الفيلم الأردني "بيت سلمى".. تمكين المرأة اجتماعيا
الفيلم الأردني "بيت سلمى".. تمكين المرأة اجتماعياالفيلم الأردني "بيت سلمى".. تمكين المرأة اجتماعيا

الفيلم الأردني "بيت سلمى".. تمكين المرأة اجتماعيا

تناقش المخرجة الأردنية هنادي عليان، العديد من المشاكل الاجتماعية المحيطة بالمرأة العربية، بمعالجة درامية مثيرة حول سبل تمكينها، في فيلم "بيت سلمى" المعروض على منصة نتفليكس 2022، والذي أثار جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وترتكز أحداث الفيلم حول 3 نساء بينهن تفاوت في الأعمار، يعانين من مشاكل اجتماعية مختلفة، ويدخلن في صراعات متعددة، وإشكاليات تتعلق بخط سير حياتهن الاجتماعي، ويكون عليهن في النهاية التعاون، وفق الأدوات المتاحة لكل واحدة من أجل تفادي الخسارة الكاملة.

بناء الشخصيات

تعيش شخصية سلمى، المرأة الستينية وتجسدها الفنانة جولييت عواد، في صراع مع لقمة العيش، إذ تصنع الحلوى وقوالب الكيك من أجل الحفاظ على حياتها، بعدما انفصل عنها زوجها وتركها في بيت أهلها وحيدة، وتطل عليها ابنتها فرح كل يوم، تاركة ابنها الصغير كي تعيله الجدة، وقت الذهاب لعملها.

أما فرح وتجسدها سميرة الأسير، فتعاني من تراكم مشاكل الحياة على كاهلها، حيث تتكفل بإعالة بيتها، بعد فقدان زوجها مالك عمله، ويكون عليها المتابعة بين أمور عملها، ومتطلبات بيتها، في ظل تخاذل الزوج الكامل.

أما المرأة الثالثة وهي لمياء، وتجسدها الفنانة رانية الكردي، وهي امرأة أربعينية متحررة، فقد تزوجت طليق سلمى، ولم تنجب منه أطفالًا، ووجدت نفسها مشردة بعد وفاة الزوج، إذ كانت عليه ديون، أكثر مما تركه من ميراث.

صراع

ويتجسد الصراع بين الزوجتين حول البيت الذي تعود ملكيته لسلمى، لكنها وقعت في خطأ هدد استقرار حياتها أخيرًا، حينما كتبت نصف حق ملكيته لزوجها خلال حياتهما معًا، ولم تستطع فيما بعد سداد أقساط البنك المتعلقة بالبيت، ما جعلها مهددة للطرد منه في أي لحظة.

وبعد وفاة الزوج، تنتقل لمياء للإقامة في البيت المذكور، وفق حقها في الميراث، وتطالب ببيعه للحصول على حقها، لاستغلاله في مشروعها "براند فاشن" على "السوشيال ميديا"، حيث تمتلك عدد متابعات كبيرا.

ويجعل الصراع على المنزل، وخوف الطرد منه، من حياة الزوجتين شكلًا جديدًا، ويكون عليهما التعاون مع الابنة فرح، من أجل وضع حلول مشتركة للتعايش مع الواقع الجديد.

كما يكشف السيناريو عن عمق الخوف والتحدي الذي تحياه النساء اجتماعيًا واقتصاديًا، وتراقب الحبكة بشكل مثير مدى قدرة المرأة على تمكين نفسها اجتماعيًا، في إطار بطولة أنثوية غالبة لدراما الفيلم.

مفاجأة

ويمكن ملاحظة تعدد الاتجاهات التي يمضي من خلالها السيناريو، وهو ما يجعله يفقد التركيز في بعض الأوقات، إذ تطرأ على الأحداث مفاجأة مدوية، تتعلق بالابنة فرح، نبقيها سرًا من أسرار العمل، كي لا نحرق كافة الأحداث، لكن يكون لها الأثر الكبير في توجيه الحبكة الدرامية نحو التعايش بين النساء.

تصادم

وما نجحت به الكاتبة والمخرج عليان، هو تصميم 3 شخصيات أنثوية، مختلفات في الأعمار والتوجهات والتحديات الاجتماعية، واستطاعت بشكل ما إيجاد التصادم فيما بينهن، ومن ثم الانتقال بشكل تدريجي، وفق نظرية التعايش، إلى التناغم بينهن، وهو ما حمل صفة المجتمع الكامل في التكاتف من أجل النجاة وتفادي الغرق.

لم تكن فرح تجد الأمان في حياتها، ولطالما شعرت بالوحدة والخوف، في حياتها مع زوجها، ما دفعها للهرب من واقعها، عبر شرب الكحوليات، وهي عادة اكتسبتها من زوجها الذي لم يستمر في الشرب طويلًا، وبدأ في انتقادها فيما بعد.

وكان على فرح مواجهة السر المخبأ عن طفولتها، في لحظة مكاشفة متعمدة من قبل زوجة الأب، وهو ما أصاب علاقتها بالحياة، وأمها، بشرخ كبير.

ولم تشعر سلمى بالأمان في حياتها، فتركها زوجها، لأمر تكشفه المخرجة نهاية الفيلم، وكان عليها إعالة نفسها وابنتها المشوشة في شبابها، لكن تلاحقها ضغوطات الحياة، ومفاجآت الواقع في شيخوختها.

وجاءت شخصية لمياء الفارغة المتمسكة بمظاهر الحياة، مخبئة واقعها الأليم عن المتابعين، وحاولت جاهدة إيهامهم بأنها تعيش حياة برجوازية، بينما كانت مشردة، ومن ثم انتقلت للعيش في بيت قديم مهترئ في أحياء مدينة عمان، وهو ما يحاكي حياتنا المعاصرة، من ميل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بحياة مغايرة عن واقعهم.

تسويق عكسي

ويقدم السيناريو لفظًا نابيًّا، توجهه فرح لزوجها خلال جدال بينهما حول بطالته عن العمل، وهو ما لا يبرره الداعي الدرامي، ولا يمكن تفسيره إلا بتسويق عكسي، رغبت المخرجة في نيله عبر مرور الفيلم بانتقاد من الجمهور، وبالتالي تسريع انتشاره.

كما تقدم المخرجة ملابس السيدات خلال الفيلم في سياق مقبول تبعًا لعادات المجتمع الأردني، عدا ظهور لمياء في مشهد يكشف عن معظم أجزاء جسدها، وهو يمضي في نفس الطريقة التسويقية للفيلم، عبر إثارة الجدل بين الجمهور.

والفيلم الذي جاءت مدته 96 دقيقة، لم يحمل بداية مشوقة، لكن مثار الأحداث بدأ في التسارع في نصفه الثاني، عبر احتدام الصراع بين لمياء وسلمى، وبين فرح وزوجها، وتأزم الوضع الاقتصادي لجميع الشخصيات.

ويستعرض الفيلم الحياة المعاصرة، حيث يكون الإنترنت في لحظة ما، هو المنقذ لخلق فرصة عمل، لم تكن متاحة في الماضي، عبر الآلة التسويقية الرهيبة التي يحملها، وإمكانية الوصول السريع للجمهور، بعرض المنتجات من المنازل، وهو ما اشتركت من خلاله سلمى ولمياء، فواحدة تصنع الحلوى والثانية تسوق لجمهورها المنتج.

دون شر

ولم يقم الصراع الدرامي ما بين الخير والشر، فلم تتواجد الشخصية الشريرة في العمل، ورغم استمرار كذب لمياء على الناس، إلا أنها كانت كما يقدمها السيناريو مدفوعة لذلك، وظهرت إيجابية في عدة مشاهد عبر مصاحبة فرح، وتخفيف ألمها، ومحاولتها إنقاذ سلمى وقت مرضها، ومن ثم أخيرا، التعاون في عملهن المشترك.

حاضنة

وتميز على مدار أحداث الفيلم التأليف الموسيقي المصاحب، من خلال سعاد بشناق، إذ اتسم تقديمه بالذكاء، فلطالما منح المشهد عاطفة محتضنة للحوار الذي غاب عنه العمق، فكانت الموسيقى هي عمق السيناريو في لحظات كثيرة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com