كتاب "أن تفكر في فلسطين" للمغربي عبدالله صديق.. أدب رحلات بأحاسيس بكرية
كتاب "أن تفكر في فلسطين" للمغربي عبدالله صديق.. أدب رحلات بأحاسيس بكريةكتاب "أن تفكر في فلسطين" للمغربي عبدالله صديق.. أدب رحلات بأحاسيس بكرية

كتاب "أن تفكر في فلسطين" للمغربي عبدالله صديق.. أدب رحلات بأحاسيس بكرية

يؤرخ الشاعر والكاتب المغربي عبدالله صديق، للحظات إنسانية متعمقة مع فلسطين الأرض والهوية، تبدو مختلطة بالألم والغصة والأحاسيس البكرية مع الأماكن والأشياء، خلال زيارته التي امتدت لأسبوع لها، على هامش معرض الكتاب العاشر في رام الله العام الماضي، خلال كتابه "أن تفكر في فلسطين" الصادر ضمن سلسلة "يوميات عربية" عن المركز العربي للأدب الجغرافي بالتشارك مع منشورات المتوسط، ودار السويدي للنشر والتوزيع، مؤخرا.

إذ يكتب صديق في مطلع سرده:"فلسطين فكرة. فكرة تنمو في القلب قبل أن تُزهر في العقل، وليس شرطا أن يكون حاملها فلسطينيا أو عربيا؛ لأنها فكرة الإنسان التي تمتحن انتماء صاحبها إلى الإنسان".

عراك بصري

ويرسم الكاتب مشهد التعارك البصري الأول مع جنود الاحتلال، في لحظة تكشف عن حالة غريبة من الصخب الداخلي، والتعثر بالكثير من الأفكار تجاه الجندي الإسرائيلي. كما ويوصف حالة التدوير الذهني لما تراه العين، وما يتبعه من توتر واستغراق في الحالة، وما يرافق ذلك من صمت، وبقاء مطول داخل الذات، دون معرفة المشاعر المتولدة.  وتأتي لحظة انفراج الذات وتوسعها، بينما يرى ويشتم تراب فلسطين، ويحدق بالعشب على الجبال، ويرى أجساد الناس التي ترابط على هذه الأرض.



صورة فلسطين

وللكتاب لغة رصد وتوثيق للحياة بواقعيتها في فلسطين، وأخرى تحمل الفلسفة التعريفية والانطباعية كخصوصية تفاعلية للكاتب. وما بين هذه وتلك، يحمل الكتاب تنوعا جذابا، بين لحظات التأمل، والرصد التاريخي.

يكتب الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله في مقدمة الكتاب: "تتمثل قدرة الكتاب في أنه يجعلك تركض عبر السطور، طاويا لها، من خلال قوة اللحظة التي يتناولها، واللحظة التالية التي بِتُّ متشوقا لمعرفتها. من عمّان، إلى أريحا، إلى رام الله، الخليل، وسواها من المدن الفلسطينية".

ويكمل: "تتشكل حكاية فلسطينية أخرى، بعيون عربية محبة، وقلب نابض بالجمال، يرى الجميل ويتعلق به، ويحميه، وسط غابة البنادق المتربصة به. ويأتي التقطيع المشهدي المكثف، ليفتح عينَي القارئ على صور تُرى وتُسمع، وتتكامل، لترسم صورة فلسطين اليوم، وما وصلت إليه، بعد سبعين عاماً من مأساتها".

فاصل على الطريق

وينقل الكاتب في يومياته، ما يحدث في طابور شباك الفحص الأمني موصفا طريقة التفتيش التي يخضع لها العابر العربي، بهدف زرع إحساسه بالإهانة والمذلة، كما ويلتقط صديق، التفاصيل الدقيقة للمقتنيات، ويكشف عن  أبرز ما لحق بحقيبته من أعطاب جراء التفتيش الفوضوي والعنيف، الذي لا ينم عن تحضر أو إنسانية.

فيما يفتح الكاتب كاميراه الحسية على الكادر الفلسطيني الشاسع، أثناء مروره على طريق مدينة أريحا، ويقتص من التمثيل الجمالي، لحظات عشق وتأمل للمشهد، كاملا، مدللا على تملّك هذه البلاد للقلب، لكنه يشير إلى أن فاصلا على الطريق يكسر لحظة الجمال هذه، حيث المستوطنات الصهيونية الراقدة بخبث على الأرض الفلسطينية المحتلة، تحول دوم تواصل البعد الجمالي لعشق الأرضة الفلسطينية بطبيعتها الأخاذة.

المستحيل كتجربة

في حين، يتطرق الكاتب إلى معرض الكتاب في رام الله، سبب مجيئه لهذه الأرض التاريخية، ملمحا إلى أن هذا المعرض أخو المستحيل، ويعلل ذلك بالقول: "لأن القائمين عليه يبدؤون التحضير له بشهور، وهم يعلمون أنهم يجازفون؛ لأن لا ضمانة لديهم بأن إسرائيل ـ التي يسميها العالم دولة ديمقراطية ـ سوف تسمح بالمرور للكتب الموجهة إلى المعرض، أو تُصرّح بالعبور للعارضين فيه، ولضيوفه من المثقفين. وهذان الأمران هما ما يحقق معرضا على أرض الواقع، لكن أرض الواقع هنا صلدة وناتئة، يملأها ضابط الارتباط الإسرائيلي بألغام التسويف وتأخير التصريحات. يفعل ذلك مراهنا على تحطيم عزيمة المنظمين، ليُؤخَّر المعرض إلى أجل غير مسمى، أو ليفشل إنْ هو نُظِّمَ. وهو لذلك أخو المستحيل، ومن يراه على صورته يتيقن أن مُنظّميه صعدوا به، كما يصعد بصخرته وينجح سيزيف عنيد".

ويختتم أفكاره حول تنظيم المعرض، بنوع من الفخر، حيث يقول: تحت سلاح الدولة (الديمقراطية)، يُنظِّم الفلسطينيون معرضا للكتاب، دوليا وأنيقا، يغيظون به عدو حريتهم، الذي يكره أن يرى صغارهم يمسكون سلاح الكلمة على الورق، بالقدر نفسه الذي يكره أن يرى كبارهم يحملون سلاح البارودة على الأكتاف".

ملامسة الأماكن

ولا ينسى الكاتب زيارة قبر محمود درويش ومتحفه، وزيارة مدينة القدس، حيث يرى بأم عينه التجربة البائسة التي يحياها هنالك السكان، حاملين صمودهم بين ضلوعهم، باقين على أرضهم، دون أي تراجع، فيزور الضاحية وبيت حنينا، وشعفاط، والشيخ جراح، والمصرارة، وباب العامود، سور القدس التاريخي، وكنيسة القيامة، وقبة الصخرة.

كما ويستكشف  المدينة العتيقة، مقاربا بين أوجه الشبه التي تربطها بعض الأماكن في المدن العربية: القناصل في الرباط وخان الخليلي في القاهرة، وسوق جامع الزيتونة في تونس، وسوق البازركان في طرابلس الشام. فيكتب "كأن أرواح تلك الأمكنة شقيقات.. تمنيت أن أكون حجرا، عساي أُنصتُ لما يهمس به لحجر حجر".



حنين الأجداد

ويتحدث الكاتب عن الرابط القوي بين المغربي والأرض الفلسطينية، معتمدا على عاطفة متزايدة تجاه المقدس والذكرى فيها، ومرجعا هذا الحنين المتولد للتو، والإحساس بالقرب، إلى جينات الأسلاف، من عاشوا في هذه الأرض، وتركوا أثرهم هناك، بالحس والتجسيد والألقاب، فللمغاربة حي كامل في القدس. يكتب صديق:

"أن تكون مغربياً، فأنتَ الأبعد غرباً، الحامل في وجدانك أثراً من جينات موروثة عن أسلاف وصلوا إلى هنا، بعضهم مرّ، وآخرون مكثوا .. ابتنوا لهم بيوتا، تتابعوا حتّى صارت البيوت المفردة حَيًّا، يُنسَب إليهم، هو "حيّ المغاربة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com