في "طفل لاعب باللاهوت".. سيرة ذاتية لأعمى يحمل عصا الشعر
في "طفل لاعب باللاهوت".. سيرة ذاتية لأعمى يحمل عصا الشعرفي "طفل لاعب باللاهوت".. سيرة ذاتية لأعمى يحمل عصا الشعر

في "طفل لاعب باللاهوت".. سيرة ذاتية لأعمى يحمل عصا الشعر

يستعرض الشاعر العراقي أحمد عبد الحسين أبرز لحظات حياته الأدبية والفكرية، وأحداث الصحبة والطفولة وتشكيل الوعي الطري، في كتابه "طفل لاعب باللاهوت" الصادر عن منشورات المتوسط 2020.

ويتضح من الالتقاطات التي احتوتها نصوص عبد الحسين، عمق وتغلغل صبغة الشعر في حياته، ومدى مساهمة الشعر في أخذ مقاسات الإنسان الشاعر، حيث لا نجد في محتوى الكتاب قصدية من قبله في صياغة مضمون فني، بقدر ما هو تعبير عن أفاعيل الشعر في ذاته، وكيف أصبح الشعر المالك الأصلي والفعال لهذا الجسد. وهو ما ينفي فصل الرؤية التي يرتادها الشعر عن حركات وإيماءات وتأملات المرء الذي سلك طريقا معبأً بالصور والاحتمالات.

حتى العشوائية التي يريدها الشعر حضرتْ في ترتيب النصوص التي عمل عليها عبد الحسين، فكان التنوع في الصراع مع الشعر، دون أي ترتيب أو قصدية هو الثيمة الواضحة في  نصوص جاءت في 24 مقالا حول ماهية الشعر، وانغراسه في جسد وروح الإنسان، وامتدت على 128 صفحة من القطع المتوسط.

على غلاف الكتاب يكتب الناشر، قائلا "حينما يكتب شاعر ما سيرته، فإنه يجد نفسه متلبسا بتدوين وقائع لم يطلع عليها إلا هو، هي وقائع وجدانه التي تشكل سيرة أعماقه. ويبدو أن مقولة سان جون بيرس لا تاريخ إلا تاريخ الروح تصلح أن تكون القنديل الذي تكتب على ضوئه سيرة الشعراء".

ولا يكاد عبد الحسين يترك فقرة إلا ويمزج فيها بين فلسفته البسيطة في إعادة تدوير الأشياء، وبين الشعر، ويكشف على مدار سرده لسيرته، لحظة الشغف تلك التي يتمرس عليها الطفل، أنها السر في بقاء الشعر في العالم. إذ يقول في نص "طفل لاعب باللاهوت"، عاطفة الطفل المشبوبة اغتذت بالخوف وبكل ما يثير البكاء. ولست أعرف حقا كيف سيصرف كل هذا المقدار من الرعب والحزن لو لم أصبح شاعرا؟"

كما ويكتب الشاعر في نص "أردنا منقذا وحصلنا عليه، "من يحتاج إلى رؤية بحر إذا كان كتبه من قبل في قصيدة؟ لأني أقول لنفسي، أرى ما أرى لأكتبه، وإذا كنت كتبته، فما الداعي لرؤيته؟".



تكرار الماضي

ولما تحمله رؤية الشعر لطريقة حركة الحياة من أهمية، فإن عبد الحسين يقف على بوابة التاريخ ليقرأ اليأس من نقلات جديدة في مسار الحضارة البشرية أدبيا ومعرفيا، وأن البشرية تعيد تكرار ما حدث في الماضي لا أكثر، فيكتب في نص"كن"، "أظن أن البشرية قالت وفعلت كل ما يمكن فعله وقوله، كل الأفكار الممكنة قيلت، وعلى قدر وسعه فعل الإنسان ما بوسعه. استنفد الحيوان الناطق ثمرات عقله كلها، وقال الكلام الخلاق كله ولم يبق إلا الكلام الرميم، الذي هو هذر وتكرار قول، وحنين ساذج إلى الكلمة الأصل، بلغنا القمة برهة ثم نوديَ علينا بالمسير، فانحدرنا، نحن ننحدر".

ويبني عبد الحسين طوبة أخرى في صرح الشعر حينما يكشف عن مكنونه، ويفضح سر تغلغله في المعنى، المعنى لأي شيء يحدث أو يتوقع حدوثه بالفعل أو بالكلمة إذ يكتب "لا فكر إلا ويكون الشعر في صلبه وأساسه، إن للشعر حصة في كل كلمة قيلت أو ستقال منذ بدء الخلق، وإلى الأبد".

ولا يكف عبد الحسين عن الربط بين الشعر والأشياء في الحياة، ومراقبة ما يلتف حوله من أصوات وحركات وصفات، ليكشف عن ذلك القرب بين فهم الإنسان لذاته، وارتياده كوخه الشعري. خارج هذا الكوخ ضجيج لا يمكن احتماله.

كتب الشاعر في نص "السم في قلب الكلمة"، "ضجيج ملايين وملايين المعلومات والصور التي تضخ للجميع ولا لأحد في الآن ذاته، ثم تنحسر مخلية المكان لسيل جديد من الصور والمعلومات التي لا يعرف أحد من أين وإلى أين في بركة دائبة لا يبدو أن عقلا ما وراءها يتحكم بها ويضبطها ويفهرسها لكنها تشغل الجميع، تستنزف جهدهم ووقتهم وطاقتهم على الفهم والاستيعاب، كأنما هدف واحد وراء هذا الفيضان المعلوماتي يتمثل في شل قدرة الإنسان على أن يفكر ويتدبر".

دائن ومدين

وفي أحد النصوص يرسم الشاعر بطريقته الفلسفية خريطة تاريخية لجسد الإنسان، ما بين النمو والتلف للخلايا، ورصيد الآخرين والسابقين في تكويننا. فلسفة عن الموت والحياة على طريق الدائن والمدين، يجسدها عبد الحسين في قصيدته:

"افتح الباب لترى الحقيقة؛

الحقيقة مأهولة بالتراجم،

فإذا ما أصغيت إلى نفسك

كنت إلى لسان الغرباء تصغي

وبكلماتهم تتكلم.

هذا لأنك لم تعد

لأن أولئك الذين أخذوك منك لم يأتوا إليك بعد،

وحتى حين فتحت فمك وقلت الحقيقة،

لم تقل كانوا هم القائلين.

لأنهم منذ القديم استودعوك الهمس والصرخة

حتى ظننت أنه همسك وصرختك،

وهاهم قادمون،

الذين أعاروك لسانهم،

جاؤوا ليستردوه،

فافتح لهم الباب".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com