لماذا تراجع دور المكتبات في عالم الأطفال العرب؟
لماذا تراجع دور المكتبات في عالم الأطفال العرب؟لماذا تراجع دور المكتبات في عالم الأطفال العرب؟

لماذا تراجع دور المكتبات في عالم الأطفال العرب؟

لم تعد المكتبات العامة وجهة الأطفال وأهاليهم في العصر الحديث داخل الوطن العربي، فبعد ظهور الأجهزة الآلية مثل التابلت والجوال، وانتشارها بين أيدي الأطفال، أصبحت الشغل الشاغل للطفل، حيث يقضي معظم الأطفال وقت الفراغ لديهم، باللعب على التطبيقات المبرمجة والألعاب الإلكترونية؛ لما تحتويه من أشكال وأنماط المتعة المختلفة، فهل في هذا ثقافة مقدمة للطفل؟

إن كانت الألعاب الإلكترونية تعطي مساحة من الثقافة للطفل، فهو نمط سريع، هدفه الترفيه لا أكثر، ولا يرسخ القيم أو الأفكار، التي نشأت عليها الأجيال السابقة، والذي كان يتحقق بالفعل من خلال المكتبات المدرسية والمنزلية، والمكتبات العامة. لكن ليكون الأمر أكثر شمولية، هل خروج الألعاب الإلكترونية للسطح هو السبب الوحيد لعزوف الأطفال عن مرافقة الآباء، أو الذهاب وحدهم للمكتبة؟

أهمية القراءة

لا بد أن هنالك أسبابا أخرى أنتجت هذا الواقع المقلق على مستقبل المعرفة والتذوق لدى جيل الأطفال في الوطن العربي في العصر الحديث.

فلم تعد هناك في خطة التربية والتعليم في معظم البلاد العربية أن يكون للطالب حصة إجبارية لزيارة المكتبة، والتفاعل مع الكتب الورقية، واستنشاق رائحتها، وهذه العادة لها أهمية بالغة، حيث يتبرمج عقل الطفل وحواسه على وجود أوقات يحتك من خلالها بالكتب، ويطالع العناوين، فالفضول يتخلق في تلك اللحظة، وتنشأ العلاقة بين الطفل والكتاب، لتواجد الألوان والعناوين الغامضة، وهو ما لا يتوفر في شكل غلاف الكتاب المدرسي الرتيب، فالقصة أو رواية اليافعين، أو كتب الاكتشافات العلمية للأطفال، أو الخيال العلمي، تسهم في بناء عقلية الطفل، وتوسع مداركه، وتزيد من قدرته على تذوق وتأمل الأشياء.

وفي شأن المكتبة وقيمتها يقول الشاعر الأرجنتيني خورخي بورخيس: "وأنا الذي تخيَّلت دومًا الجنة على شكل مكتبة" وبفقدان هذه التجربة، يميل الطفل نحو السطحية والمتعة السهلة، السريعة الذوبان. ففي المكتبة المدرسية كان الطفل قديمًا يمارس العديد من الأنشطة الترفيهية، المرتبطة بموضوعات الكتب، من قبل المعلمين، أو الضيوف المستضافين للمكتبة، وهو ما كان يزيد ارتباطه بالثقافة والتجريب، وزوال هذه الأدوات، أحال المكتبة المدرسية لمكان ميت، لا يدخله الأطفال".

دور المكتبة في السابق

أما المكتبات العامة، فالوطن العربي يحتوي على العديد من المكتبات العامة الشهيرة، وأهمها مكتبة الملك عبدالعزيز في السعودية، ومكتبة مبارك في مصر، ومكتبات دبي العامة، لكن عدد المكتبات لا يتناسب مع النمو السكاني الرهيب في الوطن العربي، بالإضافة إلى أن هناك أماكن وأحياء نائية نشأت حديثًا على أطراف المدن، دون مكتبات عامة.



وحتى المكتبات المتواجدة منذ القدم، فلم تعد تمتلك قوة الجذب للطفل التي كانت تمتلكها في الماضي، فمن الطبيعي التغير الدائم في طبيعة الحياة وأدواتها، أوجد واقعًا جديدًا، يتجسد باهتمامات الطفل والعائلة، ففي الماضي كان الجانب الترفيهي حاضرًا في المكتبات من خلال أندية الرسم، وأندية اللغة العربية، والإنجليزية، وأندية المسرح والموسيقى، والحفلات الفنية الهادفة، ورعاية مواهب الأطفال، وأندية الخيال العلمي، كلها نادرة الوجود في عصرنا الحالي، فغاب دور القراءة التي قال عنها الفيلسوف فرانسيس بيكون: "القراءة تصنع الإنسان المتكامل".

خطة بديلة

وفي ظل استطاعة التكنولوجيا لفت الانتباه، والسيطرة، فيتحتم لذلك وجود خطط بديلة تستطيع الصمود في وجه الثورة التكنولوجية، بل وتستخدم التكنولوجيا ذاتها داخل المكتبة، خلال البحث عن الكتب، والأنشطة المقترحة لتنشيط عقل الطفل، والترفيه عنه.

 

الخطة المواكبة هذه تستطيع استرجاع أقدام الأطفال نحو المكتبات العامة من جديد، بتصميمات إلكترونية توضع على صفحات مكتبات الأطفال العامة على مواقع التواصل، ومعلومات شيقة حول الكتب، واقتباسات منها، وأسئلة تفاعلية مع جمهور الأطفال والأهالي، وحملات قراءة فصلية، كل هذا سيلفت انتباه الطفل إلى مساحة لم يعد يراها من الثقافة.

ومن الضروري التركيز على أن المكتبات العامة في الوطن العربي تعاني من نقص التمويل وقلة تجديد الكتب، وهما عاملان رئيسان في ضعف خدمات المكتبة، وعزوف الأطفال عنها.

نقص تمويل

كما وأن معظم المكتبات العامة في الوطن العربي تعاني من التصميم الرتيب، غير المدهش، وهو ما يتحقق في الألعاب الرقمية، فالنظر عند الطفل يمثل أداة استدراج، وإن لم تحقق له النظرة الأولى للمكان الدهشة، فلا يعد الأمر يعنيه.



فلا بد أن يكون هنالك خطة وطنية في كل دولة عربية لتطوير المكتبات وتعزيز حضورها في المجتمع، ليس للأطفال فقط، بل للأهل، ويتحقق هذا بنظام أرشفة إلكتروني مواكب، وتصميم جمالي للمكان، يجذب الرواد للمكتبة، وضخّ أشكال مختلفة من الكتب الحديثة وفي كل المجالات، والتوغل من خلال صفحاتها العامة للجمهور المتواجد بكثرة على مواقع التواصل، بأساليب مختلفة، وتوفير سبل الراحة والأمان لضيوف المكتبة عبر التكييف والمراوح والحدائق حول المكتبة، بالإضافة إلى أنشطة ثقافية وفنية نوعية، وعرض الأفلام العائلية، والأفلام التي توضح قيمة الكتاب، بحيث تصبح مكانًا للمتعة والثقافة في آن واحد.

ودور لا يقل أهمية، وهو دور الأهل في تنشئة طفل مسؤول يعي قيمة المعرفة، ويحتك بالكتاب، من خلال مكتبة منزلية صغيرة، وأب وأم قارئين، يمثلان صورة متحركة في ذهن الطفل، وعادة راسخة تدفعه لاكتشاف الكتب.

كما ولا بد أن تحرص العائلة على اصطحاب الأبناء لمعارض الكتب العامة، والأنشطة المكتبية وعروضات الأفلام. بهذه البيئة فقط، تستطيع العائلة والمكتبة أن تسترجع مكانتها في عالم الطفل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com