة الطريق

وفي نص "منارات لتضليل الوقت" الذي يحمل عنوان المجموعة الشعرية، تلخص الشاعرة رحلة الجسد مع الحياة، بالتلف والخضوع لإطار الزمن، وترسم خطة التجاعيد المؤلمة على الوجه، لتكشف عن مرور الأيام الثقيلة، في انتظار عودة الغائب، ومعرفة الطريق. فيما يتنقل الإنسان عبر رحلاته التي لا تتوقف إلا بالموت، يتخذ منارته عبر الحب والتعلق بالأماكن، لكن، للموت كلمته الأخيرة، بالانتصار على الفقد والتجاعيد المتراكمة.
تقول الشاعرة:

"الأيام تمر
َوتجد الخطوط طريقها إلى وجهي.
يؤلمني بعدك
لا جديد في هذا
أعرف أني منارتك
وأنك في الرحلة القادمة ستتبع
في المنارات البعيدة
أتذوق عسل لهفتك
قطرة قطرة
ويأتيني الموت
بغير جنوٍن ولا انتحار
يأتيني
مسالمًا وشهيًا
معلنًا
ًانتصاره على الوقت
والفقد
ِوعلى خطوط وجهي".

ذاكرة

وتسترجع الشاعرة ذكرياتها مع الطفولة عبر نص "البدايات"، تلك الجذور التي صنعت التفاصيل المؤدية للشعر، هي خزان الشاعر، يعود إليها ليبوح بحزنه للعالم. هذا الصراع الوجودي مع الذاكرة ورحلة الحفر مع الأشياء لتجميع الهوية، تسترجعه الشاعرة، لتكشف عن كون الحزن جزءًا من العائلة في حال تم تركه لينمو كعشب حول المنزل.

وتكتب حنين الصائغ:

"لا أعرف كيف أكتب عن حزن أمي
ربما كان هناك يوم ولدت
ربما تكاثر على مر السنوات
كالعشب البري
الذي نسي أبي تشذيبه
فأكل الحديقة بما فيها
لا أذكر أين بدأ
ولا الحوارات التي مكنته
وجعلته فردا من العائلة".

وفي المجموعة الشعرية "منارات لتضليل الوقت"، هاجس شعري نابض، مراقب لتحولات الأشياء وتحركاتها، وطريقة تشكل العلاقات بينها، صنعت من خلاله حنين الصائغ، مسرحًا شعريًا ممتلئًا بالحركة والصوت والغناء والموسيقى، والقفزات المدروسة، مستخدمة أدوات إخراجية كالإعتام والإضاءات على الأشياء، لمشاهد قابلة للفتح والإغلاق عبر اللغة الشعرية النابضة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com