المجموعة الشعرية "مدينون لك أيها اليأس".. الإنسان وعصر الشاشات والتكرار
المجموعة الشعرية "مدينون لك أيها اليأس".. الإنسان وعصر الشاشات والتكرارالمجموعة الشعرية "مدينون لك أيها اليأس".. الإنسان وعصر الشاشات والتكرار

المجموعة الشعرية "مدينون لك أيها اليأس".. الإنسان وعصر الشاشات والتكرار

تفند الشاعرة المصرية مروة أبو ضيف، تفاصيل الحياة الحديثة، مبينة سقوط الإنسان في فخ التغير والتلون وفق مكونات الواقع، وتستطرد في وصف الذات البشرية، تبعًا لذلك، في مجموعتها الشعرية "مدينون لك أيها اليأس" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2022.

تبحث الشاعرة أبو ضيف، عن ذات الإنسان الخالصة من الألم، في ظل حركة مستمرة للعالم مع فوضى المشاعر والأحداث، كما تحاكي الواقع من خلال قصائد لاذعة حول مصير الإنسان في ميله الدؤوب لتكرار نفسه، وتمتلئ النصوص بمشاعر الخوف والألم والفقد، وفيها نداءات للحب والترميم الذاتي.

كما تراقب القصائد تبدل مشاعر الإنسان السريع، والخوف من المستقبل، وانهيار الحواس مع كثر تقلب المواقف والمعايير، واصفة الحياة بالمخادعة.

رؤية

وتحمل رؤية المجموعة المكاشفة والتعرية لواقع هش يعيشه الإنسان، لكنه يفرض صلابته فقط على صدر المرء، ليزيد من محاصرته.

وتحاول الشاعرة من خلال لغتها السهلة والصور المركبة أن تصنع مشاهد يمكن للإنسان البسيط استيعابها، والتوغل في معناها.

وتحمل القصائد استرسالًا ممتعًا، يتيح تكرار الكلمات، والجمل، من أجل الحفاظ على مستوى التواتر بين العبارات، والإيقاع الشعري الذي صنعته القصيدة عبر 104 صفحات من القطع المتوسط.

دون عناوين

ولا تضع أبو ضيف عناوين لقصائدها في كتب شعرها، التي يمكن دمجها في نهاية الكتاب لتكون قصيدة واحدة، مع اختلاف المحطات الشعورية فيها، والمُخاطب، والمنادى، والمتخيل والواقعي، لكنها تمر عبر التجربة الذاتية للإنسان مع الواقع.

وإنها حين وضعت عنوان المجموعة "مدينون لك أيها اليأس"، ربطته بواقعية العالم وزيفه عبر الشاشات التي سيطرت على العالم بفعل التكنولوجيا، وجعلت من روح الإنسان رمادية اللون، تتلقى تاريخ العالم من الشاشة، وتعيش يوميات واقعه أيضًا عبر الشاشة.



المرء يشيخ في الصور أكثر

وتؤكد الشاعرة أبو ضيف، على طفولة الإنسان مهما مر الزمن، صانعة مفارقة بين المشاعر في الواقع، ووقت التقاط الصورة، أو حتى وقت رؤيتها مرة أخرى، وهنا تتقاطع مع رؤية الكاتب ماركيز، إذ يقول: "إن المرء يشيخ في الصور أكثر، وبصورة أسوأ، مما هو في الواقع"، وهو ما يبين ثقل الصورة على الإنسان مع مرور الزمن، فهي تحتوي معاني الخيبة والخذلان والفقد والحنين والألم في الغالب، وقليلًا ما تبعث على الفرح.

تقول مروة أبو ضيف:
"أخرجوني من هذه الصورة،
ليس ممكننًا أن أبقى في هذه النار إلى الأبد،
ما زلت صغيرًا،
وإن ساعدني أحدكم، سأركض سريعًا،
جلدي سيلتئم سريعًا،
وقليل من الهواء،
سيجعل روحي أيضًا تلتئم
ليحظى أحدكم أيضًا بجائزة
وتصفيق حاد من جماهير تودُّ
أن تكون نبيلة،
أحترق في الصورة كل يوم،
كما لو أنني الجحيم،
ولو أنني في الجحيم لوجدت قاتلي
في مكان ما على الأقل،
ربما تشفيت بنظرة هازئة لعظامه العجوزة
ربما مسحت صديدي هذا في عينه القاسية
ربما أطعمت قلبه لأمي التي ينصهر قلبها بجواري في الصورة.

مربعات ضيقة

وتعبر الشاعرة أبو ضيف عن ضيق المربعات والصناديق التي تحدد الإنسان، وتمنع عنه الحياة الحقيقية في التجريب والامتداد لأماكن أخرى. فتجسد الحسي، من خلال اعتبار وقوف لحظة من الزمن عبر التصوير، بأنها سجن مرير، يخلد المرء ويوقفه عن الاستمرار.

وتبين أن احتجاز الإنسان في الصورة يملك أثرًا كبيرا عليه، فالحوار الذاتي مع الوجوه في الصور يستعيد اللحظة التي حدثت خلال التصوير بكافة تفاصيلها، وما تضعه الذاكرة على الطاولة، يلغي مفعول الزمن ويسترجع المكان بتفاصيله الكاملة.

جاء في القصيدة:
"أخرجوني من هنا،
هناك لحظات
لا ينبغي أبدًا تخليدها،
تكرارها دخان سجائر فاسدة،
تكبر كالسرطان في ضمير العالم".

الوحدة كمطلب

وتضع الشاعرة أبو ضيف، في مقصدها الشعري اعتبارات الحياة الحديثة، إذ يميل الإنسان إلى العزلة من تلقاء ذاته، وهو ما صنعته الحداثة بالمرء بفعل أدوات التواصل الوهمية، التي قربت الأسماء والصور، لكنها أبعدت الصلة الحقيقية بين الفرد والآخر.

وتبين شعرية أبو ضيف، كيف صارت الوحدة مطلبًا للكثيرين، للابتعاد عن ضجيج العلاقات وابتذال الأحاسيس.
وتتبنى القصيدة فكرة التخلي والميل للصمت والسكون، بعدم الاحتياج للآخرين والميل لتكرار الامتلاء بالرمل والتحول لصحراء شاسعة.

تكتب أبو ضيف:

"قليل من الرمل يملأ خلايا جسدي،
لأكون صحراء كل من يحبني،
صحراء كل من يكرهني،
كي لا أصلح لشيء أبدًا،
إلا الوحدة،
لا تحتاج إلى ماء
لا تحتاج إلى أخضر،
لا تحتاج إلى أكثر من هيكل
يصلي على عتباته المجانين".

تصفية

وتسخر الشاعرة أبو ضيف، من طريقة الحياة في إنهاك وتصفية الإنسان عبر الأمراض التي لطالما حاصرت الجسد والروح.

وتبين ميل الإنسان المستمر للضحك، بالرغم من كم الجراح التي يحملها، فيتحول إلى "جوكر جديد" يصر على الضحك والإضحاك، لكنه من الداخل يحمل عبء الطريق وتعاستها، فيكون المرض هو التتويج لكل هذه الآلام ويكتب نهاية الإنسان.

تكتب الشاعرة:
"نحن بهلوانات سعيدة،
وكل هذا المرض الذي يتسرب بين الأسرّة،
من الرئات الصدئة والأكباد المهروسة،
مجرد نكات سخيفة،
نحتاج إلى العمل على جودتها قليلًا،
الحفيف في الغرفة لملاك الرحمة لا الموت،
والذي يطير بخفة إلى أعلى جسدي لا لروحي،
والطبول الرهيبة للحياة،
التي ستستمر بعد الصافرة،
والقتل
والغدر
والسرطان".

 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com