"يحفظ في مكان بارد" للشاعر  المغربي يوسف الأزرق.. رحلة إنسان يستعيد ذاته من خلال الموت
"يحفظ في مكان بارد" للشاعر المغربي يوسف الأزرق.. رحلة إنسان يستعيد ذاته من خلال الموت"يحفظ في مكان بارد" للشاعر المغربي يوسف الأزرق.. رحلة إنسان يستعيد ذاته من خلال الموت

"يحفظ في مكان بارد" للشاعر المغربي يوسف الأزرق.. رحلة إنسان يستعيد ذاته من خلال الموت

يسترجع الشاعر المغربي يوسف الأزرق، محطات مختلفة تجمع الجسد والروح الإنسانية بالحركة المستمرة للظواهر الكونية، مستخرجا من ذلك الأثر الذي يدلل على وجود الإنسان في كل مرة في المجموعة الشعرية "يحفظ في مكان بارد" الصادرة عن مؤسسة الموجة الثقافية 2020، وبدعم من جمعية الصويرة موكادو.

وتتضمن المجموعة العديد من التأملات الإنسانية للظواهر الطبيعية، بتموجاتها وتغيراتها الدائمة، وما يترتب عن ذلك من عراك للإنسان، أو تصالح مع تلك الحالات. إذ يرصد الشاعر مراحل التيه الإنساني مع الصفات الكونية، مركزا بذلك على كون الإنسان أيضا، ظاهرة طبيعية متغيرة، ثابتة في مرات كثيرة، ومشتتة وغامضة وفانية في لحظات أخرى.

الموت كبوصلة
ويظهر الإنسان عند "يوسف الأزرق" كمادة خام قابلة للتحليل والتفحص حين يذهب إلى تبديل حالاته الجسدية المتنوعة ما بين الطين والجثة، وكذلك الحالة الغازية المتسامية. ويتكرر مشهد اتخاذه للموت كبوصلة في تحديد اتجاهات الحياة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، منتقيا من ذلك القطع الأثرية من الزمن، التي تؤكد مرور شخص ما، على هذا الكوكب.

وتتعدد الحالات البشرية في نصوص "الأزرق"، ما بين الوحشة والهذيان والكآبة والخوف والحزن، والحب، والاشتياق، وكذلك استدراج الأمل. ويعبّر كذلك عن روح الشعر في اصطياد حواس الإنسان في الأماكن المعتمة، والحصالات الداكنة الممتلئة بالذكريات، مؤكدا تشارك الزمن دوما في صنع اللحظة الشعرية، فيدوي بسؤاله الصارخ للعالم "متى سينتهي المساء من توريطي في المتاهات القاتلة؟".

موسيقى
ويتعرف الشاعر المغربي على المكونات الثابتة والمتحركة في الفضاء الواسع، من خلال التوصيف الحي لمشاعره تجاه ذلك، مستخدما اللغة المحكمة والمكثفة، محققا شرطية الشعر، وسائرا على إيقاع فني داخل القصيدة، يزيد من رهافة شعره، ويزيد من الالتفات للموسيقى المتخفية خلف كلماته.
وفي شعر "الأزرق" المصاغ بأساليب متنوعة ما بين ضمير الأنا والحاضر، والغائب، والتأمل الذاتي المونولوجي، والتقرير والسؤال والتعجب، كل ذلك من خلال لغة سلسة، في كل مرة تكمر المعنى الشعري داخلها.
القصائد في هذه المجموعة عددها 39 قصيدة متفاوتة في الطول، ومقسمة إلى ثلاثة فصول بعناوين هي "يدي في غيمة وقلبي بن جسرين، قبل ان يستيقظ الأزرق، وقصائد الصويرة"، وتمتد على 124 صفحة من القطع المتوسط.
فيما يحقق الشاعر الغاية التي تصبو إليها قصيدة النثر، من خلال تنويعه في الشكل البنائي للقصائد، تبعا للحالة الشعورية، فيقدم الشكل النثري للقصيدة، والنص المفتوح، وينوع بالدمج بين الشكلين الشعريين، فيما تحمل العناوين دلالات تزيد من قوة القصيدة وبعدها الإنساني، كما تحقق ذلك في عنوان مجموعته، المدلل على حالة شعورية أقرب للموت، والسكون، وركود الحياة.

آلة الأسئلة
كما يدمج الشاعر صوت الإنسان في لحظة النهاية، أو ما قبلها بقليل، كتلخيص لرحلة الإنسان، وكشف لرؤية أكثر وضوحا للواقع والحلم، حيث يكون الإنسان اكتسب النضج، وامتلأ الوعي بالتجارب.

وتكمن شعرية "يوسف الأزرق" في هذا الإطار في ملامسة المناطق المحيرة للمرء، وبالتالي تشغيل آلة الأسئلة في ذلك الإطار، ويتحقق هذا بأنسنة اللحظة المادة المعنوية، وتجميد المتحرك والحسي في العالم. ولا يكف الشاعر عن مشاكسة الموت، كما يفعل مع رجل عجوز، يلتهم كلَّ ابنائه، فيضعه على منصة العرض، ويقول:
"يتعرى الحلم ليراوغني
الزمن القاتل يعرف أنني أراه
بعيون لا تتعجل لإغماضة خالدة
في ركن لم تلسعه عقارب الغدر
بوجهي أغطي وجهي
فانتظرني أيها الظل الهارب من جسدي
فالحائط سيبتلعني بعد قليل
كم أنت حلو أيها الموت المدثر بفستان ليلى
أخبرني متى ستفتح نوافذ القلق
لأرمي قصائدي المتعبة
وأمتص كل هذا الهدوء البنفسجي للأبد".

كشّاف
ويذهب شعر "الأزرق" إلى الداخل الإنساني، مستخدما كشافاته الضوئية، لتفسير ما يراه المرء، وما تلتقطه الحواس كبصمات على سطحها، هي في مجملها، قناعات مرتبطة بالعاطفة والعقل، وهوية متجددة للإنسان مع استمرارية الخطى، حتى لحظة التوقف الأخيرة.

ويضع الشاعر للنظرة الإنسانية شرطا لتحقق المشروع الإنساني بتكامله المطلق، من خلال قدرته على فرز حواسه، وتصنيفها تبعا لذكائه العاطفي. وما بين هذا وذاك تتضح قدرة الإنسان من التعايش مع واقعه، أو رفضه، بالتغرب الذاتي والعزلة.
حيث يكتب في نص"هناك أراك":
"عين واحدة تكفيك لمنظر بشع والأخرى أرسلها لنبتة ستولد في الشتاء المقبل. تعرف أن المكان لا زال يخونك بكل حواسه القوية وأن المنفى ليس أن تكون خارج أرضك، بل أن تكون خارج داخلك ومحاطا بكائنات وهمية".

إنسان هيولي

ويؤكد الشاعر المغربي أن التكوين البشري قائم على التغير والتفلت، كأنما القناعات تسبح في ماء متغير المزاج. فيراقب في شعره المكون الذهني لدى الإنسان، وحالاته اللا نهائية، ويدمجها جميعا لتكوين إنسان هيولي يجمع الحد الأقصى للحس البشري، مقرنا ذلك كله بصفة الموت، الأكثر ظهورا في مسيرة المرء.
فيكتب في نص "موتى يصطادون قصائدي":
"ثمة موتى يتجولون في صدرك، يتوغلون في ألمك.
يرقصون ويغرقون في نبيذ التراب، يهرقون الدم المتعفن في عروقك، حتى تتجدد مساراتك المجنونة، برحيق السحب الباردة. ثمة موتى يخرجون ليلا ليتبادلوا معك آخر الأخبار ويساعدوك لتنام.
ثمة موتى هم أنت المتعدد، يرسمون أرجوحة في السقف وفي الصباح يعدون لك فطورا من بسمات وإكسير الحياة.
ثمة موتى يحكون لك رؤيا طرية: ستصبح مجنونا وستخونك الأصداف والظلال والأمواج لكن قصيدتك الأولى ستنقذك وسيستحيل طريقك لغدير مضيء".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com