الشاعرة السعودية هدى الدغفق تلتقط كُنْهَ الزّمن وتحوّله لقصائد
الشاعرة السعودية هدى الدغفق تلتقط كُنْهَ الزّمن وتحوّله لقصائدالشاعرة السعودية هدى الدغفق تلتقط كُنْهَ الزّمن وتحوّله لقصائد

الشاعرة السعودية هدى الدغفق تلتقط كُنْهَ الزّمن وتحوّله لقصائد

توازن الشاعرة السعودية هدى الدغفق بين علاقتها مع قصيدة التفعيلة، ورغبتها في الانعتاق من الأوزان والمحددات الشعرية..

لذا، تراها تُكثِّف من صورها الشعرية، لتخرج قصائدها النثرية بكامل بهائها، بعيداً عن الوزن والقافية، وإنما معجونة بشجون الإنسان وعزلته، ومشغولة بلغة تسعى للإدهاش ما استطاعت إليه سبيلا.

الدغفق التي ترأس اللجنة النسوية في نادي الرياض الأدبي، تنشغل بالتعبير عن المرأة والمجتمع، وعن الأفكار العامة البسيطة، بعيداً عن عولميته المزعومة التي تقتل روح الشعر كما تقول في أحد لقاءاتها الصحفية؛ لأنه بالنسبة لها هو الحق، وهو الداعي الأساسي لوليمة الجَمال، ومن دونه يختل توازن الكون.

قصائد صاحبة "الظلّ إلى أعلى" رغم قصرها وقلّة عدد كلماتها عموماً، إلا أنه من الواضح تشبُّعها في نفسها، وتغلغلها في أعماق فكرها، وكأن هناك نموًّا مُمْتَدًّا للشعرية، لا يطفو على السطح بالسهولة، بل بحاجة إلى سبر واستكشاف وتفكير، للخروج بصيغة مختلفة عن السائد، وكأنها ومضة وحي، أو لنقل لَمْعَة وجدان مكثفة.

تراكيب "الدغفق" شَيِّقة وممتلئة بالبلاغة ذات الرؤية المميزة، وأكثر ما يتسم به صوتها الشعري هو الألم المُركَّز فيه، وكأنه رجع صدى لأوجاع لا تنتهي، سواء أكان الوجع ذاتيًا بحتًا، أو انعكاسًا لقضية مجتمعية تنشغل بها الشاعرة، أو حالة روحانية تتقصَّاها وتغوص إلى أعماقها، لتأتي القصيدة كمرآة مصقولة إلى الحد الأعلى عن روح صاحبة "لهفة جديدة".

تقول: "لأني عاصرت حالة دفني/ تجدَّرْتُ بالرّمل/ مارست توق الخروج عن الخريطة".. وفي قصيدة ومضة أخرى تؤكد: "قصيدتك/ لا تحرق سواك/.. أيها الشاعر".

الاحتراق بالشعر، لم يكفِ "الدغفق"، بل أرادت مزيداً من الكشف عن ذاتها، وكان ذلك من خلال أكثر من محاولة أدبية في كتابة سيرتها الذاتية بعد مجموعة من الدواوين، وكان ذلك رغبة منها في تعرية الذات، أو على الأقل لتكون تلك السيرة بأجزائها المتعددة، مكاشفة نسوية إنسانية مديدة، تضعها في مواجهة مجتمعها بعاداته وتقاليده، لتتخلَّص من كل القيود، راسمةً لنفسها صورة مشتهاة لكل امرأة تعيش حياة تشبه حياتها.

ولعل ذلك ما دفعها لكتابة "شَقّ البرقع"، فهي لا تُريد إخفاء أنوثتها، بل التمرُّد على من يريد ذلك، وعلى كل من يسعى لتذويبها في الذات الذكورية الفجّة ضمن مجتمعاتنا العربية، ساعيةً قدر ما تستطيع لإبراز أهمية دور المرأة السعودية خصوصاً ومسؤوليتها الاجتماعية والثقافية في إدارة شؤونها الخاصة وشؤون محيطها على أكمل وجه.

ومع ذلك فهي لا ترى أن مهمة الشعر التعبير عن المسكوت عنه فقط، بل هو طاقة خلاقة تبث مكنوناتها في الذات لتعيد إليها الصفاء، وهي نطفة تتخلق في الشاعر وتنتقل عدواها بالقراءة إلى متلقيها ليشارك الشاعر في نمائها وتجددها وتناسلها.

في إحدى قصائدها نقرأ: "في الصفحة الأولى/ أرمي الفراغ/ لأرتمي في قلبها/ للصفحة الأخرى/ ألوذ برعشة/ هي أحرفي/ أخشى على فراغها المغري".

الاتكاء على نبض متسارع، وتكثيف المعاني ضمن قصائد الومضة، باتت السمة الأبرز لشعرية "الدغفق"، خاصةً في دواوينها الأخيرة ومنها "حقل فَراشْ"، وكأنها عبر استراحات مديدة، وتباعد في إصدارات مجموعاتها، كانت تُعيد رسم خطوط تجربتها، وتضع كل ما كتبته سابقاً في موقع السؤال النقدي، عن المستوى واللغة والتراكيب والعلاقة بالمتلقي..

ويطيب لهذه الشاعرة السعودية أن تسائل زمن القصيدة، وتجعله محوراً في كتابتها، فلكل زمن قصائده المناسبة، وتوجُّساته واهتماماته التي يفرضها على الحالة الشعورية، وإن لم يتمكن الشاعر من التقاط كل ذلك، فإنه سيصبح هائماً من دون مُستَقرّ في روح من يقرأه، وهو ما عملت عليه "الدغفق"، أن تلتقط كُنْهَ الزمن وتحوِّله إلى قصائد.

يذكر أن بعض قصائد الشاعرة السعودية هدى الدغفق تمت ترجمتها للإسبانية والألمانية والإنجليزية، كما ترجمت لها مشاركة في مهرجان المتنبي الخامس بسويسرا 2005، بالإضافة إلى ترجمة مجموعة مختارة من "سهرت إلى قدري"، بجانب ترجمة أخرى سمّتها "بحيرة وجهي"..

وأعيدت ترجمة مجموعة أخرى من نصوصها باللغة الإنجليزية بعنوان "ريشة لا تطير"، صدرت عن دار الفارابي 2008، وكذلك مجموعة شعرية للفرنسية بعنوان "امرأة لم تكن" صدرت 2008، وآخر مشاريعها كان للإيطالية في أنطولوجيا خاصة بها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com