في زمن التكنولوجيا ومنصات النشر.. هل مات الناقد المتخصص فعلًا؟
في زمن التكنولوجيا ومنصات النشر.. هل مات الناقد المتخصص فعلًا؟في زمن التكنولوجيا ومنصات النشر.. هل مات الناقد المتخصص فعلًا؟

في زمن التكنولوجيا ومنصات النشر.. هل مات الناقد المتخصص فعلًا؟

عندما أعلن "رونان ماكدونالد" عن طرحه "موت الناقد" في عام 2007، أثارت رؤيته استغراب المهتمين بالحقل الأدبي والإبداعي، لما يحمله الناقد من سلطة غير هينة على مدار تاريخ الموروث الثقافي. لكن ماكدونالد كان يستند إلى دلائله الخاصة، في ظل بدء انتشار المدونات الخاصة، والمواقع الأدبية، والاجتماعية، وقتها، والتي أتاحت للقارئ الهاوي المهتم بالأدب والفن، فرصة لتناول الكتب الجديدة، والكتابة عنها، وفقًا لخبرته المعرفية، وبذلك صار مزاحمًا للناقد المتخصص أكاديميًا، الذي وبطبيعة الحال، يحمل سمعة منفّرة في المشهد الإبداعي، تعود لسلوكيات سابقة في نقد المؤلف.

ويرى ماكدونالد في أطروحته، أنه صار من الصعب على المشهد الثقافي تعويض الناقد المتخصص الفذ، أمثال: ويليام إمبسون، أو إف آر ليفيس، أو ليونيل تريلينغ، في أواخر القرن العشرين.

 



 

وظيفة الناقد
لا شك بأن وظيفة الناقد تقوم على كشف الجانب المعتم من النص، وتسليط الضوء على أدوات الكاتب التقنية في صناعة النص، وفي حال تواجدت إرشادات للكاتب، يفضل التنويه لها بطريقة غير جارحة، أو مقللة من شأنه. ولكن الناقد وبشكل أكثر تأثيرًا من عملية النقد؛ فإنه "مشارك أساسي في سلطة تشكيل الذوق العام" كما يشير الأكاديمي الأمريكي "روهان ميتزن".

 

ديمقراطية
وفي الوقت الذي كان الناقد يُعد مثل الكائنات الدقيقة المتطفلة على النص، كما رأي إليوت، فقد أدى تواجد المراجعات النقدية غير المتخصصة على المدونات وموقع فيس بوك، وجود ريدز، إلى إرضاء شغف الكثير من الكتاب في معرفة انطباع ما عن منشوراتهم، وعدم الاكتراث كثيرًا لمادة نقدية ممتلئة بالمصطلحات، تتناول نصه، فصارت المراجعة الآتية من القارئ الهاوي، الأكثر رواجًا، في صفحة الكتاب على جودريدز. لكن هل هذا يعتبر كافيًا؟
إن محاولة ماكدونالد في 2007، أتت لإضفاء نوع من الديمقراطية في تقييم الكتب، بحيث يكون الأمر خاضعًا للذائقة، وبأن لكل شخص حق الإدلاء برأيه حول الكتاب، والأمر ليس حكرًا على الناقد المتخصص الذي لطالما كان يفرض سلطته على الذائقة العامة، ها هي تلك المحاولة تتحقق بشكل ما في 2020، من خلال سيطرة غير عادية لمراجعات القراء في المواقع التي تستقطب هذا النوع من الاهتمام، وكذلك في المواقع الاجتماعية.

 

تضييق خناق
يمكن القول، بأن منصات النشر الرقمية ضيقت الخناق على الناقد الأكاديمي، وفتحت الباب أمام اجتهادات عفوية، غير مدققة ولا منمقة، لكنها تمتلك رؤية حيوية للنص، لذا صار على الناقد أن يواكب ردات الفعل العشوائية هذه، واحتواء هذا التغير العصري، في تقييمه النقدي للمؤلف.

إن عملية تبادل في الأدوار قد حدثت، إذ اصبح الناقد بحاجة لرؤية القارئ للنص، ومن ثم البناء عليها في نقده، على عكس ما كان في الماضي، فكان القارئ دومًا يبحث عن الناقد، ليلتقط منه خارطة قراءة الكتاب، وتوجيهاته حول الكتب التي يختارها.



 

إرجاء موت الناقد
في الحقيقة أن النقد كفاعلية، وفي ظل تعدد منصات النشر الإلكتروني، قد تعزز تواجده في الحيز الثقافي، ولكن تم تحوير صفاته بشكل ما، فبدلًا من التخصصية التي يتمتع بها الناقد، والشرفات العالية التي يطل منها، صارت عملية النقد بعفويتها من قبل المراجعين المتذوقين للكتب، متاحة وبشكل مستمر على مواقع مراجعات الكتب، والعديد منها يقدم إنارات حول النص، بل وتوصيات للكاتب قد يستفيد منها في منشوره المستقبلي. هذا ينفي تمامًا موت الناقد كما أراد ماكدونالد، وحتى هو في ختام كتابه كان قد أورد معنى متساوقًا مع هذه الرؤية حين قال:"لربما لا يكون الناقد قد مات، بل جرى ببساطة تنحيته جانبًا، أو أنه أخذ قسطًا من النوم، وتتمثل الخطوة الأولى الضرورية لإيقاظه، في استعادة فكرة الجدارة الفنية، وزرعها في قلب الناقد الأكاديمي، وإذا كان الناقد يرغب في أن يكون مقدرًا ذا قيمة، ومهتمًا كذلك بالوصول إلى جمهرة القراء، فعليه أن يكون تقويميًا".

 

القارئ الناقد
وعلى الرغم من مواربة ماكدونالد في صياغة لفظة الموت للناقد المتخصص السيئة اللفظ والمردود، في نهاية طرحه، إلا أن رؤيته بالفعل فتحت الباب أمام الموت البطيء للناقد المتخصص، واستقرأت حقبة غير عادية من تدفق القراءات من قبل "الناقد العام" واحتفاء غير مسبوق بمنتجات المؤلفين. فهل، كما يرى ماكدونالد، أن وجود "القارئ الناقد" يميت الناقد الأكاديمي بالتدريج؟



لقد أثبتت تجربة التكنولوجيا أن المؤلف الثقافي بحاجة إلى أدوات متعددة من أجل تقييمه وانتشاره بشكل أوسع في المجتمعات. لذا، فإنه من الصحي أن يكون الناقد الأكاديمي والقارئ الناقد المتذوق، كليهما حول النص. هذه المشاركة هي من تكمل العملية النقدية وتزيد من إحاطة الكاتب بالنقاط المضيئة والمعتمة في نصه.

إن الأمرر يحتاج إلى المزيد من الاهتمام من دور النشر والمؤسسات الثقافية بدور الناقد المتخصص، في ظل هذه العشوائية الإيجابية من جانب ما. والسلبية من جانب آخر، هذا الاهتمام واجب، حتى لا تتم تنحية الناقد المتخصص بالكامل من أعلى المنصة النقدية.

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com