فيلم "كيرة والجن".. رحلة كفاح المصريين إبان الاحتلال الإنجليزي
فيلم "كيرة والجن".. رحلة كفاح المصريين إبان الاحتلال الإنجليزيفيلم "كيرة والجن".. رحلة كفاح المصريين إبان الاحتلال الإنجليزي

فيلم "كيرة والجن".. رحلة كفاح المصريين إبان الاحتلال الإنجليزي

يستعرض المخرج المصري مروان حامد، رحلة كفاح للمواطن المصري خلال الاحتلال الإنجليزي لمصر، كاشفًا عن تفاصيل ومشاهد مؤلمة، وأخرى محفزة خلال تلك الفترة، ضمن الدراما التاريخية لفيلم "كيرة والجن" المنتج في 2022.

وتدور القصة حول حادثة دنشواي التاريخية التي حدثت إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر 1906، وتناقش الأحداث التي سبقت وتلت تلك الحادثة، وردات الفعل الشعبية الجمعية والفردية، من خلال خط سير درامي متقافز بين الدراما والتاريخ.

ويسلط العمل من خلال الخط الدرامي الضوء على معاناة وتضحيات الإنسان المصري خلال الاحتلال الإنجليزي، وصور كذلك منهجية الإنجليز، القوة الأعظم في العالم وقتها، في إذلال وتركيع المواطن المصري.

ويرد في السيناريو حوارات شديدة الخصوصية، بين الشخصيات، تلفت إلى صعوبة المخاض الذي مرت به مصر من أجل نيل التحرر من الاحتلال الإنجليزي البادئ 1882.

وكانت البداية مع مشهد تصويري متقن ومختصر حول حادثة دنشواي، يجسد معاناة الفلاحين المصريين خلال فترة الاحتلال، ويظهر رعونة الجنود الإنجليز، خلال رحلة صيد الطيور بين أراضي الفلاحين، وسرعان ما تسبب طلق ناري إنجليزي في احتراق حقول التبن لمجموعة من الفلاحين في القرية المذكورة.

وكشفت المشاهد التالية عن عمق الظلم الذي لحق بالمصريين خلال تلك الحادثة، وما قبل ثورة 1919، فالمحاكم الصورية المختلطة التي فرضتها قوات الاحتلال على الفلاحين المصريين، قضت بإعدام العديد منهم وجلد الكثيرين أمام أطفالهم، فقط لأن جنديًا بريطانيًا مات خلال المواجهة بسبب ضربة شمس.

وإن مشهد الإعدام والجلد، يروي قصة تعرض شعب بأكمله للظلم، من خلال الغطرسة الإنجليزية، والأحكام الصورية المأساوية، ويرجع بالذاكرة المصرية والعربية، لزمن الاحتلالات التي تعرضت لها الدول العربية، كما يحاكي الاحتلال المعاصر لفلسطين من إسرائيل.

ظلم واستعباد

في التصوير يمكن أن نقرأ بأبعاد إنسانية مختلفة، تكشف عن أقدمية الظلم والاستعباد بحجج واهية، من قبل جماعات منظمة تطمح لفرض سيطرتها لربما بدافع الشر، أو المصالح الاقتصادية والسياسية.

وتظهر الأحداث الدرامية والتاريخية المتشابكة خلال السيناريو، أنه لم يكن المد الكولونيالي في يوم يدعو للخير، أو نهضة الشعوب الفقيرة، بل يسعى لمصالحه البحتة، ويمضي هادمًا الإنسان من أجل زيادة رقعة التواجد والهيمنة في العالم.

كما بدا الخط الدرامي للشخصيات غير مهتم بتفاصيل التنامي أو التصاعد الإيجابي لكل شخصية، ولم يركز على فكرة التحول، وتغيرات المنحنيات الدرامية، وهي طريقة عرض معاصرة يسعى من خلالها المخرج لطرح تجديدي.

ونجد شخصية أحمد عبد الحي كيرة الذي عمل بطريقة ذكية لخدعة الإنجليز، موهمًا إياهم بأنه صديق وفي يسعى لخدمتهم، لكنه كان يسعى لخدمة الفقراء المصريين، في مواجهة الاحتلال.

ولم تكن خطوط الشخصية الدرامية واضحة لفترة طويلة من الأحداث، كما لم تظهر على الشخصية تفاصيل الخير والبطولة، لكن الرسم التشكيلي للشخصية حمل علامات غربية، زادت من وهج الشخصية التي جسدها الفنان كريم عبد العزيز.

وكان "كيرة" يحمل أطباعًا وصفات تدلل على هلامية الشخصية، كالنوم المستمر بالحذاء، والتنقل غير المبرر بين الأماكن، وبالرغم من الهدوء الواضح على الملامح، لكنه كان كثير الشغب في الخفاء.

أما شخصية عبد القادر الجن، التي جسدها الفنان أحمد عز، فحملت صوتًا دراميًا مغايرًا، ويمكن من خلال المشاهد الالتفات إلى رعونة الجن، واهتمامه بالنساء والفكاهية الملازمة لحواراته، وحركاته مع الجنود الإنجليز والمواطنين المصريين.

ويتبين في لحظات درامية نزعة الشر في تكوين شخصية الجن، وفي لحظات أخرى يكشف عن الجانب المضيء، المتعلق بوطنيته، وكفاحه ضد الاحتلال، بمشاركة كيرة.

أما شخصية دولت، التي تجسدها الفنانة هند صبري، فهي الشخصية الصعيدية المكافحة، التي نقلت عمق أثر المرأة المصرية في الثورة ضد الاحتلال، وبينت الشراكة بين الرجل والمرأة في التصدي والمقاومة.

مساحات

كشفت مساحات مشتركة بين الشخصيات عن جانب ذاتي فرداني، وسط تلك الضوضاء في الصراع الجمعي مع المحتل، فكان "كيرة" يطلق قلبه في تعلقه بالمرأة الإنجليزية، غم قتاله الخفي لهم، لكن عاطفته الإنسانية، لم تكن تحمل الكره لكل إنجليزي، وإنما لمن يقاتله.

وكذلك كشفت الأحداث عن عاطفة جمعت الجن بدولت، التي أحبت الجن بكل تناقضاته ومغامراته وسلوكياته السيئة.

فالجن شخصية بمثابة الشكل القديم للإنسان المعاصر، الذي يحمل صفات متناقضة، لربما يحمل أكثر من مرض نفسي، ويعايش داخله أكثر من ذات.

وكل هذا التشكيل يعود لتداخل بين المجتمع والفرد في أفكار شتى، لقد انتظر الجن اللحظة الحاسمة، ليكون إنسانًا نافعًا، إذ حمل وعيه بحقوق شعبه، في ظل تيه حقيقي كان يحياه.

وهذا الخلط بين الصفات، والدمج بين الحسن والسيئ، عزز من صعوبة وضوح المشاعر تجاهها، فمشاهد كثيرة حملت التعاطف مع كيرة أو الجن وأخرى حملت الاستياء لدرجة أنه من المستحيل كره أو التعلق بأي شخصية منها.

وهذا النهج هو ما يدعو إليه الفن المعاصر، فلا يستحسن أن يجعل الكاتب والمخرج من الشخصية منارة أو جحيم، حتى يتم إلغاء فكرة التأثر بالبطل، وإنما محاكاة التجربة كتجربة واستخلاص الأفكار المثيرة في الصراع الذاتي معها.

ويظهر في التصوير والأدوات الإخراجية، مدى الجهد القيم المبذول، من أجل تقديم مشاهد في زمن بعيد، حملت تفاصيله أدوات مختلفة تمامًا، من حيث أشكال المنازل والأثاث والملابس، فكانت التفاصيل المرافقة للحوارات بين الشخصيات تتحدث أيضًا عن تلك الحقبة.

ونجحت المؤثرات الصوتية المرافقة، في تشكيل دعم للشخصيات وللحدث ففي مثل هذه الدراما التاريخية، تكون الموسيقى والأصوات الأخرى، وسيلة لسحب المشاهد للزمن والمكان المناسبين.

هذه التجميعة الفنية من ممثلين وفريق فني وأدوات ديكور، وكتابة سيناريو، ومخرج بخبرة مروان حامد، جعلت من فيلم كيرة والجن، متصدرًا للمشاهدات في صالات العرض المصرية والعربية، وللتقييمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي بات يعد من ألمع الأفلام التاريخية العربية، في العصر الحديث.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com