هل تندثر المكتبة المنزلية بسبب الثورات التقنية والحياة العصرية؟
هل تندثر المكتبة المنزلية بسبب الثورات التقنية والحياة العصرية؟هل تندثر المكتبة المنزلية بسبب الثورات التقنية والحياة العصرية؟

هل تندثر المكتبة المنزلية بسبب الثورات التقنية والحياة العصرية؟

بعد أن كان للمكتبة المنزلية ركن خاص في إحدى زوايا أو غرف البيت العربي القديم، أصبح تواجدها داخل المنزل الحديث أمرا نادرا، في ظل التغير المستمر في طبيعة الإنسان العربي، كنتيجة لتطورات الحياة العصرية.

فتأسيس البيت الجديد لدى أي زوجين الآن، يكون مصحوبا بتطلعهما إلى جلب أثاث عصري، واهتمام بزاوية صغيرة لشرب القهوة، أو مطبخ أمريكي يطل على صدر البيت، بالإضافة إلى غرف النوم الحديثة والستائر المبهرة، بتصاميم مدعمة بأفكار تكنولوجية متطورة.

ويمثل امتداد التكنولوجيا أيضا بالتواجد السحري لكتب الـpdf على المنصات الرقمية، ومجانيته في الكثير من الأوقات، وهو ما دفع الكثير من القراء العرب إلى استسهال الأمر، وبالتالي قلة الرغبة في امتلاك الكتاب ورقيا.

ولذلك، قل الدافع نحو إنشاء مكتبة داخل المنزل، ولم تعد مستغربة فكرة حذفها.

فهل صارت كتب الـpdf معوضا عصريا، عن المكتبة المنزلية؟ وهل ساقت تغيرات الحياة العائلة العربية إلى استبعاد فكرة المكتبة داخل البيت؟

وحول ذلك، تقول المترجمة السورية زهرة حسن لـ "إرم نيوز": "ربما يمتنع البعض عن إنشاء مكتبة منزلية بسبب غلاء المعيشة وغلاء الكتب، وبحجة ترتيب أولويات الحياة بطريقة مختلفة، وبسبب وجود الكتاب الرقمي".

وتتابع: "كان يخصص للمكتبات في الماضي القريب، غرفة خاصة في المنزل معزولة عن بقية الغرف، ويمكن أن يكون فيها أيضا غرفة المكتب المنزلي في بعض الأحيان. أما في عالم اليوم، فقد أصبحت المكتبات أكثر شعبية، وتتقاسم مع غرف المنزل المختلفة وظائفها، إن وجدت".

وحول أهمية المكتبة المنزلية، تقول: "أن يحيط المرء نفسه بمجموعة من الكتب ضمن موضوعات اختصاصه، هو أفضل مما يمكن أن تقوم به أي مكتبة أخرى، إلى جانب ذلك ما تحمله متعة خاصة لا تضاهى".



بدوره، يقول الشاعر العماني لبيد العامري حول هذه الإشكالية: "ندرك جميعا أن المكتبة المنزلية تلعب دورا رئيسيا في تشكيل وتكوين ثقافة الفرد، وتجعل حتى البديل، وهي كتب الـ pdf، غير قادرة على تعويض المكتبة المنزلية التي تمثل حصالة اهتمامات بعلوم وثقافات، قد تبقى كموروث يستفيد منه الأبناء والأجيال القادمة، وهذا ما تفشل فيه كتب الـ pdf، التي تفيض بالآثار السلبية التي تجعل العديد من القراء لا يستسيغها حتى اليوم، ابتداء بالإضاءة المتعبة للعين، وانتهاء في صعوبة الاستخدام والحفظ، عكس الكتاب الورقي".

وأردف: إن "ظهور الشبكة العنكبوتية والكتب الإلكترونية قلل من هيبة الكتب الورقية، التي تبدو غالية الثمن بعض الشيء، وهو ما أدى إلى تقلص حضور المكتبة في حياتنا المعيشية، في حين يكون الأبناء هم المتأثر الأكبر، فينشؤون دون مكتبة تغرس فيهم ثقافة الكتاب والقراءة والشغف بالنهل من شتى العلوم والثقافات".

من جهتها، قالت المعلمة اللبنانية فاتن العسيلي، لـ "إرم نيوز": إن "التحول الرقمي الذي يطغى على كافة مسارات الحياة، والذي تعزز أيضا بعد وباء كورونا، من خلال التعلم الرقمي للأطفال وطلاب الجامعة، هو متطلب واقعي غير لطيف، ويفقدنا الربط التاريخي مع الورق والقلم، وهي متغيرات تحيط بالإنسان، والتكيف معها من ضرورات استمرار الحياة".

وأضافت: "هناك حقوق أدبية ومالية يفقدها الكاتب جراء امتداد كتب الـpdf بشكل مقرصن على الوسائل الرقمية، فيما كانت المكتبة المنزلية تعزز من مبيعات الكتب، وتزيد من قدرة الكاتب ودار النشر على الاستمرار".

لكن العسيلي تستدرك بالقول: "الأمر الإيجابي أن الأطفال يميلون إلى لمس الورق بأناملهم، والتعامل مع الكتاب الورقي، نظرا لنزعة الطفل نحو لمس الأشياء"، مؤكدة على ضرورة تواجد المكتبة في المنزل.



بينما يقول القاص الفلسطيني أحمد جابر حول هذه الإشكالية: "بنظري المكتبة المنزلية هي عادة تكتسب بالغيرة والفضول أو تورّث من الآباء والأجداد، والثانية أصيلة وأقوى في المحافظة على شكلها واستمراريتها، وهذه لا تتأثر كثيرا بالوضع المعيشي أو غلاء الكتب، أو تواجد الكتب الإلكترونية المجانية، خصوصا أن نوعية الكتب في هذه المكتبات الموروثة هي كتب بطبعات قديمة في الفكر والسياسة والتاريخ، ويصبح الحفاظ عليها باهتمام واستذكار شخصي للأفراد قبل الكتب".

ويرى جابر، أن "المكتبات المنزلية الحديثة تُوجد لغايات شخصية، بهدف الاقتناء والميل نحو تفضيل القراءة الورقية، والذي من الممكن أن يتحول مع الوقت إلى ما يسمى بهوس الكتب أو الببلومانيا".

ويتبع: "لا أجد أن الكتب الإلكترونية تشكل ذلك الخطر الكبير على المكتبات المنزلية، صحيح أنها سهلة الحصول، وبشكل مجاني، ويسهل قراءتها في أي وقت من خلال الهواتف المحمولة، لكن بحكم العادة وبعد تجارب شخصية لي ومع الأصدقاء، فإنه في حالة أعجب واحد منا بكتاب قرأه إلكترونيا، فإنه يحاول الحصول عليه ورقيا بعد ذلك لينضم إلى الرفوف الخاصة بمكتبة ذلك الشخص".

ويشير جابر إلى أنه: "تم إنشاء العديد من المكتبات الإلكترونية على الأجهزة الخاصة بنا، وفي المقابل، هناك مكتبات عامة وشخصية تحاول ضم أية كتب جديدة ضمن الهوية الثقافية للبلد أو التصنيف، مما يعني أن الكتب الورقية بشكلها على الرفوف لن تنضب بتلك السهولة".

وأخيرا، فإن قيمة المكتبة المنزلية تقوم على تنمية المخزون الذاتي للفرد، وإمداده بطاقة ساحرة، تعين على تجاوز الكثير من مشكلات الحياة. ودونها، تتراكم الأسئلة المحيرة في الذهن، حتى تتصلب. ومع الوقت يفقد الإنسان القدرة على إيجاد فهم حقيقي لذاته ولمشكلاته. ناهيك عن الدور الحيوي للمكتبة المنزلية في خلق تشريع ثقافي داخل المنزل، وترسيخ عادة القراءة عند الأطفال، وتطوير أدوات البحث لديهم، وهو ما تفتقر له العقلية العربية. لقد سبقنا العالم الغربي في ذلك، متجاهلا تلك التكلفة في سبيل استمرار التنمية، فيقول الإذاعي الأمريكي الشهير والتر كرونكايت: "مهما كانت تكلفة مكتباتنا، فالسعر رخيص مقارنة بأمة جاهلة".

 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com