كيف ساهم إغلاق البرلمان في خنق متحف "باردو" الأثري في تونس؟
كيف ساهم إغلاق البرلمان في خنق متحف "باردو" الأثري في تونس؟كيف ساهم إغلاق البرلمان في خنق متحف "باردو" الأثري في تونس؟

كيف ساهم إغلاق البرلمان في خنق متحف "باردو" الأثري في تونس؟

طالت تداعيات الأزمة السياسية في تونس الجانب الثقافي كذلك، فبات المتحف الأثري الأول في تونس "رهينة" قرار تعليق عمل البرلمان منذ 25 تموز/ يوليو الماضي.

ويدفع متحف باردو الأثري ثمن موقعه المحاذي تماماً لمبنى البرلمان، الذي بات موصد الأبواب، محروساً بالدبابات والأسلحة.

كما أغلقت معه المداخل المشتركة المؤدية للمتحف الذي يضم أكثر عدد من اللوحات الفسيفسائية في تونس، ويُعد مقصداً سياحياً بارزاً.

يذكر أن المتحف الذي يُعد مبنى البرلمان امتداداً عمرانياً له، عاش محنة هي الأسوأ في تاريخه، حين تعرض في 18 آذار/ مارس 2015، لاعتداء إرهابي خلّف 19 قتيلا، بينهم 17 سائحا أجنبيا.

ويشهد المتحف حالة من الركود منذ خمسة أشهر، وهو ينتظر قرارا سياسيا ولفتة من وزارة الثقافة لنفض الغبار عن أبوابه وقاعات العرض التي تضمّ نفائس لا تُقدّر بثمن.

ويضم متحف باردو الشهير شمال العاصمة تونس، تحفا ثمينة وفريدة من نوعها، تعود لعصور غابرة من تاريخ تونس، وهي تشمل العصور التي مرت بالبلاد التونسية منذ ما قبل التاريخ كالفينيقية والبونيقية والرومانية والمسيحية وصولا إلى الحضارة العربية الإسلامية.

ويُصنّف المتحف ضمن أهم عشرة متاحف في العالم، وقد شهد عمليات ترميم وتوسعة، وتمت مضاعفة مساحة العرض بالمتحف سنة 2012 لتمتدّ على 23 ألف متر مربع.

وأعيد تنظيم عرض محتوياته لإظهار كنوز هذا التراث الاستثنائي. ومن بين القطع الرئيسية المعروضة في المتحف لوحة "انتصار الإله نبتون" وهي لوحة فسيفسائية بالغة الضخامة يبلغ طولها 13 مترا وعرضها 8 أمتار.

وتعود إلى القرن الثاني الميلادي، وهي أكبر لوحة فسيفساء عمودية في العالم إضافة إلى لوحة الشاعر الروماني "فرجيل" التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي.

ويعود تشييد المتحف إلى عهد "البايات" الذين حكموا تونس في القرن التاسع عشر، ويمثل مقصدا لمئات الآلاف من الزوّار من الداخل والخارج.

وسجل المتحف سنة 2005 رقما قياسيا للزوار بلغ 600 ألف زائر، قبل أن يتراجع الإقبال عليه ليصل في 2011 إلى 100 ألف زائر فقط، وعرف خلال السنوات العشر الأخيرة تذبذبا من حيث الإقبال عليه، لكنه لم يشهد أبدا حالة إغلاق، باستثناء الأيام القليلة التي أعقبت الهجوم الإرهابي سنة 2015.

ومنذ اتخاذ الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو الماضي، يعيش متحف باردو حالة إغلاق قسري، دون قرار إداري صريح ودون أدنى إشارة إلى وجود مساع لإعادة فتحه بوصفه معلما تاريخيا وسياحيا مهمّا، ما دفع عددا من المتخصصين في الشأن التراثي إلى إطلاق حملة "حلّ (افتح) المتحف الوطني بباردو" للضغط على السلطات والمطالبة بفتح أبواب المتحف في أقرب الآجال.

ويطرح هذا الغلق القسري مخاوف من تأثيرات الغلق على سلامة القطع الأثرية التي يتضمنها المتحف. إذ لم يتم اتخاذ الإجراءات العلمية المتبعة للحفاظ على هذه القطع، ولا سيما الهشة منها والتي تتطلب عناية خاصة ومراقبة يومية، من حيث الإضاءة ودرجة الرطوبة، وهي تفاصيل لم يتم أخذها في الاعتبار، لا سيما في غياب موقف واضح من وزارة الثقافة وفي غياب قرار إداري بالغلق أو تعليق النشاط.

وتمرّ خمسة أشهر والمتحف الوطني الأول في تونس مجمّد تجميد البرلمان، ومنذ أن ضربت قوات الأمن من حوله طوقا من الحواجز والأسلاك الشائكة صار من الممنوع على العمّال وعلى المتخصصين في صيانة التراث الوصول إلى المتحف الذي يشترك مع البرلمان في مدخل واحد من الجهة الشمالية.

بدورها، تقول محافظة التراث بوزارة الثقافة التونسية منى هرماسي، إنّ "هذه الثروة الأثرية التي تحتاج إلى عناية يومية مثل تنظيف الغبار والأتربة وتعديل الإضاءة ودرجة الرطوبة أصبحت اليوم في خطر ومهددة بالتلف" بحسب تعبيرها.

وتوضح هرماسي في تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية أن "الغبار المتراكم على القطع البرونزية مثل حطام المهدية أو التماثيل يمكن أن يضر بهذه القطع ويتسبب في بقع سوداء يصعب تنظيفها بالإضافة إلى أن الرطوبة والاضاءة الخاطئة قد تتسببان في تلف لا يمكن ترميمه" وفق تأكيدها.

ورأت المتخصصة في المجال التراثي أنّ "إعادة فتح المتحف الوطني بباردو في القريب العاجل أصبح اليوم حاجة ملحة لحماية القطع الأثرية، وأيضا لتجهيزه لاستقبال السياح الأجانب".

وأشارت إلى أن متحف باردو يعتبر "أهم وجهة ثقافية لهذه الفئة من السياح وأبرز معلم يبحثون عن زيارته في العاصمة تونس".

ويطالب متخصصون في الشأن التراثي بضرورة صيانة القطع الأثرية الموجودة في المتحف بشكل دوري، سواء كانت قطعاً نقدية أو رخامية أو تماثيل، من خلال الاعتناء بها وتنظيفها وحمايتها من الأتربة، ولا سيما القطع الحساسة التي تتأثر بالرطوبة والإضاءة، داعين إلى فصل السياسي عن الثقافي وعدم تحميل متحف باردو الأثري مسؤولية قرارات سياسية.

وكان أكثر من 60 مختصاً في الآثار قد وقعوا عريضة موجهة إلى رئاسة الجمهورية، للمطالبة بإعادة فتح المتحف الوطني بباردو، إلا أنها لم تجد أي صدى.

وعبر الموقعون على العريضة عن استيائهم من إغلاق متحف باردو، وانصراف رئاسة الجمهورية عن الاهتمام بقطاع التراث، معتبرين أن إغلاق المتحف هو "أسوأ رسالة يمكن أن توجه إلى عموم التونسيين، وإلى زوار تونس والمهتمين بموروثنا الحضاري" وفق تعبيرهم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com