"الكوميكس العربي".. بدايات صعبة وتحديات مستقبلية
"الكوميكس العربي".. بدايات صعبة وتحديات مستقبلية"الكوميكس العربي".. بدايات صعبة وتحديات مستقبلية

"الكوميكس العربي".. بدايات صعبة وتحديات مستقبلية

تجربة "الكوميكس - القصة المصورة" ليست جديدة في العالم العربي، بل لها جذور تعود لثلاثينيات القرن الماضي، فمن خلال تلك الصور المحفزة للذهن، والأفكار المتشابكة ما بين الصورة والكلمة، تتشكل ذاكرة جماعية لأجيال نشأت في ظل هذا الفن التصويري.

ورغم استيراد الكوميكس الذي يسمى "الفن التاسع" من أمريكا وأوروبا، فإن هذه القصص المصورة كافحت من أجل بناء مشهد فني مستقل، يمثل الهوية العربية، فظهرت القصص والمجلات العديدة كمشاريع فنية ترعى هذا النوع الفني، وبرزت عدة أطر، في بلاد المغرب العربي ولبنان في البدايات.

وجاء الرسم "الكاريكاتيري" كبذرة لانطلاق هذا الفن، إذ خصصت بعض الصحف المصرية واللبنانية مساحة لرسامي "الكاريكاتير" في أعدادها، واستمرت المحاولات خلال عقود متتابعة، لتصوغ الحالة العربية بشكل لافت.



بدايات

في الخمسينيات، انطلقت الرحلة العربية مع "الكوميكس"، من خلال مجلة "سندباد" المصرية، التي قدمت المحتوى الفني، عبر صفحتين أو 4 على الأكثر، وواكبتها مجلة "الصاحب" في لبنان، وتميزت هذه المحاولات بتسليط الضوء على الواقع العربي وقتها، وبطريقة تحمل حس الدعابة والنقد والتحليل، حاملة الإيحاءات والأفكار المشاكسة.

نهايات مفاجئة

مجلة "سندباد" كانت تصدر للأطفال كل يوم خميس، وصدر أول عدد منها في 3 كانون الثاني/يناير عام 1952، واعتبرت أول مجلة أطفال عربية، بتأسيس الأديب محمد العريان، إلا أنها توقفت بعد عدة اعوام بسبب استقطاب الصحف المصرية الأخرى لرساميها.

وصدر آخر عدد منها في تموز/يوليو 1960، وكانت المجلة توزع في جميع الدول العربية، ومن أشهر شخصياتها "سندباد، نمرود، قمر ذات، العمة مشيرة، صفوان، زوزو".

أما قصص المجلة فكانت تصاغ بأسلوب أدبي يثير التفكير ويعتمد على التشويق، كما أنها حرصت على نشر القصص العربية وحكايات خفيفة من الأدب العالمي المترجم، واعتمدت صيغة القصص المسلسلة التي تنشر في عدد من الحلقات.



ستافرو

في ستينيات القرن الماضي، ظهر في لبنان الفنان "ستافرو جبرا" الذي ذاع صيته عبر منشوراته في عدة صحف ومجلات منها "الصياد"، "صدى لبنان"، "فلاش"، "الدستور"... وتناول في أعماله الظروف الاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم العربي، وكان مواكبًا لأحداث العالم كذلك.

أمقيدش

في ذات الوقت، كانت صحف المغرب العربي متأثرة بـ"الكوميكس الفرنسي"، بطبيعة الحال، بحكم سطوة الثقافة الفرنسية، إلا أن الجزائر استحدثت جيلًا نوعيًا من الفنانين المواطنين، بعد الاستقلال، وتمكنوا من تقديم الصوت الجزائري الحر، والتقاط الإشكاليات الاجتماعية وقتها، من صلب المجتمع الجزائري، فانطلقت مجلة "أمقيدش" في 1969، كأول مجلة "كوميكس"، متخذة اللقب من بطل الحكايات الشعبية هناك "أمقيدش".

وظلت المجلة تصدر دون انتظام، ثم صارت تصدر كل شهرين، إلى أن تحولت لمجلة فصلية حتى توقفت عن الصدور عام 1983، بسبب قلة الكفاءات الفنية الخاصة بالرسامين والمؤلفين ومشكلات الطباعة والتوزيع.

وشهدت الجزائر انطلاق أول مهرجان فني "للكوميكس" في منتصف الثمانينيات، تزامنًا مع ظهور مجلة "منشار" وقتها، التي كانت بعدد صفحات أكبر، لكن الوضع السياسي الجزائري في التسعينيات تسبب في إجهاض هذه المحاولات، حتى 2008.



رواية مصورة

وكان المصري محيي الدين اللباد، أول فنان عربي يصدر رواية مصورة "كشكول الرسام"، حيث كانت تحاكي العقول بطريقة مدهشة، مع الرسومات المكملة ومساحات الحوار، عبر صياغته ذكرياته الخاصة.

تحديات

الكثير من محاولات الفن التاسع واجهت معارضة ومضايقات من الأنظمة العربية خلال فترة الستينيات إلى بداية الألفية الجديدة، واتجه العديد من أصحاب هذه التجارب إلى ترجمة القصص المصورة الغربية، للخروج من غمار المواجهة، فظهرت مجلة "ميكي" في مصر، ومجلة "ماجد" في الإمارات العربية المتحدة، ومجلة "تان تان" وغيرها، ومن المجلات ما توقف بسبب شح الإمكانات.

انطلاقة أخرى

وحديثًا، انطلقت مجلة "السمندل" اللبنانية بتأسيس الفنانة لينا مهرج، التي استقطبت العديد من الرسامين والقصاصين وقدمت نقدا اجتماعيا ساخرا، ما حقق لها انتشارا بين الجمهور العربي، وخاضت صراعا مع الحكومة اللبنانية، بتهمة إثارة الفتنة الطائفية.

لكن "السمندل" منذ 2007، قادت رحلة من التغيير في هذا الفن، من خلال جيل متفتح من الفنانين الشباب، مشتبك بقضايا الناس خاصة الكبار، وبما قدمته من دعم لتجارب أخرى في العالم العربي، لتتركز مرجعية الفن التاسع في لبنان، بحسب بعض المتابعين لهذا الملف.



نبض الشارع

وانطلقت في مصر مجلة "توك توك"، تزامنا مع ثورة كانون الثاني/يناير 2011، وقادها مجموعة من الفنانين الشباب وأبرزهم محمد شناوي، إذ تقدم المجلة نقدا ساخرا لاذعا للواقع المصري، يصل "للكوميديا السوداء"، فلم تغب قصص الشارع البسيط عن صفحات المجلة، وخاضت رسوماتها وقصصها في أدق التفاصيل كالبطالة والفوضى والظلم وغياب الآفاق.

وتنتهج المجلة التجديد والتجريب في مناطق فكرية مختلفة وأساليب متطورة من قبل فريق تحريرها، ما أوجد لها مساحة ممتدة بين الشباب.

"كوميكس سوري"

أما في سوريا فكانت الحرب في 2012، نقطة أثارت بعض الفنانين لإطلاق مجلة "كوميكس لأجل سوريا"، وتناولوا خلال رسوماتهم، العنف والتعذيب في السجون، واعتقال الأبرياء عبر الحواجز، وكذلك الهجرة غير الشرعية للمواطن السوري، وقدموا ذلك بطريقة "كوميدية ساخرة"، بهدف التعديل والتغيير.

برم

وفي فلسطين انطلقت في قطاع غزة عام 2014، مجلة "برم" أي ثرثرة، وهي مجلة استهدفت الواقع الفلسطيني بعد الانقسام السياسي، بين غزة والضفة الغربية، وتناولت قضايا الناس المحزنة، وقصص الحروب المتكررة من الاحتلال الإسرائيلي على غزة.

من الواضح أن تجارب "الكوميكس" في الوطن العربي تشهد قفزات محدودة، خلال فترات زمنية متقطعة، وعلى الدوم يكون خطر التوقف أو التعطيل ملازمًا لخطاها، بسبب الاعتبارات السياسية المتقلبة، وشح مصادر التمويل، وعدم تواجد ثقافة الدعم من المواطن العربي، عبر اقتناء النسخ بشكل دوري.

كما أن هذه التجمعات الفنية بحاجة للمزيد من الترابط، للوصول إلى رؤية أكثر شمولية، عبر التنسيق الدائم.

ويطالب المعنيون بهذا الفن، بإقامة المزيد من المهرجانات العربية "للكوميكس"، لزيادة انتشاره بين الجمهور.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com