في مجموعة "سماء بعيدة كقبر مفتوح" لعامر الطيب .. التقرب من الموت لفهم الحياة
في مجموعة "سماء بعيدة كقبر مفتوح" لعامر الطيب .. التقرب من الموت لفهم الحياةفي مجموعة "سماء بعيدة كقبر مفتوح" لعامر الطيب .. التقرب من الموت لفهم الحياة

في مجموعة "سماء بعيدة كقبر مفتوح" لعامر الطيب .. التقرب من الموت لفهم الحياة

يخوض الشاعر العراقي عامر الطيب تجارب للتقرب من المفاهيم البشرية، مثل: الحب، والموت، والزمن، والصوت، والحركة، ويحاكيها بحسه الشعري، في مجموعته "سماء بعيدة كقبر مفتوح" الصادرة ضمن سلسلة أصوات الشعرية عن دار النهضة العربية 2021.

إذ ينشد الشاعر  السلام غير المنقوص مع العالم والأشياء، ويعري بلغته الذين يهتمون بالسلاح والقتل، فيما يستدرك أن العالم بحاجة إلى الرفق والمودة لتستمر الحياة.

فيما يصنع الطيب الجدلية حول حالة الغربة التي يتكبدها المرء في وجود الحب "لا يجعلنا الحب إلا غرباء"، فلا يعدو الحب عند الطيب كونه نوعا من الفلسفة المتجددة لفهم الذات والحياة.

لغة الشاعر المعتمدة على التكثيف في الصياغة والحركة المستمرة في التصوير، المصاحبة لصوت وإيقاع شعري نابض.

فيُظهر المشهد الشعري عنده العديد من التفصيلات المحتملة، والتنوع في الفهم وتفسير الأشياء، اعتمد فيها الطيب صوت ضمير الأنا في معظم الحالات، ساندًا على التلميح والإيحاء للمعنى الآخر، على مدار 70 صفحة من القطع المتوسط.

تكثيف

ويعتمد عامر الطيب في صقل لغته الشعرية على المواقف الدقيقة المتناهية الصغر الصادرة عن القناعات غالبا، وكذلك الممارسات اليومية الإنسانية التي لا يكترث لها المرء، فيما يستخدمها الشاعر كوقود لقصيدته.

ويعد هذا النهج المتشظي أحد أسرار قصيدة النثر، بقدرتها على جذب الشاعر نحو الهالة الشعرية من حيث لا يلتفت الآخرون، إذ يصبح للمواقف العادية صوت آخر، ومكانة من العمق والأهمية في الوجود. ويعرج الشاعر على حالات شعرية متعددة، قام بتقسيمها إلى أربعة أقسام، تحمل عناوين "حرب باردة" و"تذكارات امرأة" و"أحوال" و"فواصل شعرية".



حرب باردة

إذ يناقش الطيب في قسم نصوص "حرب باردة"، مسيرة الإنسان في عمره القصير، من خلال إدخال إحساس الحيرة والتيه في أجواء قصائده، ويوصف حالة المرء مع البكاء، مستعيدًا نبض الطفل الباكي لأنه يجهل الطريق إلى منزله، فلا منزل للإنسان ذي الوعي على مدار الطريق، قناعاته التي يحملها لآخر المدى، هي الحبوب الملأى التي تثقل كاهله، وتسقطه في الكثير من المطارح، فتبدو الحالة الشعرية في صمت مريع، صمت الكوكب الخالي من كل عناصره، والرحلة التي تمضي دون خريطة محددة.

يكتب عامر الطيب:

"أبكي كما تسیر عربة ملأى

بالحبوب،

لا أعرف طریقي،

ولا أعرف كیف ألتقط

الحبة التي تتدحرج بسرعة غریبة

لتصیر سنبلة.

..

أقف عند الإشارة

وسیارتي فارغة

آه ..

كيف ستخضر الطرقات المقطوعة

بدموعي؟".

العين والصورة

كما ويصارع الشاعر ما بين العين الإنسانية، والصورة من أمامها، وتجد في شعره حركة دائمة تصنع زوايا مختلفة في كل مرة، ومعنىً آخر للأشياء، هذا المنوال من التقطيعات المستمرة داخل قصيدته، الذي يوحي بصوت آخر في كل محاولة، يفتتح من خلاله الشاعر لعبة العين، وانفراد اختصاصها بحدث ما، في محاولة للبحث عن معنى آخر، حيث مهنة الشعر، إزاحة الرتابة عن العالم.

يكتب عامر الطيب:

"أحیانًا

علینا أن نبتكر عیونا عديدة.

أولى للقراءة وثانیة لتأمل الغابة المشعة

عین للبكاء وأخرى للرحمة،

وعین للتحدث

عما یُنقذنا.

..

أحیانا

علینا أن نعیش بعین واحدة

لكنھا عین ملیئة بالأیدي،

تلك الأیدي البعیدة

التي تود تجفیف الدموع،

فتلوح بالمنادیل".

اكتمال

وفي قسم "تذكارات امرأة"، يعرج الطيب على التفاصيل في العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، وتتجسد كثافة الحس في قصائده هنا، حيث الحواس السوبر، التي تتجلى في ذروتها حين تدور العلاقة حول جسدين.

ويقرن الشاعر في نصوصه هنا، الحالة الإنسانية تبعا لتغيرات هذه الحواس، إذ يعطي الحب للطرفين في لحظة تكوين الاكتمال، وفي تارة أخرى ينقض على المرء فيكون المصير الانكسار.

ويستخدم الطيب من خلال نصه، لكل جزء صغير من جسد الإنسان، قلبا يزيد من الشعور بالحدث أو الحركة، فيجرد القصة من عقلانيتها، ويكسبها عاطفتها الهيولية.

يكتب عامر الطيب:

"في مكان ما من عقلي

یوجد قلب،

في مكان ما من ظھري أیضا.

بین شفتي وبین حواف أظافري

قلوب صغیرة غیر مرئیّة

لكنني أسمُعھا وھي تنبض

أو تتجوف.

في إحدى عیني یوجُد قلب ساكن

أحاول معرفة اللغز

أجزُم أنك تعرفین ذلك جیدا

عندما تحفظینه

بلطف بالغ

فتكسرین دموعي!".



سيناريو آخر

أما في قصائد "أحوال" فإن الطيب يمارس تأملاته الشعرية مع ذاته، ومع الحوادث من حوله، حيث يعبر عن حال المرء حين تتملكه رغبته في ترك كل شيء على حاله، والمضي متخليا نحو المجهول. كما ويصف حال العناصر في سيناريو القصة الكونية، ورغبة كل عنصر في الحلول مكان الآخر، في طريقة تضمن أن الجدل والحركة لا يتوقفان في هذا العالم.

ويبحث الطيب في هذا السياق عن المعنى الخفي للمكونات من حولنا، ويقدم تعريفا مختلفا للعنصر داخل قصيدته، إذ يعيد تأويل الدموع إلى سياق آخر، تنال من خلاله الخلود، فيما ينال المرء معها صوته الجديد مع الخذلان والشعور السيزيفي الممتد.

يكتب عامر الطيب:

"في سنة من السنوات

كنت أنا وأحد رفاقي

نتجادل بشأن دموعنا وخلودھا

قال سأصنع من دموعي

علبًا للحلوى

وقلت سأصنع منھا أوراقا ملونة،

ھا ھي دموع رفیقي الغابر

تتلف في القمامة وحدھا

ودموعي توزع

كبطاقات في الأعیاد!".

تخييل

وفي مجموعة قصائد "فواصل شعرية" يذهب الشاعر نحو تأملات في الزوايا المختلفة لرؤية المشهد، وكيف أنها تثير خلق إنسان آخر، لم نره من قبل. كما ويتلاعب الطيب بمقياس الزمن، ليصنع المفارقة في المواقف بينه وبين الأطفال: إن المعطف ضيق عندما يتوفر، وفضفاض عندما يصبح ضائعًا". فيما يتقرب الشاعر من الموت لمعرفة حقيقة الحياة، وتفسير معرفتها.

ويكتب الطيب عن مشهد يكون الشاعر خارجه، يراه بكامل الوضوح، دون تداخل أو تورط في سياقه. كما ويفارق بين حياة محسوسة، وأخرى متخيلة، يتوقعها فيما بعد، حيث تكون فيها السماء مثل قبر مفتوح على مصراعيه.

حيث يقول:

لن أفھم حياتي إلا بعد أن تكون قد انتهت،

كفیلم سریع

لم أتیقن

مّما سیفعله أبطاله

معي أو مع أنفسھم.

أحبّوني أو سخطوا مني؟

قبل النھایة،

وجدتھم جمیعا وحیدین كأطفال

یصلون من أجلي

لقد كبرت الآن تماما،

وصار من الممكن أن أجد

السماء بعیدة كقبر مفتوح!"

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com