في ظل الثورة الرقمية.. هل شارف دور أدب الطفل على الانتهاء؟
في ظل الثورة الرقمية.. هل شارف دور أدب الطفل على الانتهاء؟في ظل الثورة الرقمية.. هل شارف دور أدب الطفل على الانتهاء؟

في ظل الثورة الرقمية.. هل شارف دور أدب الطفل على الانتهاء؟

في وقت توغلت فيه التكنولوجيا لعمق حياتنا، صار من الصعب منع الطفل من الاحتكاك بأدواتها، بل ومن بعد وباء كورونا، صار لزاما على كل عائلة اقتناء أداة إلكترونية، على الأقل، في المنزل، بعد لجوء الحكومات للتعليم الإلكتروني للطلاب.

وبينما كان بعض الآباء يضعون حظرا على أبنائهم تجاه الإنترنت، حفاظا على أسس تربوية محددة، جاءت ظروف الجائحة لتؤكد خضوع الإنسان مهما حاول، للنظام الاجتماعي.

اكتساح

ومنحت الأدوات الرقمية للطفل إمكانية مختلفة للتعلم والتفكير، وتلقي المعلومة، بحيث سيطرت التطبيقات الإلكترونية الفائقة، والألعاب، وبرامج المسابقات، وقنوات اليوتيوب، والتيكتوك، على الأدوات التقليدية للمعرفة في حياة الطفل، متمثلة في التعليم المدرسي، ومحاورة الآباء والأمهات والمعلمين، والرحلات، وقصص الأطفال.

في ظل العدد الرهيب من المنتجات الرقمية، أصبح الطفل يتنقل ما بينها محاولا الاكتشاف وباحثا عن متعة لا نهائية، وبأساليب مبتكرة، وهو ما وضع أدب الطفل وصناعته أمام تحديات جديدة في ظل ارتباط عقل الطفل بالاكتساح الرقمي.



تراث أخلاقي

إن التجربة الكلاسيكية للطفل العربي مع أدب الأطفال منذ القرن التاسع عشر، كانت تخضع لمعايير مغايرة تماما عما يدور اليوم، فكانت القصة المقدمة للطفل مرتكزة على التجربة الاجتماعية المحددة ضمن أطر وحدود اجتماعية متعارف عليها لدى معظم أفراد المجتمع، فمعظمنا قرأ قصص "أليس في بلاد العجائب، وعقلة الإصبع، وليلى والذئب، وقصص ألف ليلة وليلة، ومغارة علي بابا، وحكايات جحا الفكاهية، وروايات الجيب"، وهذا كله كان يتم بالمشاركة مع الأهل، فمصادر هذه القصص كانت من المكتبات المحدودة في الحي، وكانت هذه الكتب تحتوي نزعة أخلاقية محملة بالخيال، بهدف محاكاة وعي الطفل، واستفزاز الخلق الجيد لديه، ومكتوبة بأسلوب بسيط، لتحقيق المتعة.

أما اليوم، وفي عصر الغرفة الواحدة والعولمة، أضحت إمكانية ضبط المعلومات المتدفقة بسرعة جنونية للطفل، عملية غير مضمونة، فمهما حاول الأهل مراقبة الطفل، وتقنين وتنقية المعلومات المتسربة إليه عبر الهاتف الرقمي، سيتمكن أخيرا من الاحتكاك بأفكار غير متوقعة، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من القناعات السلبية التي حتما سيتأثر بها الطفل.

أضف إلى ذلك أن الجهاز الرقمي يحد من الجانب الاجتماعي للأطفال بما يوفره من متعة وتنوع في الأدوات، فهذا الانجذاب من الواضح أنه لا يمكن إيقافه، لذا صار على دور النشر العربية المختصة بأدب الأطفال أن تبحث عن سبل للحفاظ على وجود أدب الطفل، لكن في ظل هذا الطوفان الرقمي، يمكننا التساؤل: هل دور أدب الأطفال شارف على الانتهاء؟



صراع تسويقي

في الأصل، فإن حركة القراءة بشكل عام في الوطن العربي محدودة، وبسبب الظروف المعيشية القاسية للكثير من العائلات، فإن فرصة شراء القصص لدى الأهالي تكاد تكون نادرة، وهو ما ترتب عليه، ضعف حركة البيع لدى الناشر في مجال أدب الطفل، وفي ظل تواجد التكنولوجيا، لجأت دور النشر إلى تكثيف تواجدها على المنصات الاجتماعية واليوتيوب، والتيكتوك، بوضع إعلانات لقصص الأطفال، بهدف لفت انتباه الطفل لما هو جديد، لكن هذا كله يصارع ثورة رقمية في مجال بناء التطبيقات الذكية، التي تمد الطفل بالمتعة غير المعتادة، والشغف، بما تمتلكه من تصميم فائق، وأدوات حركية وصوتية، لمجرد لمسه للشاشة، وكأنه هو من يخوض المغامرة، وهذا حقيقةً لا يتوفر في كتاب الطفل.

صحيح أن التكنولوجيا أسهمت في تطور التصميم المعد لقصة الأطفال، من خلال الرسم اللوحي، وامتلاك رسام القصة القدرة على تطبيق أي فكرة عبر القلم الإلكتروني، والطباعة الحديثة، والتطبيقات التي تساعد في إخراج شكل أجمل للقصة مما كان في السابق، ولا يزال معظم المنتج العربي لقصص الأطفال، يقدم غلافا ضعيفا، لا يمتلك القدرة على صنع طاقة جذب لعين الطفل أو الأهل، وعلى الجانب الآخر، فالتصميمات الرقمية داخل الألعاب، تصنع بأعلى أدوات. فهل يستطيع هذا الغلاف تحدي رغبة الطفل للعب على هاتفه لعبة ببجي؟

في الواقع أن صناعة أدب الطفل صارت بحاجة إلى المزيد من الأدوات الصوتية والحركية المدهشة، إلى جانب القراءة، من أجل المنافسة في طريق طويل لإقناع الأهل والطفل ذاته، بالمنتج، وحتى يكون للشخصية البطلة دور في خيال الطفل، لا يكفي أن تكون صامتة في كلمات فقط، في حين أن مئات المشاهد الحركية والصوتية تناديه من خلال الألعاب الرقمية.



قيمة القصة للأطفال

إن القيمة الجمالية لقصص الأطفال ليست في التسلية فقط، أو المتعة، فعقل الطفل يتأثر بالكلمة مسموعة ومقروءة، ويحاكيها في خياله، ويشعر بها، وتتجسد داخله كأنها حقيقة، وهذا ما يوضحه الكاتب الأردني المتخصص في شؤون أدب الطفل، موفق مقدادي، فيقول "ليس الهدف من القصة الموجهة للأطفال التسلية فحسب بل تسعى لتوسيع خيالهم وأن تكون متنفسا لطاقاتهم وعن طريقها تتفتح عقولهم وانفعالاتهم المبكرة كالفرح والحزن والخوف والقلق إلى جانب تزويدهم بالمعلومات المعرفية والعلمية".

هذه المشاعر التي يجب أن يتمرن عليها الطفل من خلال القصص، لأنها تزيد من ذكائه الاجتماعي، وتوسع مداركه، أصبحت تمارين مهملة، بسبب غياب التأثر الحقيقي لدى الطفل مع الشاشة الرقمية.

إن الأمر لا يتعلق صراحة بدور النشر المختصة بالطفل وحدها، بل بالتوجيه الأبوي، ودفع الطفل نحو القراءة بالترغيب في جانب القصص، والترهيب من مساوئ الجهاز الرقمي، بحيث يتم التوعية بمضار هذا الجهاز، وتعريف الطفل بقيمة القراءة وأثرها عليه. كما وأن الإدارة المدرسية، يجب أن تعزز دور القراءة لدى الطفل، وبأساليب مختلفة، تواكب سرعة الجذب الرقمية التي يتعرض لها الطفل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com