"أدب الشباب" السعودي.. بين إرث الماضي ومواكبة الراهن وبلوغ العالمية
"أدب الشباب" السعودي.. بين إرث الماضي ومواكبة الراهن وبلوغ العالمية"أدب الشباب" السعودي.. بين إرث الماضي ومواكبة الراهن وبلوغ العالمية

"أدب الشباب" السعودي.. بين إرث الماضي ومواكبة الراهن وبلوغ العالمية

يراوح الأدب الشبابي في السعودية ما بين إرث الماضي من جهة، ومواكبة تطورات العصر الراهن من جهة أخرى، بحثًا عن خصوصية التجربة، وملامسة هموم المجتمع المحلي، مع مراعاة الوصول إلى العالمية.

الهم الإنساني

وفيما اتجه كثير من الكتاب السعوديين الشباب إلى تسليط الضوء على المحلي، اختار آخرون خطاً آخر يركز على الهم الجمعي الإنساني؛ على غرار أعمال الكاتب عزيز محمد، وهو ما نلمحه في روايته "الحالة الحرجة للمدعو ك".

في الرواية نلحظ تمردًا على مبدأ الالتزام في الفن، وميلًا نحو تمجيد الخواء والعدمية وتراجع القيم، وكأننا نشهد موقفًا جديدًا يهدف إلى التعبير عن الرأي المخالف للمألوف، في نزعة متمردة تعكس مشكلات الشباب في مختلف دول العالم، وما يعانونه من اغتراب ذاتي واجتماعي.

ويغوص السعودي محمد في روايته، في عمق النفس البشرية، مقدمًا نموذجًا للبطل المغترب عن ذاته الخلاقة، وعن محيطه الاجتماعي، إلى أن يتحول عقب سلسلة من الضغوط إلى شيء صلب باحث عن تحصين قلاعه الداخلية ضد أزمات محيطه المتتالية.

وشهدت الأعوام الأخيرة تراجعًا في تركيز الأدباء الشاب على الفردية، والهم الشخصي، والعواطف الخاصة بالمبدع.



الفضاء الإلكتروني

وبدأ جيل الشباب بالتوجه نحو الفضاء الإلكتروني، بحثًا عن مساحة لنشر إبداعاتهم، فاختاروا النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وما تقدمه من مساحة للحرية بعيدًا عن أعين الرقابة.

وترى الكاتبة السعودية زينب البحراني، أن وسائل التواصل الاجتماعي إحدى هبات التقنية الحديثة، إذ وهبتنا فضاء أكثر اتساعًا للتعبير عن الرأي، وألغت الحواجز بين المبدع والمتلقي، ووفرت التفاعل الفوري من الجمهور تجاه ما ننشره، نتيجة التواصل المباشر بين الكاتب والقارئ، وأصبحت وسيلة مثالية للإفصاح عن المواهب.

العبث

واتسمت كثير من الأعمال الإبداعية الحديثة التي قدمها كتاب سعوديون شباب بعبثية لم نكن نشهدها فيما سبق بهذه الكثافة، في توجه فكري بدأ يظهر بشدة في الآونة الأخيرة.

وعمد الكتّاب الشباب إلى المباشرة، ونبذ التواري خلف رمزية الأدب، ومناقشة مختلف القضايا الإشكالية المعاصرة بجرأة لافتة.

ويبدو أن التوجه الجديد للكتّاب السعوديين الشباب يعود إلى مقتضيات العصر الراهن، وزيادة تحدياته وتشعب معضلاته، فما كان يشغل مثقفي ومبدعي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بات في عيون الشباب من الأمور البسيطة أمام تعقيدات المجتمع الاستهلاكي المعاصر.

ويقول الشاعر السعودي محمد خضر الغامدي في نص يحمل عنوان "ذهول": "إحداهن قالت لأمي إنه ولد مبارك/ وغسلوني بشيء غامض ولزج/ يجعل المرء يتكيف مع أي مكان/ وأنا مذهول من كل شيء/ قرأ الجميع في أذني/ سورة الفاتحة/ والمعوذات القصيرة/ وأشعلوا البخور/ ذا الرائحة الساحرة".

ويضيف واصفًا عبثية الموقف: "أقاموا لي طقسًا سمّوه الطهارة/ وأنا مذهول من كل شيء/ قالت واحدة لأمي سمّوه بكرًا أو جمعة أو سعدًا/ وكان صراخي رفضًا بحتًا/ لكن العائلة اجتمعت في وقت مبكر/ لتفسّر رؤيا جدتي/ أريد أن يكون له نفس اسمي/ لذا كان تفسير الحلم/ أن يسمّوني محمدًا/ وما زلت منذ ذلك اليوم مذهولًا من كل شيء".

ويرى مثقفون أن المرحلة الانتقالية التي يمر بها الكتّاب الشباب السعوديون، ليست خاصة بمنطقة جغرافية بعينها، بل هي جزء من حراك عالمي، وتمثل هاجسًا إنسانيًا، لما يمر به عصرنا من تسارع غير متزن، تتبدل فيه القيم والمثل بين ليلة وضحاها.



تعافٍ

ويرى نقاد وباحثون أن الأدب الشباب السعودي، حاليًا، يمر بمرحلة تعافٍ وقوة، إذ شهدت الأعوام الأخيرة كثافة في نتاج الأعمال الإبداعية، مع وصولها على العالمية، معتبرين أن تعقيدات المشهد المعاصر انعكس إيجابيًا على الأدباء.

وباتت معضلات العصر الراهن تشكل مواد دسمة لأقلام الشباب السعودي المبدع، ليترجموا زخم الأحداث إلى أفكار تجوب العالم، مستفيدة من التقنيات الحديثة، وزوال الحدود الثقافية بين المجتمعات.

وأشار الكاتب والباحث السعودي خالد بن أحمد اليوسف، في ندوة افتراضية نظمت، مطلع العام الحالي؛ بعنوان "أثر المتغيرات الثقافية والاجتماعية على المجتمع السعودي"، إلى أن الساحة الثقافية السعودية تشهد، اليوم، بروز جيل جديد بدأ يكتب باللغتين الإنجليزية والفرنسية، فضلًا عن ترجمة الأعمال الأدبية السعودية إلى أكثر من 26 لغة".

وقال اليوسف إن "هذا يمثل نقلة لافتة، إذ إن عدد الرسائل الجامعية التي درست الأدب السعودي في الأعوام الأخيرة بلغت 700 رسالة.. ولم تعد هناك خطوط حمراء في الأدب، ولكن ما يحكم الكاتب ضميره. أما بالنسبة للحركة النقدية، فقد كانت تتناول موضوعات عمومية؛ مثل الاغتراب في الرواية السعودية، وصارت الآن أكثر تركيزًا على إنتاج الكاتب نفسه".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com