عشية اقتراع حاسم.. موريتانيا تعيش ثاني تجربة في التداول السلمي
عشية اقتراع حاسم.. موريتانيا تعيش ثاني تجربة في التداول السلمي عشية اقتراع حاسم.. موريتانيا تعيش ثاني تجربة في التداول السلمي
المغرب العربي

عشية اقتراع حاسم.. موريتانيا تعيش ثاني تجربة في التداول السلمي

إبراهيم العبد الله

يستعد الناخبون الموريتانيون للتوجه إلى مراكز الاقتراع، يوم السبت القادم، للتصويت في انتخابات رئاسية غير مسبوقة في  تاريخ البلاد، إذ ينتظر أن تسفر عن أول تناوبٍ سياسي يتسلم فيه السلطة رئيس جديد من سلفٍ أكمل مأموريتين لا يتيح الدستور أكثر منهما.

وعرفت موريتانيا تسليم السلطة بشكل سلمي عام 2007، ولكن ذلك التسليم جرى بين رئيس عسكري وآخر مدني حملته أصوات الناخبين في رئاسيات توجت مرحلة انتقالية استمرت نحو عامين، وقادها الجيش بعد إطاحته بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع، صيف عام 2005.

من ''لابول'' كانت البداية

دخلت موريتانيا عهد التعددية السياسية، بعد إقرار دستور الـ 20 من يوليو/تموز 1991، الذي كرس اعتماد الديمقراطية التعددية منهجًا للحكم، لأول مرة في تاريخ هذا البلد الذي عرف، منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، حكم الحزب الواحد ثم العسكري، اعتبارًا من يوليو/تموز 1978.

ولم تكن موريتانيا استثناء في محيطها الأفريقي، فقد جاء هذا التوجه انسجامًا مع توجهات السياسة الفرنسية في أفريقيا، خاصة أفريقيا الغربية التي كانت أغلب بلدانها مستعمرات فرنسية، ويستدعي فهم هذا التحول استحضار سياق العلاقات الدولية في تلك المرحلة، والذي تميز بانهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة.

في أتون ذلك التحول المفصلي في واقع النظام العالمي، دعا الرئيس الفرنسي الراحل، فرانسوا ميتران، زعماء 37 دولة أفريقية للقمة الـ 13 لـ ''فرنسا- أفريقيا'' ببلدة ''لابول'' الوادعة بمنطقة ''اللوار'' بشمال غربي فرنسا.

وفي خطابه أمام القمة، كشف الرئيس ميتران الخطوط العريضة للسياسة الفرنسية الجديدة في أفريقيا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وكان أهم مرتكزاتها: اعتماد التعددية السياسية، وحرية الإعلام، واحترام حقوق الإنسان، وعُرفت هذه السياسة بــ''المشروطية الديمقراطية''، أي أن طبيعة علاقات فرنسا مع مستعمراتها السابقة ودول القارة عمومًا، تتوقف على احترام هذه الشروط، وإن كانت السنوات اللاحقة ستكشف عجز فرنسا عن فرض هذه الشروط؛ نظرًا لعامل المصلحة الاستراتيجية ومركزيته في صوغ العلاقات الدولية، كما أن هذا التحول ألقى بعدد من الدول الأفريقية إلى متاهات الحرب الأهلية والصراعات العرقية.

مسار متسارع

مع انقضاء العام الأول على خطاب ''لابول''، صوت الموريتانيون على دستور تعددي، وذلك في يوليو/تموز 1991، لتدخل البلاد عهد التعددية ويتوالى ترخيص الأحزاب السياسية التي كان أولها حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة الذي أسسه الوزير السابق أحمد ولد سيدي بابه، ثم تلاه الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، وهو حزب الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، الذي كان حينها لا يزال عقيدًا في الجيش ويقود اللجنة العسكرية الحاكمة.

وشهدت موريتانيا أول انتخابات رئاسية في الـ 24 من يناير/كانون الثاني 1992، وتقدم لها الرئيس معاوية إلى جانب ثلاثة منافسين، أبرزهم المرشح المستقل أحمد ولد داداه، وهو موظف دولي قادم لتوه من صندوق النقد الدولي، ووزير سابق خلال حقبة حكم أخيه المختار ولد داداه أول رئيس للبلاد، أطاح به الجيش عام 1978.

وفيما أُعلن ولد الطايع، فائزًا بهذه الانتخابات من الشوط الأول بنسبة ناهزت 64 % من الأصوات، فقد وصفتها المعارضة بالمزورة؛ مستندة إلى تقارير مراقبين دوليين أشارت إلى شوائب كثيرة شابت عمليات الاقتراع وتسجيل الناخبين وعمليات الفرز وإعلان النتائج.

وجرى التجديد لولد الطايع للمرة الثانية في شتاء عام 1997، في انتخابات قاطعتها المعارضة، ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، رغم مشاركة المعارضة واصطفاف أهم قواها إلى جانب سلف معاوية الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالية (1979-1984).

ولم يكمل ولد الطايع، مأموريته الثالثة، حتى أطاح به الجيش بانقلاب عسكري في الثالث من أغسطس/آب 2005.

مرحلة انتقالية ثم انقلاب

أعلن الجيش، بعد إطاحته بمعاوية ولد الطايع، مرحلة انتقالية من عامين تُتوج بنقل السلطة للمدنيين، وهو ما تم بالفعل، حيث أُجريت تعديلات دستورية تضمنت تحديد عدد المأموريات الرئاسية في اثنتين فقط.

وجرت الرئاسيات في مارس/ آذار 2007، وتقدم لها عدة مرشحين أبرزهم الوزير السابق سيدي ولد الشيخ عبدالله، والزعيم التاريخي للمعارضة أحمد ولد داداه.

وتأهل الاثنان لشوط ثانٍ، تميز بمنافسة شديدة تمكن ولد الشيخ عبدالله-الذي وصف حينها بمرشح العسكريين- من الفوز به بفارقِ ثلاث نقاط، ليتسلم السلطة من رئيس المجلس العسكري، العقيد الراحل إعلي ولد محمد فال، في مراسيم كبيرة حضرها قادة دول وممثلون سامون عن حكومات فرنسا والولايات المتحدة.

لكن فترة حكم ولد الشيخ عبدالله لم تدم طويلًا، فقد تفجرت الخلافات بينه وبين أبرز القيادات العسكرية التي لم تغادر المشهد بعد المرحلة الانتقالية، وتطورت الأمور سلبًا إلى حد إقالة الرئيس قادة المؤسسة العسكرية دفعة واحدة، صبيحة السادس من أغسطس/آب 2008، ليرد هؤلاء بالانقلاب عليه ملقين بالبلاد إلى أزمةٍ سياسية دامت نحو عام، أنهتها وساطة دولية شاركت فيها السنغال وتُوجت باتفاقٍ أُبرم بالعاصمة داكار، ونص على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتنظيم انتخابات رئاسية جرت في صيف 2009، وفاز بها الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز، الذي تقدم للاستحقاق بعد استقالته من الجيش وقيادة وحل المجلس العسكري الحاكم.

وفاز ولد عبدالعزيز بولاية ثانية في رئاسيات 2014، التي قاطعتها أهم مكونات المعارضة، ولم تشهد منافسة تذكر، وهو نفسه الذي يتسلم السلطة حاليًا في ثاني تداول سلمي للسلطة في موريتانيا.

التالي