"منهك كأنه المعجزة" لمروة أبو ضيف.. احتفاء بالمشردين والمهمشين والفقراء
"منهك كأنه المعجزة" لمروة أبو ضيف.. احتفاء بالمشردين والمهمشين والفقراء"منهك كأنه المعجزة" لمروة أبو ضيف.. احتفاء بالمشردين والمهمشين والفقراء

"منهك كأنه المعجزة" لمروة أبو ضيف.. احتفاء بالمشردين والمهمشين والفقراء

تتخذ الشاعرة المصرية مروة أبو ضيف من المشردين والكادحين والمهمشين والإنسان العادي، مشروعا شعريا، ينقل أفكارهم ومشاعرهم، ويطرح رؤيتهم للحياة، في مجموعتها الشعرية "منهك كأنه المعجزة"، الصادرة عن سلسلة إبداعات في الهيئة العامة قصور الثقافة المصرية 2020.

تبحث الشاعرة عن المسحوقين والمظلومين والمشردين واصفة أحوالهم، فتعيدهم من خلال الشعر إلى أقرب مأوى يستر خيباتهم، وتبدي كذلك انحيازها للعاديين، أولئك المارين على الحياة دون موقف أو خطوة في تجريب الحياة.

كما تتناول تجارب المهمشين المنسيين الفارين لمختلف الجهات، المبتعدين عن المركز، فنتبنى مشاعرهم، كأنهم قصة مركزية في هذا العالم الشاسع.

 

صورة مكبرة

أما لغةً، فتكتب أبو ضيف الفصحى الأقرب للبساطة والشعبوية، بلا تعقيد أو صور متعمقة في قصيدتها، فهي تنسج نصا بصورة مكبرة، حيث يمكن اعتبار كامل القصيدة بمثابة صورة فنية واسعة تعمل الشاعرة عليها.

ومن اللافت سيطرة الجمل السردية على القصيدة، فالحالة التصويرية تكاد تختفي بين التركيبات الفنية للكلمات، لكنها تسند متن النص من الخلف، من خلال الرؤية والطرح. فيما تستعرض أبو ضيف رؤيتها من خلال 61 نصا دون عناوين، عملت على وضع أرقام كفواصل بينها، تنوعت ما بين ضمير الأنا والغائب، مستهدفة الوعي الجمعي بأفكارها. وامتدت القصائد على 68 صفحة من القطع المتوسط.

 

 

خطاب جماهيري

ثمة طرح سلس لصورة المشرد في الصوت الشعري الجريء للشاعرة، فالخيال القريب من تصورات القارئ العادي يجعل من النص خطابا جماهيريا، يلامس الفقراء وغير القادرين على الإمساك بأدنى متطلبات العيش.

الوصف المقترب جدا من السهولة، والموغل في رصد ما يخدم الفكرة، هو سر من أسرار نص أبو ضيف.

عن المشردين والفقراء تكتب الشاعرة:

"خذني إلى البيت،
فأنا في الخارج من زمن بعيد،
حتى نسيت البيوت،
والأمومة،
والدفء،
والشارع صار حوتًا عظيمًا،
يبتلعني ويلفظني،
وعظمي الصلب لم يتفتت بعد".

 

 

مربع صغير

بينما يظهر في شعر أبو ضيف، العالم الصغير الذي يمنح الإنسان العادي قسطًا من حرية لم يمنحها له العالم الواسع، كمحاولة لملء فراغ يقبع في الداخل. هذا الصراخ الممتد مع الوحدة والضجر من الحصار الذي تكابده الذات، يعد بمثابة محاولة لتجاهل الحقيقة الصادمة عن الحياة بقسوتها مع المرء، فيكون البحث عن الوحدة مع مربع صغير من الهروب إلى الأفكار التي يشعر معها بقسط من الحياة.

 

عن هذا الهروب تكتب أبو ضيف:

"أثبّت الصورة على عيني حين تضحك،
أثبّت الصورة على عيني حين تبكي،
أنتظر مئات الربتات على وحدتي،
التي أبثها في الفراغ،
لأن هذا ما يجعلها محتملة،
الحقيقة الوحيدة التي أصدقها،
هي هذا المربع الصغير،
الذي يسمح لوحدتي المطلقة،
أن تجد يدا حانية،
ليست مضطرة في الواقع أن تلمسها".

 

 

قصة الإنسان النقي

ولطالما كانت الكآبة هي إرث الإنسان المهمش، فهي محمولة في النفس البشرية مثل صخر ثقيل، حيث تنقل الشاعرة هذا الشعور مع تراكم كتلة الآلام بمرور الزمن على كاهل المرء. وعن تلك الطبقة من التعساء الذين يحسنون الصحبة، فيما تبدو خصالهم أصدق قصة للإنسان النقي، الذي يشعرك ببساطة الحياة، وسط صخبها المستمر، تكتب الشاعرة:

"دائمًا كنت بارعة في إخفاء الأشياء،
لكني لا أجد مكانًا الآن لإخفاء الأيام.
الوقت المتهدل على وجهي وأصابعي،
من حقي أن أوزع إرثي كما أشاء،
أمنح من أريد كآبتي،
وأعطي من أشاء قلبي بحمله الثقيل،
والهشاشة أوزعها على التعساء،
الذين أحسنوا مصاحبتي،
لكن الأيام ملكي وحدها،
ليس بإمكاني إعطاؤها لأحد،
بما تحمله من سري وخطيئتي".

 

 

بؤرة

لكن الشاعرة تواصل البحث في تكوين أولئك المهمشين وتعبر عن صفاتهم ومشاعرهم بثيمات شعرية مختلفة، فعلى طريقة مغايرة عن نهجها السردي تبني هيكلًا شعريًا بطريقة البؤرة، فتحمل كلمة واحدة سر الحدث الشعري، تنطلق من خلالها الجملة كأنما بكرة لخيط طويل، انفلتت أخيرا. ومن ثم ترجع لتكرار نفس الحركة، فلا يتوقف مصنع الشعر هنا. إيحاءات عن الصفات الكامنة في هذا الإنسان العادي من البراءة والصدق والنظافة الداخلية والحرية المنقوصة، وكذلك الحزن والخيبة.

عن هذا تكتب الشاعرة:

"بريء
مثل ظلي الذي لم يمسك خنجرًا أبدًا،
صادق
مثل ظلي الذي لم ينطق كذبة واحدة،
نظيف
مثل ظلي الذي لم يمسسه بشر،
حر
مثل ظلي الذي لم يقيده أحد،
أسود
مثل ظلي الحزين".

 

 

يافطات شعرية

فيما ترجع الشاعرة لهشاشة الحياة وضيق ممراتها، وتمارس أدوات النفي كلها، معلنة بصوت اليائسين ما يمكن أن يكون انطباعًا راسخًا، يجسد إشكالية التعايش مع كل مسوغات الواقع، ويظهر كم البؤس في اليافطات الشعرية التي ترفعها أبو ضيف داخل النص، كاعتراض على كل ما يحدث، حتى الأغنيات والموسيقى والمعاني الرفيعة التي تهم الإنسان، كالحب واللحظات الدافئة، لا الحنو ولا اللقاءات والذكريات، كل هذا لا يجعل من الحياة شيئًا ممكنًا.

هذا الوصف الذي يتماشى مع رؤية الشاعرة حول المهمش، ذلك "المعجزة" الذي أتى للحياة ولطالما كان منهكًا نادمًا على المجيء.

عن هذا تقول الشاعرة:

"ليس الصمت،
ولا الكلام.
لا الأغنيات،
ولا المراثي الصادقة.
ليست المسافات،
ولا الغرف المغلقة،
العائلة،
والشوارع الواسعة،
الشرايين المقطوعة،
عيوننا المدلاة فوق وجوهنا،
وظهورنا المشروعة للجوارح.
ليست الذكريات،
ولا رأس فارغة،
لا شيء يصلح حقًا لهذه الحياة،
لا شيء بإمكانه أن يجعلها ممكنة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com