الفيلم القصير في تونس.. نمط سينمائي يشكو قلة الدعم
الفيلم القصير في تونس.. نمط سينمائي يشكو قلة الدعمالفيلم القصير في تونس.. نمط سينمائي يشكو قلة الدعم

الفيلم القصير في تونس.. نمط سينمائي يشكو قلة الدعم

لا يزال واقع الإنتاج السينمائي للأفلام القصيرة متعثرا في تونس؛ بسبب عزوف شركات الإنتاج عن الاستثمار في هذا الصنف من الصناعة السينمائية، رغم بروز عدد من الأفلام التونسية القصيرة في دائرة الضوء بالتظاهرات الدولية.

وفي بلد يكاد الإنتاج السينمائي فيه يقتصر على الأشرطة الطويلة أو الأفلام الوثائقية، ظل الفيلم القصير رهين مجازفة بعض الشركات أو مغامرة محفوفة بالمخاطر من قبل المخرجين الهواة.

ويسود الاعتقاد في الساحة السينمائية بأن الأفلام القصيرة ورغم ضآلة كلفة إنتاجها وتصويرها، إلا أنها لا تغري كثيرا شركات التوزيع السينمائية؛ ما جعلها حبيسة المهرجانات الموسمية أو القنوات التلفزيونية المتخصصة.

ورغم الفكرة السائدة بأن الأفلام القصيرة منذ بدايتها كانت مجالا للهواة من المخرجين والمنتجين، فإن حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تزامنت مع طفرة من الأفلام القصيرة التي أخرجها عدد من المخرجين التونسيين المعروفين على غرار حمودة بن حليمة وعبداللطيف بن عمار وفريد بوغدير وغيرهم.

ولكن، جذوة الإنتاج خمدت وأخذت السينما التونسية طريقها بصفة تكاد تكون كلية مع الأفلام الطويلة والتي استهوت الجماهير، بعد أن تطرقت لمواضيع مسكوت عنها في تلك الفترة، مخترقة حاجز الممنوعات مثل الجنس والمثلية الجنسية واختلاف الأديان وغيرها.

تجارب رائدة

وتكشف بعض المهرجانات والفعاليات الثقافية العربية عن تجارب رائدة في إخراج وإنتاج الأفلام السينمائية القصيرة، رغم ثراء تجاربها العالمية، إلا أنها ما زالت إلى اليوم تشكو من الدونية الثقافية مقارنة بالأفلام الطويلة على اختلاف أنماطها.

وأعادت مشاركة تونس في مهرجان بانوراما الدولي للفيلم القصير في دورته السابعة، الجدل حول واقع ومكانة الأفلام السينمائية القصيرة في تونس ومكانتها في السينما العربية والعالمية بشكل أشمل.

ونافست ثلاثة أفلام تونسية قصيرة ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، الذي انتظم من الأول إلى الثالث من فبراير 2022 بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس.

وشارك نحو 24 فيلما قصيرا في المسابقة الرسمية، من بينها ثلاثة أفلام تونسية وهي: "في بالي" للمخرج علي الزرلي، "يحكى عن أميرة" للمخرجة صفاء غالي، و"خيالات" للمخرجة روعة حنزولي.

وحول واقع الأفلام القصيرة في تونس من خلال فعاليات المهرجان، قال مدير مهرجان بانوراما الدولي كمال عويج، إن "الإنتاجات السينمائية تبدو غزيرة، ولكن مقاييس الاختيار للمشاركة في المهرجان رجحت كفة 24 فيلما قصيرا، من بينها 20 فيلما روائيا وأربعة أفلام وثائقية".

وأضاف عويج أن "13 دولة شاركت في فعاليات الفيلم السينمائي القصير الذي رغم كونه نمطا فنيا له مقوماته وجماليته وجوانبه الإبداعية وأيضا جمهوره، فإنه لا يزال بحاجة إلى الدعم والدعاية الإعلامية ليثبت نفسه في الساحة السينمائية بتونس".

بدورها، قالت الممثلة التونسية إيبا هملي، بطلة فيلم "حياة"، إن "الفيلم القصير في تونس يسعى لإثبات وجوده وقدرته على المنافسة، وهذا النمط السينمائي رغم الفكرة السائدة من كونه لا يحظى بالمكانة الأولى، فإنه يسير على طريق الإبداع، وذلك بفضل مخرجين شبان وممثلين أضافوا الكثير من خبرتهم للفيلم السينمائي القصير".

وفي تونس، ينتظم سنويا مهرجان للفيلم القصير، والذي انتظم في آخر دوراته تحت شعار "قصير ويحير"، وشارك فيه خمسة أفلام قصيرة، وهي: "بلاك ممبا" وهو شريط للمخرجة آمال قلاتي وبطولة سارة الحناشي، "كعبة حلوى" وهو عمل سينمائي قصير للمخرج عبدالحميد بوشناق وتمثيل كل من عزيز الجبالي وشادية عزوز وهالة عيّاد.

كما عرض في التظاهرة أيضا فيلم "بلبل" الذي تخرجه خديجة المكشر، وشريط "السماء تصرخ" للمخرج السينمائي قيس الماجري ومن بطولة كل من سهير بن عمارة ونجيب بلقاضي وفاطمة بن سعيدان، إضافة إلى فيلم "بطّيخ الشيخ" للمخرجة كوثر بن هنية.

صعوبات كبرى

وفي السياق، قال المخرج التونسي محمد إقبال شقشم، إن "الصعوبات التي تشهدها الساحة الفنية والسينمائية في تونس، أثرت على الإنتاج السينمائي بشكل عام ولم تقتصر تداعياتها على واقع الأفلام القصيرة".

وفي تصريح لموقع "إرم نيوز"، قال شقشم، الذي أخرج عددا من الأفلام القصيرة: "عادة ما يكون الفيلم القصير هو التجربة الأولى في الإخراج، وهذا ما يفسر إقبال المخرجين الشبان على الأفلام القصيرة التي تكون فرصتهم لصقل إمكانياتهم وتطوير تجاربهم، ومن ثمة الدخول إلى عالم الأفلام الطويلة".

وأضاف: "الفيلم القصير في تونس مرحلة مهمة جدا في مسيرة جل المخرجين والممثلين، رغم أنها عادة ما تكون في الصف الثاني عند الحصول على دعم وزارة الثقافة وشركات الإنتاج".

وكشف المخرج أن "عددا من مخرجي الأفلام القصيرة وفي غياب الدعم من شركات الإنتاج، يلجؤون للتمويل الذاتي وتحمل مصاريف الإنتاج".

وأخرج محمد إقبال شقشم فيلمين سينمائيين قصيرين، وهما: "كتاب"، وهو فيلم وثائقي يتناول تاريخ الكتاتيب في تونس سنة 2007، و"عصافير المدينة" سنة 2009.

بدوره، أكد المخرج السينمائي التونسي محمد سعيد، وهو مخرج فيلم "روبة عيشة"، على ضرورة منح الأفلام القصيرة مساحة من الاهتمام وترسيخ ثقافة الأفلام القصيرة التي اعتبر أنها مظلومة في تونس، رغم الحظوة التي تجدها في الخارج وحصدها جوائز متعددة.

وأثار الفيلم التونسي القصير "روبة عيشة" الذي أخرجه سعيد، اهتمام متابعي السينما؛ بعد حصوله على عدة جوائز خلال أشهر قليلة، فقد حصل على تتويجات في مهرجان أوجنة للفيلم المغاربي (الجائزة الكبرى للفيلم القصير)، ثم جائزة أحسن فيلم قصير في لبنان، ثم جائزة لجنة التحكيم الخاصة في القاهرة، ثم في الهند في مهرجان بلاكبورد حيث حصل على جائزة أفضل فيلم قصير، وأخيرا جائزة "نيويورك أواردز" لأحسن دراما.

وقال محمد سعيد في مقابلة خاصة مع "إرم نيوز"، إن "الأفلام القصيرة مظلومة في تونس وبقيت الأفلام الطويلة هي المهيمنة، حتى أن ثقافة الفيلم القصير في تونس لا تزال غير متداولة كثيرا بين الناس؛ لذلك بقي الفيلم القصير فيلم مناسبات للعرض في المهرجانات فقط، وليست له آفاق للعرض إلا في المناسبات التي تتضمن مسابقات للأفلام القصيرة".

وفيلم "روبة عيشة" هو فيلم قصير مدته 28 دقيقة، يروي قصة الطفل صابر الذي يعيش مع أمه، وفي يوم من الأيام يلتقي هذا الطفل صديقه الوحيد (لشهب) الذي يبلغه بأن أمه غادرت المستشفى وهي تحتضر، فتتحوّل رحلة بحثه عن مستلزمات الحياة إلى صراع مع الوقت لتوفير لوازم دفن أمه.

وعُرض الفيلم في أيام قرطاج السينمائية ضمن ركن "نظرة على السينما التونسية"، وهو العرض الوحيد في تونس، بينما وجد صدى كبيرا في الخارج.

وأضاف سعيد أن "أي تجربة لمخرج شاب يجب أن تبدأ بالفيلم القصير؛ لأنه من المهم إخراج فيلم قصير قبل المرور إلى الأفلام الطويلة، وهي مرحلة من مراحل الإخراج السينمائي".

واعتبر أن "هناك مشاكل إنتاجية للأفلام القصيرة وحتى الطويلة، أهمها مشكلة الدعم وضعف الإمكانيات، حيث يجد الشاب المتخرج حديثا من مدارس التكوين السينمائي صعوبة في إيجاد الوسائل اللازمة للاشتغال على الأفكار التي يروم تحويلها إلى أفلام".

وتشارك تونس، خلال شهر فبراير الجاري، في مهرجان الأفلام القصيرة لأفلام المرأة في أسوان، وذلك بفيلم قصير بعنوان "عنقاء"، تأليف وإخراج بلسم الروح وخي.

ويعود تاريخ الإنتاج السينمائي في تونس إلى سنة 1966، عندما تم إنتاج أول فيلم تونسي بعنوان "الفجر"، وتنتج السينما التونسية حاليا بمعدل ثلاثة أفلام طويلة وستة أفلام قصيرة في السنة، بحسب معطيات غير رسمية، فيما تعد أيام قرطاج السينمائية، أهم مهرجان سينمائي في البلاد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com