إيقاعات سردية مختلفة.. رحلة في عالم القصة والقصة القصيرة جدا
إيقاعات سردية مختلفة.. رحلة في عالم القصة والقصة القصيرة جداإيقاعات سردية مختلفة.. رحلة في عالم القصة والقصة القصيرة جدا

إيقاعات سردية مختلفة.. رحلة في عالم القصة والقصة القصيرة جدا

تعود أصول القصة في العالم إلى الأساطير والقص الفلكلوري، حيث بقيت القصة مخبأ أسرار العالم، من خلال التناقل الشفوي على مدار التاريخ، وبرزت في القرن الرابع عشر ميلادي قصص "ألف ليلة وليلة"، التي كتبها الأديب الإنكليزي جيفري تشوسر، وبقيت متداولة لهذا العصر.

وفي بدايات القرن الثامن عشر، صارت القصة ملجأ الكثير من الكتاب وكان من أبرزهم الأديب الروسي أنطون تشيخوف، فيما انتقلت القصة كنسيج أدبي واضح إلى الوطن العربي في ستينيات القرن الماضي، فلا تزال شكلا أدبيا حديثا لدى العرب.

وبعد دعوات الفيلسوف الفرنسي رولان بارت لكسر القوالب، والانطلاق نحو التحرر من كافة القوالب الأدبية، بعد الحرب العالمية الثانية، برزت على السطح أشكال تجديدية للسرد ما بين الرواية والقصة والقصة القصيرة جدا.



وبشكل مختصر، يمكن توضيح الفارق بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا فيما يلي:

البناء

من ناحية البناء، تعتمد القصة القصيرة على شخصية واحدة أو أكثر، وتتطلب وجود مكان واحد وزمن قصير، وتركيز الصراع والحوار حول فكرة واحدة وبدافع وحيد.

لكن القصة السوبر قصيرة وتسمى أيضًا "خيال الفلاش" لا تتطلب البناء المرتكز على الشخصيات، فهي تعتمد على الحركة الواحدة، كما يومض ضوء على جسم ما، وسرعان ما ينطفئ، وتهدف هذه النوعية إلى التلميح أو إحداث اللسعة الأدبية.

وفيما يتعلق بعدد الكلمات وهي ليست بقاعدة ملزمة، لكن للتقريب تخيل الفارق بينهما، فإن القصة القصيرة تبدأ من 1500 كلمة، وتصل إلى 7500 كلمة، وتمتد إلى عدد يتخطى عشرة آلاف كلمة وربما أكثر، لتصل إلى النوفيلا "شكل مصغر من الرواية" في بعض الأوقات التي يصل عددها إلى 20000 كلمة، وتحتاج للقراءة لوقت يصل إلى عشر دقائق أكثر أو أقل، بينما ينحصر عدد كلمات القصة القصيرة جدا في عدد دون 1500 كلمة، ربما يكون عشر كلمات أو خمسا.

مثلما كتب الأديب الأمريكي أرنست هيمنجواي "للبيع، حذاء أطفال، لم يتم استخدامه من قبل". فيمكن ملاحظة التلميح واللسعة الشعورية الناجمة عن هذه القصة الفلاشية.



الشخصية

يمكن إدراك اعتماد القصة القصيرة على شخصية واحدة، يتم من خلالها السرد من وجهة نظرها، ومراقبة الأحداث التي تحيط بهذه الشخصية، ومن ثم تقديم إضاءات تحليلية حولها، لتساعد القارئ في فهم وتصور ذاتها.

ويجب أن تمتلك الشخصية المحورية في القصة القصيرة هاجسًا أو خوفًا أو أفكارًا واضحة، لتتم صناعة اللعبة السردية بما تحتويه من تشويق وتحايل وتلميحات حول مستقبل الشخصية.

فاعتصار الأحداث يتقدم نحو بؤرة خاصة بالحدث المحوري، والشخصية المحورية، وتصير الأمور بشكل محاكاة ذاتية، من خلال السرد والمونولوج الداخلي. كما تتمتع الشخصية الأساس في القصة القصيرة، بأفكارها البارزة التي تسيطر على مجمل السرد، وتتعارض مع الحدث الواقعي، بحيث تنمو الحبكة السردية بشكل لافت، ومحفز لاحتباس الأنفاس.

ويمكن للقصة القصيرة في بعض الأوقات أن تعتمد على شخصيتين، بهدف خدمة الهدف السردي الذي تقوم عليه القصة، ويعتمد الكاتب في هذه الحالة على إظهار الفوارق بينهما من حيث الصفات والملامح والدافع، بهدف إنشاء الصراع الجمالي والخروج بالأثر.

لكن في القصة القصيرة جدا، تغيب الشخصيات ويغيب المكان، ويغيب زمن السرد، أنها مناورة فكرية تعتمد على مشاكسة الحواس، والشغب الدائم مع الوعي، بفضل وجود الشعور السوبر داخلها، حيث يكتب عنها عالم الخيال مايكل مارتون، "هذه النوعية من القصة يريد اللعب، لا يمكن تصنيفه ولا يمكن تدريسه إنه يُعرف ولا يُعرّف".



الزمن

الزمن في القصة القصيرة يعتمد على السرعة، فنلاحظ حدوث الوقائع في القصة القصيرة خلال يوم أو ساعات أو دقائق، بهدف التركيز على الحالة الشعورية وتطوراتها المتقلبة لدى الشخصية البطلة، ورغم انحساره في وقت محدود إلى أن الأحداث تتحرك ضمن إطار زمني، على عكس القصة القصيرة جدا، فإن الزمن لا يمكن اعتباره جزءا ومكونا رئيسا، بل وتسير الأفكار دون زمن، إنها خارج سياق المكونات الأساسية للقصة العادية.

اللغة

لغة السرد دائما تبحث عن التوصيف، وهو ما يميز كاتب عن آخر، فعملية الوصف هي معيار نقاء وجودة السرد، في جانب القصة القصيرة، فإن اللغة تعتبر ماسح غبار عن الأحداث بشكل سلس دون تعقيدات أو تطرق إلى التوصيف الفني المبالغ فيه، فتسهم اللغة في إقلاع القصة بوصف الشخصية والمكان والزمن، والحوار الذاتي وصراع الشخصيات دون إبهام أو تعقيد.

لكن الأمر في القصة القصيرة جدا، يعتمد على اللغة المكثفة الموحية المحملة بالطبيعة الشعرية، وتعتمد على الإيقاع السريع المتقافز، بحيث يتفاجئ القارئ بنهاية صادمة فنيًا.



التسلسل

إن المشية الدرامية داخل القصة القصيرة، تعتمد على تطور الحدث والشخصية، وطبيعة الحراك المتراكم بينهما، كما تعتمد على احتدام الحبكة السردية، وتجميع الأفكار في بؤرة القصة، وفق رؤية الشخصية، وهدف الكاتب من السرد، فيما في القصة القصيرة جدا، الأمر مغاير تماما، فتعتمد الحركة فيها على تتابع السرد، والربط الفني الموحي الذي يدمجه الكاتب بين الجمل، هذه الدحرجة الفنية تتم من خلال تحليق تلميحات وإيحاءات من قبل الكاتب، وإسقاط ألعابه في المنتصف، وتتم عملية الخروج بترك المعنى في وعي القارئ، يتردد مثل صوت الإيكو في برامج المكساج الصوتي.

قصة الخيال الخاطف أو القصة القصيرة جدا، ورغم وجودها القديم، إلا أنها تعتبر من الأشكال الفنية لتطور السرد في زمن سريع يعتمد على الومضة في الشعر والفيلم القصير، والبوست على فيس بوك أو تويتر. ويمكن اعتبارها قصة الأثر الوحيد، والصوت الوحيد والإحساس الوحيد، لكن هذا الشكل الفني لا يستطيع إلغاء أهمية القصة القصيرة، وأشكال السرد الأخرى.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com