إطلاق صافرات الإنذار في مستوطنات الجليل

logo
أرشيف

الصحّاف وأحاديث ممنوعة من النشر

الصحّاف وأحاديث ممنوعة من النشر
18 يوليو 2013، 5:48 ص

تاج الدين عبد الحق

عندما قابلته لإول مرة ، لم يكن وزير الاعلام العراقي السابق،  محمد سعيد الصحّاف ،  بالشهرة التي أصبح عليها بعد قيادته الحرب الاعلامية،  إبان الغزو الامريكي للعراق في عام 2003   .

 كان ذلك في مؤتمر قمة عدم الانحياز،  التي عقدت في كوالامبور بماليزيا.  كان العد العكسي لغزو العراق ، قد بدأ بالفعل. وكان العراق في ذلك الوقت يعاني من عزلة سياسية خانقة،  وكانت قمة عدم الانحياز،   اشبه بالقشة  السياسية الاخيرة التي تعلق بها النظام العراقي،  في ذلك الوقت ،  لوقف تسارع عجلة الحرب التي كانت تتحرك بالفعل .

في ذلك الوقت كنت موفدا من قبل جريدة الشرق الاوسط ، لتغطية أعمال المؤتمر الذي كان يغص بعشرات السياسيين،  والإعلاميين ،  من كل جنس ولون .

كانت اجراءات الامن شديدة، ومع ذلك كان  اجتياز حاجز الامن ،  والدخول إلى الفندق الذي يعقد فيه المؤتمر بمثابة  جواز سفر للاعلاميين،  للتجول بحرية بين الوفود الرسمية ، والتنقل بين القاعات واللجان، ومشاركتها  نفس طاولة الطعام عند الاقتضاء .

في هذا الفندق التقيت لإول مرة،   الوزير محمد سعيد الصحاف، حيث كان برفقة وزير خارجية العراق في ذلك الوقت،  ناجي صبري الحديثي . كان  العراق هو قصة المؤتمر وعقدته ، ووجدت من الطبيعي أن أبادر للحصول على تصريح ،  أو تعليق على البيان الختامي،  الذي كانت ملامحه  قد بدأت بالظهور . لكن ما أن قدمت نفسي حتى بادرني الوزير الحديثي،  بهجوم  من ينتظر فرصة ، مستخدما  أوصافا مختلفة طالت الصحيفة،  والعاملين بها،  وبالخصوص رئيس تحريرها في ذلك الوقت الأستاذ عبد الرحمن الراشد ، الذي يرئس  اليوم قناة العربية . لم يكن أمامي فرصة  كبيرة للرد،  لكني اذكر أنني قلت له  مدافعا ، أنني هنا أودي عملا  كما تفعل أنت ، ووسط إرتباك مني،  وإنفعال  من الوزير الحديثي،   وجدت الصحاف يتدخل مطيبا خاطري،  ومؤمنا على ما قلت .

هذا الموقف رغم أنه كان موقفا عابرا ، وفي فترة متوترة ، ذكره محمد سعيد الصحاف عندما قابلته للمرة الثانية في ابوظبي  في مجلس الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الشباب وتنمية المجتمع بدولة الامارات ، الذي يجمع شخصيات لا تراها إلا  في مجلس كمجلسه ، فهو  قاسم محبة مشترك حتى بين الاضداد والفرقاء السياسيين  العرب  الذين طالما إحتضنتهم الامارات .

من ذلك اليوم تعددت لقاءاتي بالوزير الصحاف  وتشعبت أحاديثي معه . بدا لي رغم الانكسار الذي يشعر به جراء ما حدث لوطنه ولأهله في العراق، متماسكا ، ومحافظا على صورة السياسي الملتزم الذي لم تبدله نوازل الأيام .

 لم تؤثر به تلك التعليقات  الساخرة السمجة التي نالت منه،  و من مصطلح ( العلوج ) الذي  اشتهر به،  كوصف للقوات الامريكية الغازية لبلاده ، قال لي إن استخدام مصطلح العلوج كان استخداما واعيا،   فله دلالة في التاريخ العربي الاسلامي،  ويصور بدقة طبيعة الغازي الغليظة والمتوحشة .  في الاحاديث العديدة التي تبادلتها معه،  كنت أمام شخصية  موسوعية في معلوماتها، ومثابرة في متابعة  كل جديد في السياسة والتقنية،  ومطلع على ما يدور من نقاشات فكرية ومذهبية . ومع أنه يحتفظ بمخزون وافر من المعلومات عن فترة الحرب على العراق وما سبقها وما تلاها ، ، فإنه نادرا ما كان يتطرق لهذا الجانب،  وإن فعل فضمن إشارات عامة ومحدودة .

 وبخلاف سلسلة الحوارات التي أجراها مع تلفزيون ابوظبي عند وصوله إليها ، لم يدل الصحاف باي أحاديث ، رغم محاولات كثيرين من العرب والاجانب لإخراجه عن صمته  . وأظن ان هذا  الصمت لن يطول وسيأتي اليوم الذي نرى فيه شهادة الرجل على تاريخ معقد وحساس  كان هو  من صناعه .  حبل المودة الذي ربطني به،  كان كافيا لأحاديث طويلة في شؤون،  وشجون كثيرة لكن  لم يكن أياً منها  للنشر . 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC