الروائي هيثم حسين: اللغتان العربية والكردية عاملان رائعان شكّلا هويتي العابرة
الروائي هيثم حسين: اللغتان العربية والكردية عاملان رائعان شكّلا هويتي العابرةالروائي هيثم حسين: اللغتان العربية والكردية عاملان رائعان شكّلا هويتي العابرة

الروائي هيثم حسين: اللغتان العربية والكردية عاملان رائعان شكّلا هويتي العابرة

ينقل الروائي والناقد السوري هيثم حسين مناخات جديدة إلى القارئ في المنطقة العربية وحتى على الصعيد الدولي، حيث يسلط الضوء في رواياته، مثل "قد لا يبقى أحد" و"رهائن الخطيئة"، على البيئة الكردية وثقافتها ومعاناتها.

وأعرب حسين في حواره مع "إرم نيوز" عن سعادته بترجمة أعماله من العربية إلى الإنكليزية والكردية، لتقدم بذلك إضافة ثرية للمشهد الثقافي في المنطقة.

وثقت في سيرتك الروائية "قد لا يبقى أحد" تجربة لجوئك من أرض الوطن إلى أوروبا، واليوم هي في رفوف أشهر الجامعات البريطانية.. برأيك هل ترجمة المعاناة إلى رواية أسهمت في هذا النجاح؟

أعتقد أن ترجمة المعاناة وحدها لا تصنع كتاباً ناجحاً، لأنّها ليست العامل الحاسم والمرجّح لكفّة العمل الأدبيّ، بل هي عامل مساعد حين يتمّ توظيفها بدراية، ومن غير مبالغة أو تصنّع أو تكلّف، وبعيداً عن غرض استخدامها لتحصيل التعاطف والشفقة.

ما يسهم بتحقيق النجاح لأيّ عمل هو الصدق مع الذات والآخر، والجرأة، وقبل أي شيء وبعده هو الصنعة الأدبية والإخلاص للفنّ، ومحاولات الارتقاء دوماً بالأسلوب وسبل التقديم والترجمة.

الحكاية مهمّة جدّاً، لكن ما هو أهمّ منها هو كيف تُحكى هذه الحكاية، وهنا يأتي دور الصنعة في إخراج الحكاية من حيّز محدود إلى فضاء مفتوح، ويسهم بأن يرى القرّاء صوراً من أفكارهم أو حيواتهم في طيّاتها.

وما كان لهذه السيرة الروائية أن تصل إلى أرقى الجامعات البريطانية والأوروبية لتكون موضوعاً للدراسة والبحث، سواء في قضايا أدب اللجوء أو المنفى، أو في محاور الثقافات المتعددة، والأدباء متعددي الثقافات وعابري اللغات، لولا الجهد الكبير المبذول من دار عرب للنشر في لندن وصاحبها الشاعر ناصر البدري، ومن المترجمة نيكول فارس والمحررة الأدبية مارسيا لينكس كويلي الذين تفانوا في عملهم لإيصال العمل باللغة الإنكليزية بالصورة الراقية التي ظهر بها.

لماذا أنت حريص على ربط الرواية بالحياة؟ وأي خط اخترت أن تخطه في عالم الرواية؟

ما الرواية إلّا حياة بمعنى ما، أو التقاط مشاهد وصور من الحياة، ومحاولة أدبية لهندسة حياة متخيلة انطلاقاً من حياة واقعية أو بناء عليها، وما الروائي إلّا مهندس حيوات ومصائر يرسمها عبر شخصياته المتخيلة والواقعية ويمضي بها في عوالم متجدّدة.

حياة الرواية تتجدّد مع كلّ قراءة، ولها مع كلّ قارئ مسار حياتيّ وأدبيّ ومتخيّل مختلف، لذلك فهي حيوات في حياة، وهي مفتوحة على الزمن، وقابلة للعيش والاستمرار بعيداً عن مبدعها، بحيث تغدو كينونة خاصّة بذاتها تنتقل من مكان لآخر، ومن زمان إلى زمان يليه دون أن تشيخ أو تفقد جمالياتها.

أحاول التجديد في كلّ عمل روائي أكتبه، أبحث عن الاكتشاف في الكتابة، فهذا العالم ساحر ورحب وثريّ بحيث يمنح المبحر فيه سبلاً عديدة للإبحار، وبوصلته في ذلك حدسه وخياله ورغبة المغامرة الحارقة في كيانه، ولكن قبل كلّ شيء يكون الهدف هو الانتصار للقيم الإنسانية والإعلاء من قيمتها، وتعرية الزيف الذي يحاول التغطية على الحقائق وجماليات الوجود الإنساني.

تشغلني دواخل الإنسان أكثر من الوصف الخارجيّ، دوما أهتمّ بتفاصيل ما يدور في الأعماق وأحاول استجلاءها، وأوقن أنّ أعظم قارّة لا تزال مجهولة وعصية على الاستكشاف هي أعماق الإنسان التي تحتاج إلى سبر دائم لاكتشاف أسرارها المخبوءة التي لا تنفكّ تفاجئنا.

2022-10-61975434_2255515711164534_6897080851553583104_n
2022-10-61975434_2255515711164534_6897080851553583104_n

"الرواية لا تغيّر لكنّها تهيّئ للتغيير".. ماذا تقصد بهذا التصريح؟

الآداب والفنون لا يمكنها أن تنجز التغيير بشكل انعطافي وحدّيّ ومباشر، بل هي تساهم عبر التراكم بالتغيير المنشود من خلال الحفر في الأعماق، وإيصال الرسائل بشكل مباشر وغير مباشر، والتأثير في شرائح معيّنة ودوائر القرّاء، وبالتالي المراهنة على الزمن بأن تشكّل تلك التراكمات والرهانات حلقات يمكن أن تصبح سلسلة مع الوقت، وبالتالي تسير إلى التغيير الذي تهيّئ له، والذي إن تحقّق سيكون حقيقياً وعميقاً وراسخاً ولن يكون عرضة للأهواء أو لن ينتكس نتيجة مواقف أو ظروف عابرة.

للأسف القراءة تنحسر في عالمنا الجديد إلى حدّ ما، ولا يمكن لأي كتاب، مهما بلغ من القوّة والبراعة أن يلعب دور المغيّر والمؤثّر المباشر، لكنّه مع غيره من الفنون يملأ ثغرة في الفجوات التي يخلّفها الواقع وتنتجها الظروف التي نمرّ بها، والتي تنعكس علينا جميعاً بدرجات متفاوتة، لذلك فالتغيير أيضاً يكون متفاوتاً حسب الأشخاص والظروف.

أنطلق في هذا القول من تجربة شخصية في قراءة الروايات، فحين بدأت قراءة الروايات في عمر مبكّر، حين كنت في بدايات المراهقة، اكتشفت عوالم ساحرة رحبة مدهشة، أدمنت الارتحال فيها، تعرّفت من خلالها إلى أمكنة وأزمنة جديدة بعيدة، عزّزت لديّ الأمل بالقدرة على تغيير المصير عبر الإصرار والمحاولة والمواظبة على الفعل وعدم الارتكان إلى اليأس القاتل العامي الذي كان متفشّياً – ولا يزال – في بقاع كثيرة من عالمنا.

منحتني قراءة الروايات قدرة على اقتفاء المصائر وتقصّي آثار الشخصيات الروائية في رحلاتها، وإدراك أن هناك خيارات كثيرة في الحياة غير تلك التي نجد أنفسنا محاصرين بها، ولأني أدرك التغيير الذي دفعتني إليه تلك الروايات فأجد أنّها يمكن أن تلعب أدوارا مشابهة مع قرّاء آخرين، وهي دون شكّ أسهمت بتغيير سابقين أيضاً.

وهنا عظمة الرواية والأدب والفنّ، أن تمنحك الأمل والقدرة على كسر القيود التي تحجب عنك شساعة العوالم البعيدة وراء الجدران اللامرئية التي تحاصرك.

ما جماليات اللغة العربية بالنسبة لروائي كردي مثلك؟

اللغة العربية منحتني الأمل، منحتني القدرة على الإبحار في عوالم الكتابة، منحتني القوّة للمواجهة، فتحت لي دروباً جديدة لم أكن أحلم بها، وسّعت عالمي، بعد أن تعمّقت في دراستها، وانكببت على دراسة الأدب العربيّ الثريّ، انطلاقاً من الشعر الجاهليّ ووصولاً إلى عالم الرواية الحديثة..

هي إضافة تاريخية إلى لغتي الكردية التي أعيش بها ومن خلالها حياتي اليومية، واللغتان معاً كينونتان متآلفتان وعاملان رائعان من عوامل هويّتي العابرة للغات التي تغتني بجمالياتها وحضورها في أدبي وحياتي.

أتعامل مع اللغة العربية بعشق وشغف كلغتي الكردية، وقد مكّنتني دراستي للأدب العربيّ من اكتشاف درر العربية وقدرتها الهائلة على منحي الأدوات والدروب للتعبير عما يجول في ذهني، لغة تثير الفضول دوماً بالإيغال في الاستمتاع بلذائذها.

أكتب بها وأعيش بها حياتي الأدبية، وبها ومعها أسوح في عوالم الخيال والتخييل، لا أتصوّر نفسي بعيداً عنها بأيّ شكل من الأشكال.

كيف تقيّم عالم الرواية العربية وترتيبها في مواجهة الآداب الأخرى؟

الرواية العربية تحقّق حضوراً جيداً حين تصل، لكنها تحتاج إلى مزيد من الانتشار، فهنا في الغرب مثلاً يتمّ التعاطي مع معظم الروايات المترجمة من العربية بنوع من التجاهل أحياناً، بحيث يريدون منها أو يبحثون في طياتها عمّا يرغبون به..

وهناك بعض القرّاء الغربيين يتعاملون بنوع من الفوقية مع الشرق بحيث لا يقتنعون بأي إبداعي قادم من تلك المناطق، ويجدون أنفسهم مكتفين بآدابهم ويؤمنون بتفوّقها، وهذا متأتّ في جزء منه من نظرة نمطية جامدة، ويعكس في جزء آخر فشل عدد من التجارب السابقة أو من قام عليها بإيصال أعمال يمكن أن تردم الفجوات وتشكّل جسوراً للوصل بين العالمين، وبين القرّاء الغربيين والعالم العربي.

2022-10-305562526_5406081069441300_7464192181563687557_n
2022-10-305562526_5406081069441300_7464192181563687557_n

كيف أثر المناخ الكردي الذي عشت ونشأت فيه في رواياتك؟

المناخ الكرديّ يهيمن على أغلب أعمالي الروائية، ينعكس فيها ويتجلّى بصور شتّى، ويمكن أن يحتلّ الصدارة في بعضها، كما في روايتي "رهائن الخطيئة" التي ترجمت إلى اللغة التشيكية والكردية، وستصدر ترجمتها الإنكليزية أيضاً هنا في لندن بعض بضعة أشهر..

أنا سعيد بأن هذه التجربة تنتقل عبر اللغات وتصل إلى شرائح أوسع من القرّاء الذين يكتشفون فيها مناخات جديدة بالنسبة لهم، وهي المناخات الكردية التي أحرص على تصويرها وهي التي تشكّل تفاصيل ذاكرتي وحياتي.

لماذا أنت مقل في الكتابة باللغة الكردية؟ هل لأن العالم الكردي بكر في الرواية كما صرحت في السابق؟

لغتي الكردية هي لغة الحياة اليومية والتواصل مع أهلي وأصدقائي من الكرد، وهي ليست لغة الأدب والعلم بالنسبة لي، لأنّ دراستي كلّها بالعربية وعملي باللغة العربية وحياتي المهنية سواء في التدريس أو الصحافة أو الكتابة هي باللغة العربية، لذلك الإقلال هو بحكم ظروف حتّمها الواقع، ولم أجد فرصة للفكاك منها.

العالم الكردي البكر روائياً أنقله بالعربية إلى رواياتي، وأخلص له بتصويره من وجهة نظري وكما أراه، بعيداً عن الشعارات، وبعيداً عن أي مشاعر فوقية أو دونية، بل كما يقتضيه الأدب والفنّ وبقدر ما يسعفني به الخيال الروائي.

ما الذي يحتاجه الأدب الكردي والإرث الثقافي الكردي حتى يزيد انتشاره عربيا وعالميا؟
ما يحتاجه الأدب الكردي للانتشار عربياً وعالمياً هو ما يحتاجه الأدب العربيّ نفسه من الاهتمام من المؤسسات الثقافية والحكومات والسلطات التي ينبغي أن تتعهده بالاهتمام، بحيث يكون هناك كمّ مترجم يساهم بالتراكم في إنتاج نوع يتكرّس بالتقادم ويوثر رويداً رويداً.

الأدب الكردي يحتاج إلى التحرّر من ذهنية البحث عن ربح سريع أو صدى متواتر عابر على وسائل التواصل، بل يحتاج إلى جهد ومثابرة وتمويل ودعم للوصول إلى الآخرين الذين قد يبدون غير مكترثين بداية، لكنهم حين يجدون أننا مجدّون وحقيقيون ومثابرون سيلتفتون إلينا ويروون فضولهم بالعرف إلى أدبنا وتاريخنا وروايتنا وكلّ ما يمكن تصديره بطريقة احترافية تحترم ثقافتهم وفكرهم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com